فلسطين وعُمان

0
1604

انشغلوا عنها بخيباتهم الكبيرة وهزائمهم المذلة وتسربلوا بالكوابيس والقلق المؤرق ، ورغم أن الصحراء مدرستهم الأولى إلا أنهم لم يأخذوا منها الحكمة في توازنات القوى والمال والسلطة…

كما أنهم نسوا أو تناسوا قيّم العربي، وعاداته ونبله وفرطوا في رابطة الانتماء ، ورهنوا أوطانهم للمستغلين والطامعين وسول لهم حمقهم بأن كراسي الأوطان لا تثبت إلا بمسامير غريبة.

وتغافلوا عن حكايات الصحراء ومغازيها ومعانيها ولعل حكاية المثل الشهير كمجير أم عامر تصب في بعض ما أقصد

حيث تقول هذه الحكاية
خرج قوم إلى الصيد فعرضت لهم أم عامر وهي الضبع فطاردوها حتى استطاعت الهروب منهم والتخفي داخل كوخ أعرابي وما أن رآها الأعرابي على هذه الحالة من الرعب والفزع حتى شعر أنها تستجير به، فخرج شاهرًا سيفه ومدافعًا عنها قائلًا لهم: ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا وطريدتنا أخرجها إلينا أو مكنا منها، فقال: كلا، والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي.
فشعر القوم أن الأعرابي لن يتركهم وطريدتهم فهموا بالانصراف خائبي الأمل، ورجعوا وتركوه، وهنا شعر الأعرابي بالنصر لما استطاع أن ينقذ تلك الضبعة من صائديها.. والذي ظن حينها أنها مسكينة ، وقام على ضيافتها فأحسن أكلها وشربها، فقدم للضبع حليبًا ثم أسقاها ماء حتى عاشت واستراحت.

وبعد أن شعر الأعرابي أن الضبعة أكلت واستراحت تركها ليكمل شؤونه وما أن أعطاها ظهره حتى غدرت به فوثبت عليه وبقرت بطنه وشربت دمه حتى لفظ أنفاسه فمات، بعدها اختفت الضبعة من الكوخ وعادت إلى حياة الغابة، ولما عاد ان ابن عم الأعرابي وجده مقتولًا على هذه الحالة فبحث عن الضبعة فلم يجدها فتتبع خطواتها حتى استطاع أن يجدها فقام على قتلها انتقامًا لابن عمه المغدور ثم أنشد بعض أبيات الشعر …
ومن يصنع المعروف مع غير أهله … يلاقي كما لاقى مجير أم عامر
أعد لها لما استجارت ببيته … أحاليب البان اللقاح الدوائر
وأسمنها حتى إذا ما تمكنت … فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من … يجود بمعروف على غير شاكر

وتبقى بلادنا بفضل الله وبتاريخها وحضارتها وحكمة قيادتها الرشيدة بعيدة عن التجاذبات المقلقة والصراعات المبددة لثروات الأوطان والموهنة للشعوب ولمقدرات الأمة ..فحضور الرئيس الفلسطيني اليوم هنا في أرض السلطنة لهو أكبر دليل على أن هذه البلاد هي الضمير الحي لهذه الأمة و بأنها لن تنسى فلسطين وقضيتها العادلة
وأنها دائما تسعى إلى رأب الصدع والإصلاح وأنها دائما مع صوت العقل والسلام…
ولن أتكلم كثيراً عن بلادي فهي تفضل العمل بصمت وأن تظل بعيداً… بعيداً


و ربما لن أجد ختاماً أجمل من مما قاله أيقونة فلسطين وعاشقها محمود درويش  (رأيتك أمس في الميناء مسافرة بلا أهل.. بلا زاد ركضت إليك كالأيتام، أسأل حكمة الأجداد لماذا تسحب البيّارة الخضراء إلى سجن، إلى منفى إلى ميناء وتبقى رغم رحلتها ورغم روائح الأملاح والأشواق تبقى دائماً خضراء؟ وأكتب في مفكرتي أحبّ البرتقال.. وأكره الميناء وأردف في مُفكّرتي على الميناء وقفت، وكانت الدنيا عيون الشتاء وقشرة البرتقال لنا.. وخلفي كانت الصحراء! رأيتك في جبال الشوك راعية بلا أغنام مطاردة، وفي الأطلال.. وكنت حديقتي، وأنا غريب الدّار أدقّ الباب يا قلبي على قلبي.. يقوم الباب والشبّاك والإسمنت والأحجار! رأيتك في خوابي الماء والقمح محطّمة…)

محمد بن علي الوهيبي