سلطنة عمان ودولة فلسطين قضية ومصير

0
1230

إن العلاقات بين الدول لا ترتهن ولا تقاس بالأقوال والضجيج والصخب الإعلامي ، لكنها تقوم على ماتكرسه هذه العلاقات من أفعال وتفاعل رسمي وشعبي ، يصدقه الواقع ، وتلمسه الشعوب ، كما أن العلاقة الصحيحة بين دولتين لا تتوقف على المصالح المادية ، وإنما تتعداها إلى مشاركة كل منهما للأخر في السراء والضراء ، والوقوف ونصرة كل منهما للحق والعدل ونشدان السلام بما يعود على شعبيهما بالأمن والاستقرار ، ومحبة كل منهما للطرف الأخر بصدق وإخلاص ووفاء .

ومما لا شك فيه أنّ علاقة سلطنة عمان بدولة فلسطين ، علاقة أزليّة وتاريخية ، تقوم على وحدة الهدف في أن ينال الشعب الفلسطيني البطل لحقوقه المشروعة في عودة أرضه ومقدساته التي اغتصبها العدو الصهيوني في خلسة ومؤامرة دولية ، معروفة تفاصيلها وتبعاتها على هذا الشعب المكافح ، الذي لم ولن يستسلم مهما قويت شوكة الدولة المعتدية ، ومهما تآمر المتآمرون على ضياع القضية الفلسطينة سواءً من خلال ما أطلق عليه صفقة القرن ، أو من خلال أية صفقات أخرى حتى ولو كثرت قرونها بقدر كثرة المتخاذلين من العرب والغرب .

إنّ القضية الفلسطينة بالنسبة لسلطنة عمان حكومة وشعباً ، قضية أمة من النيل إلى الفرات ، ومن غزة إلى صلالة ، لن نقبل التفريط فيها ولا المساومة ، وهذا ما أكدته القيادة السياسية للسلطنة وعلى رأسها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم ، فمواقفه معلنة ، وأفعاله وأفعال حكومته في السر والعلن ، هي ثابتة ولن تتزعزع قيد أنملة مادام فجر ينبلج وشمس تسطع .

ونحن على يقين تام بأنّ الشعب الفلسطيني الشقيق ، يُدرك هذه المعادلة السليمة في العلاقة الحميمة بين عمان وفلسطين ، علاقة كما نراها تتعدى حدود الجغرافيا ، لأنها علاقة دم وتاريخ مشترك ، وأواصر قربى والاشتراك في المقدسات والآمال التي يؤمن بها الشعبان للعيش في محبة وسلام وأمان وفي عودة الحقوق لأصحابها مهما طال أمد عودتها ، فإن الله ناصر عباده لا محالة ، وبإذنه تعالى ، فنصره آت غير بعيد .

تأتي زيارة فخامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ، في هذا التوقيت بالذات التي اصبحت فيه الحالة العربية ضائعة متصدعة ، لتعطي دلات ومضامين سياسية فوق العادة ، بما تمثله سلطنة عمان من مواقف ثابتة ، لا تتغير ولا تتبدل ، بتغير الأحداث ، وبما تلعبه من جهود متواصلة لصالح قضية فلسطين ، وليتبادل الزعيمان الأفكار والرؤى للتعامل مع الأوضاع والدول ذات العلاقة ، حتى يتم قطع الطريق على أي محاولات للتخاذل والتآمر لبيع قضية الأمة العربية والإسلامية الأولى .

وإنها لمناسبة عظيمة للجانبين لتوحيد المواقف والتنسيق بينهما في تعزيز وديمومة الجهود التي تبذل في هذا السياق ، فالمواقف تبنى على الفهم المشترك والرؤية الصائبة للتعاطي مع الواقع العربي والدولي ، بما يضمن في النهاية نجاح هذه الجهود وتحقيق الآمال المعقودة عليها . وفخامة الرئيس الفلسطيني يُدرك قيمة هذه الزيارة ، ويُدرك الثقل المعنوي لعمان وقائدها ، وما يمكن لهذه الزيارة أن تحققه من مردود إيجابي على القضية الفلسطينية بشكل عام ، وكذلك الاستنارة برؤى جلالته والأخذ بنصائحه في كيفية التعامل مع الأحداث الراهنة ، وما يمكن أن يقدمه جلالته في رأب الصدع بين الإخوة الفلسطينيين في فتح وحماس ، باعتبار أن استمرار الخلاف لا يخدم الشأن الفلسطيني بل هو مدعاة للضرر ، ولا يفيد منه إلا العدوالصهيوني ، فقد أثبتت الأحداث صدق المواقف العمانية وقدرة عمان للتعاطي مع الأطراف الدولية نظراً لعلاقاتها المتوازنة مع الكل .

فخامة الرئيس محمود عباس ، هذه عمان قيادة وشعباً ترحب بكم ، حللتم أهلاً ، ونزلتم سهلا ، قلوبنا معكم في كل وقت وحين ، قضيتكم هي قضيتنا إلى أن يعود أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، وكل أراضيكم ومقدساتكم المغتصبة منكم ، مهما تغيرت الأزمان ، لن نساوم على قضيتكم ، ولم ولن نخضع لابتزاز أو ضغط من الآخرين ، نحن شعب يكره ويمقت الغدر والخيانة ، ولا يبيع أهله بكنوز الأرض ذهبا ، فامضوا على طريق الحق ، ووحدوا صفوفكم وجهودكم ، كونوا قوة واحدة حتى لا يقوى عليكم عدوكم ويدخل من بينكم ، تمسكوا بحبل الله المتين ، فإن كنتم كذلك فإن أمر الله غالب على الكافرين ، وسينصركم الله نصراً عزيزاً ، عاجلاً غير آجل ، وما ذلك على الله بعزيز .

الدكتور / سالم بن سلمان الشكيلي