التنظير أوالفضول المعرفي

0
832

بقلم / سعيد بن سالم الوهيبي

الفضول هو الأساس لكل الاختراعات والاكتشافات العلمية، وكل إنسان عاقل مكلف بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وفي كل ما يحافظ على بقاء الإنسان ويساعده على تعمير الأرض، وحينما تتوارد الأفكار إلى ذهن الإنسان يدفعه الفضول المعرفي إلى طرح العديد من الأسئلة وإستنتاج الفرضيات كما هو الحال مع قصة التفاحة الشهيرة التي سقطت على رأس نيوتن التي حفزت فضوله المعرفي ودفعته لطرح العديد من الأسئلة لماذا سقطت التفاحة إلى الأسفل.. ؟

ولماذا لم ترتفع إلى أعلى .. ؟ ولماذا.. ولماذا.. ؟؟ حتى قاده فضوله إلى واحد من أهم الاكتشافات العلمية وهو قانون الجاذبية الأرضية.

و يجب التفريق بين الفضول المحمود و بين الفضول المذموم الذي يدفع صاحبه إلى دس أنفه في شؤون الناس الخاصة وعالمنا العربي يعج بالنوع الثاني

بينما العالم المتقدم يدفعه فضوله المعرفي الى الاختراعات والابتكارات والبحوث العلمية الرصينة.

ومن أكبر العيوب في عالمنا العربي ترديد المصطلحات  المرسلة دون التفكر فيها، وبعد أن تترسخ في العقل اللاواعي وتنتشر بين مختلف الشرائح يبدأ ترديدها والمحاجة بها لوأد كل نقاش حتى لو لم يكن هناك داع لاستخدامها،و إذا حاول الواحد مناقشة خطة معينة أو رؤية محددة وقام بطرح أسئلة فكرية تتعلق بموضوع معين ينبرئ لهالبعض ويفاجئه بعبارة ( لا تتفلسف علينا ..!) أو ينهي موضوع النقاش بعبارة (هذا مجرد تنظير غير قابل للتطبيق) ..!

البعض لديه خلط  بين التنظير الذي يجب أن يسبق أي عمل تطبيقي وبين التنظير الفلسفي أو الأفلاطوني المبني على هرطقات و أوهام غير قابلة للتطبيق ، في حين أن الفضول أوالتنظير المعرفي القائم على طرح أسئلة عميقة هي الأساس لكل تطبيق أوتطور تعيشه البشرية اليوم.

والتنظير يولد الأفكار ويجعل الإنسان يتصرف وفق قناعة ذاتية لا وفق ما يحفظه من موروث العادات والتقاليد وبالتالي فأن إزدراء التنظير هو في الواقع رفض لعملية التغيير، والأمم التي ترفض التغيير لا تستطيع تطبيق أفكارها وتصبح عالة على الأمم الأخرى، ويطلق عليها أمة فاشلة أو ( دولة فاشلة).

ويقول الفيلسوف الفرنسي روجيه بول دروا :
الأفكار ليست مجالاً منعزلاً، أشبه بحديقة على حافة الوجود .. لا على الإطلاق، الأفكار تتحكم في الأفعال و في سبل العيش و السلوكيات.

ومهاجمة التنظير هو في الواقع رفض مبطن لعملية التغيير قد يعلمها البعض ويجهلها آخرين وربما الخوف من التغيير هو الذي يدفع البعض لمهاجمة التنظير، حتى وصل الأمر إلى الاستهزاء بالاساتذة الجامعيين حينما يتم تعيينهم مسؤولين لقيادة المؤسسات الحكومية واستخدام مصطلح ولفظ ( أكاديمي) على المسؤول من باب السخرية والتهكم والتقليل من شأن الأكاديمي و وصفه بأنه ليس سوى (منظر) لن يفلح في تطبيق أفكاره و خططه.

ولعل ما يدفع البعض إلى مهاجمة الأكاديميين أو

( المنظرين) في عالمنا العربي ما ترسخ في الذهن بأننا شعوب تتكلم  اكثر مما تفعل ولا يوجد لديها مقدرة على التغيير لكونه شعوب ( الظاهرة الصوتية) التي تعودت على الاستقبال بدلا من الإرسال وعلى الاستيراد أكثر من الإنتاج وعلى ردة الفعل وليس الفعل .

كل هذه العوامل ترسخت في العقل اللاواعي للإنسان العربي وجعلت البعض يهاجم كل خطة أو رؤية حتى قبل أن يقرأها أو يستمع لمتبنيها.

ويجب علينا أن نتذكر بأن التغييرات والقفزات الهائلة التي حققتها البشرية بدأت بالفضول أي التنظير المعرفي أو الرغبة الجامحة في التغيير والاكتشاف وإعمال الفكر قبل الشروع في التطبيق حتى أن المرحلة التي شهدت إدخال الميكنة محل الإنسان في الثورة الصناعية الأولى من القرن الثامن عشر التي قادها المفكرين الأوروبيين بنيت على الأساس النظري.

أن التقليل من التنظير وإطلاق صفة ( منظر) لكل من يحاول أن يخطط ويعمل عقله للتغيير إنما هو تسطيح وزائدة لغوية تستخدم في غير موضعها الصحيح، ولو ألقى لها بالا كثير من المفكرين والمخترعين والمكتشفين لتجمدت الحياة ولم يصل الإنسان إلى ما وصل إليه اليوم من منجزات واختراعات وابتكارات علمية تطورت معها حياة البشر.