جامع روي القديم (مسجد طوي السيد)

0
3439

بقلم/ ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي.

بدأت مرحلة الهدم لإعادة البناء لجامع روي القديم والذي يُعرف بين الأهالي بمسجد طوي السيد الذي أمر ببنائه وتشييده السُلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله وأبقاه وشفاه وعافاه وأيدهُ بالحق ونصره على من عاداه في بداية النهضة المباركة في مطلع السبعينات ، وأما الطوي فهي أحد طويان روي الكثيرة التي تحيط بهذه المدينة الجميلة من جميع النواحي وبها نلنا شرف العلم والتعلم سواءً بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم التي أمر ببنائها كذلك السُلطان قابوس حفظه الله وهي بجوار الجامع المذكور وأتت تسمية المنطقة بإسم السيد السُلطان سعيد بن تيمور رحمه الله لإمتلاكه لتلك الأرض والطوي وبالتالي سُمي الجامع بنفس الاسم .

ثم تأتي بعد ذلك مدرسة الوليد بن عبد الملك النظامية للبنين وقد نلنا هذا الشرف العظيم كما أسلفت وأينما توجهت فعن يمينك مدرسة وعن شمالك مدرسة فأما التي عن يمينك فهي مدرسة تحفيظ القرآن الكريم وأما التي عن شمالك فهي مدرسة الوليد بن عبد الملك النظامية للبنين وأمامهما الجامع المبارك المذكور والذي هو محور حديثنا في هذا المقال،

ولا شك أن مدينة روي هي قِبلة للعلم آنذاك ووجهة الطلاب المُتعلمين فقد توافد عليها كذلك أهل العلم والفضل كي يخلصوا في نشر العلم وينالوا شرف التعليم والتدريس وقد تقلبنا في هذه النعم النفيسة والمواهب اللطيفة ولم يصقل مواهبنا بادئ ذي بدء سوى القرآن الكريم والحمدلله الذي قيض أهل العلم والفضل فجزا الله المحسنين خير الجزاء من الأئمة والسلاطين ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله،كما أنه بطبيعة الحال هناك أسواق موغلة في القدم كذلك يباع فيه جميع ما يحتاج إليه الإنسان من صنوف الأكلِ وألوان الطعام وتعرف بالأسواق القديمة وهي لبيع الأسماك الطازجة بأنواعها المختلفة والمجففة كالعوال والقاشع والمالح ، كذا الخضار والفواكه والتمور والعسل، وهي لا تبعد كثيرًا بل على بعد أمتار يسيرة من الجامع والمدرسة .

وقد غالبني شعور بالحزن واغرورقت عيناي بالدموع لهدم الجامع وأخذتني ذكريات المكان وهمس الأقران واجتماع الصحبة والخلان فهذا هو الاعتراف بالفضل والولاء والانتماء للبقعة والمكان فروي هي درة القلب ولؤلؤة الزمان وترابط السكن وعمق المكان بكل فلواتها ومزارعها وطويانها فتارة نصلي في مسجد طوي العلوية قرب مكان نشأتي وترعرعي وأخرى في مسجد طوي الواسط وطورًا في مسجد طوي الميتة وأحيانًا في طوي مسيطيح وطوي الوالي وطوي الخزينة وطوي العلاية وفي نهاية المطاف كثيرًا ما كنا نصلي في مسجد طوي السيد.

كنا نجوب أماكنها ونتجول في ربوعها وكم اعتلينا جبالها لا سيما وقت نزول الغيث لجلب ( المقل والحميضة)وكلما أخذنا الشوق لتلك الربوع عدنا لنرتاد تلك الأماكن لنشتم عبق الراحلين ونتبع خُطى السابقين الأولين، ولكن العزاء أن الهدم لأجل البناء، والرقي بالعمران ولاشك أن الأهالي والسكان وجميع من رحل عن المنطقة واغترب عن المكان يشاطرونني ذكريات البقعة والشوق للمكان ،فذكريات الطفولة وشغف القراءة والتلاوة وحب العلم والتعلم وتكريس الأوقات وما يصحبه من اهتمام وخضوع وتوافد تلك الجموع التي تشهد الصلوات الخمس

فقد كان الجامع الأوحد والأوسع آنذاك قبل انتشار المساجد الكبيرة مع وجود المساجد الأخرى ولكنها دونه في السعة وهو أول جامع تُصلى فيه صلاة الجمعة قبل أن تنقل صلاة الجمعة إلى جامع السُلطان قابوس الحالي وبعدما نقلت صلاة الجمعة نُسي هذا الجامع من قبل الجهات المعنية فعاد مسجدًا كما كان يُعرف عنه ولم تعد له تلك المزايا كما كانت كسابق عهدها، وكم علت أصوات الأئمة في ربوعه كما كان الحفظة يحفظون فيه أجزاء من القرآن الكريم وكان طلبة العلم يذاكرون دروسهم فيه وكذا طلبة معهد القضاء الشرعي والوعظ والارشاد الذي تغير مسماه الآن إلى كلية العلوم الشرعية ، فيتوافدون عليه طلبة هذا المعهد المُبارك لمراجعة الدروس وتطبيق الحفظ عمليًا وكثيرًا ما كانوا يترددون على هذا الجامع الميمون طوال ليالي شهر رمضان المبارك فنستمتع بسماع تلاواتهم الشجية وكأنها من مزامير آل النبي داود عليه السلام وهم من مختلف الأمكنة وشتى البلدان .

وكان أبي رحمه الله يحبهم حُبًا جمًا ويقربهم منه كثيرًا ويدعوهم للمنزل ويقول لنا بهؤلاء اقتدوا فهم نشأوا على طاعة الله، وهم الآن قضاة ووعاظ وأئمة مساجد ومنهم من توظف بوزارة الأوقاف ولازلنا على تواصلٍ مع البعض منهم إلى الآن وأحفظ منهم أحمد بن سليمان البوصافي من قريات والأخويين محمد وإبراهيم الغماريين كذلك من قريات وأحمد بن درويش السيابي من سداب وسليمان الوهيبي من الحمرية وطائفة من الرستاق وهم حمد البشري وعبدالله الحاتمي وعلي المعمري وهلال الخروصي ومن حاجر بني عُمر فهد المعمري ومن الباطنة كذلك طلال المعولي ومن أهل الشرقية سعيد البوسعيدي من أهل سمد الشان بالمضيبي وكان أبوه رفيق أبي وصاحبه رحمهما الله ومن ابرا عبدالله المسروري ومن بدية عامر الحجري و سعيد الوائلي و حمد الشيباني وهما من أدم ومنهم أيضًا بدر الرحبي وقد عزب عن ذهني الكثير منهم، وكفاني أنني نلت شرف التلاوة فيه والتردد عليه مع نخبة من المتقين وطائفة من الصالحين وهم من ذكرت وقد تناوب وتوالى الأئمة على هذا الجامع المُبارك وممن قضوا فيه فترة طويلة وداوموا ملازمته كثيرًا إلى أن توفاههم الله منهم المعلم طالب السيابي والعم محمد بن يزيد العبري وكان كفيف البصر حافظًا القرآن وصانعًا للحلوى العُمانية الشهية وقد أفردنا له مقالًا فيما مضى بعنوان سر الصنعة ومن شاء فليرجع إليه، تتسطع الأنوار في جنبات ذلك الجامع وتحوم روحانية تلك الأجساد التي فارقتنا إلى ربها فكم من جبهة خرت ساجدة في نواحيه وكم من ركبة ركعت ورتعت قرب جدرانه وصواريه والحمدلله أن عقد قراني عُقد فيه بحضور الأشياخ القضاة الأعلام والآباء الفقهاء الكرام أهل الفضل والالتزام كالشيخ الجليل سعيد بن خلف الخروصي رحمه الله والشيخ الجليل سعيد بن حمد الحارثي رحمه الله والشيخ الجليل أحمد بن سعود السيابي حفظه الله وقد عقد قراني الشيخ سعيد بن حمد الحارثي عليه من الله الرحمة والرضوان والقبول والغفران، وإنه لشرف وأي شرف أن يجتمع هؤلاء الأقطاب في مكان واحد ، ومن أعمدة هذا الجامع العم خميس بن تميم الوهيبي الذي إفردنا له هو الآخر مقالًا فيما مضى كذلك كان العم خميس شفاه الله وعافاه هو القائم على خدمة هذا الجامع مع أخويه علي ويحيى وأولادهم جميعًا وكان من فضل الله على هذا الجامع وإخلاص من يخدمه ليل نهار أن الجماعات فيه لا تتوقف فما إن انتهت صلاة للجماعة حتى تقوم أخرى ولا تتوقف الجماعات إلا ما ندر ولحيويته وقربه من السوق أيضًا، كما أن الأرزاق تأتيه من كل حدب وصوب

فهذا يأتي بالتمر والآخر يأتي باللبن وذاك يأتي بالفواكه ومنهم من يأتي بالأرز واللحم وهكذا ، كان العم خميس يقضي معظم الأوقات فيه وكان يصنع القهوة في الجانب الأيسر منه في غرفة ملاصقة لغرفة الامام وذلك في شهر رمضان المبارك والتي تؤول إليها المؤن التي تخزن فيها، و لا ننسى أيضًا معلمنا ومحفظنا القرآن الكريم المعلم سعود الطوقي من إبراء وقد وفقنا الله أيضًا للكتابة عنه ، فكتبنا عنه إعترافًا له بالفضل وجميل الصنيع كما وفقنا الله بقيام شرف واجب الإمامة عند فترة انقطاع الأئمة وتعيين إمام ونقل آخر وتبقى ذكريات هذا الجامع عالقة في الأذهان وحاضرة في القلوب والوجدان