أنتِ … ما أنتِ؟

0
1570

“منهم من يقول:

إن النساء رياحينٌ خُلِقنَ لنا … وكلنا نشتهِي شَمَّ الرياحينِ
ومنهم من يقول:
إن النساء شياطين خلقن لنا … نعوذ بالله من شرِّ الشياطينِ
وكلا النظرين سخيف قاصر؛ فليست المرأة ريحانة فحسب, ولا شيطانة فحسب؛ وإنما هي فوق ذلك مَرْبىً للرجال، ومحضنةٌ للقلوب، ومستودع للذخائر.
بمثل هذه النظرات البلهاء فقدنا المرأة ففقدنا الرجل؛ فإن أردنا تنظيم حياتنا على أسس جديدة وجب أن يكون أولها وأولاها خلق قلب المرأة.”

هذا الاقتباس الطويل أخذته من مقال أطول للكاتب المصري أحمد أمين والذي اسماه مستودع الذخائر حيث افترض أن مستودع ذخائر الأمة في قلب المرأة وأجدني أميل إلى ما ذهب إليه أحمد أمين من فكرة ولكنني اختلف عنه في التشبيه فمستودع الذخائر إن لم يجد عناية واهتمام وحرص شديد ما يلبث أن ينفجر ، لذا سأجعل مقالي باسم ” ماء الحياة” فهو يبدو للناظر بلون واحد وطعم واحد إلا أن فصائله متنوعة تنوع البشر يقبل بعضها من البعض الآخر بينما لا يقبل بعضها إلا من فصيلته ، ولكن الأهم من ذلك عدم استغناء بشر عنه ولو نضب من عروقه لمات.

لا أبالغ في ذلك فالمرأة ينبغى أن تعي فداحة دورها وتبعات تقصيرها فيه وقد تزامن مقالي مع ذكرى السابع عشر من أكتوبر يوم المرأة العمانية إيماناً من القائد المفدى – حفظه الله – بمكانتها ودورها في دفع عجلة التنمية مع الرجل جنباً إلى جنب.

هذه المرأة التي نعايشها صباح مساء بين أم وزوجة وأخت وبنت وما علا وما تلا تكاد تكون كفصائل الدم فهي بقدر أهميتها تختلف اختلافاً جوهرياً عن الرجل من حيث تركيبتها النفسية فضلاً عن الجسدية ، هذا الاختلاف جاء مكملاً للرجل الذي لا يمكن أن يعيش بلا امرأة.

رسم لنا مجتمعنا الذكوري صورةً قاتمة للمرأة ف”الحرمة محرومة عقل” و”النساء ينسين المعروف” وغيرها من الترهات التي أثبت الواقع خطأها فإنجازات نساءنا لا يختلف عليها اثنان ولا يتماري فيها ضدان وقد تبوأت المرأة في بلادي مكانة مرموقة عن جدارة واستحقاق.

لا أنادي بمساواة الرجل بالمرأة فكل منهم يكمل الآخر ولا يفهم مما كتبت مغازلة لأحدهن فهن أرقى من أن يخدعهن معسول كلامي ، ولكنني أردت أن أبعث برسالة لتلك المرابطات المخلصات المؤمنات القانتات اللواتي يؤمنّ أن الرجل العظيم صنعة أيديهنّ فهن لا يقفن وراءه ولكنهن سبب وجوده ومادته الأولى.

في رسالتي هذه أبدأ بالأم الرؤوم تلك التي تسهر لتطبخ لنا جيلاً نفخر به ونفاخر، وربة البيت وسام شرف لكل كادحة حافظة بيتها ونفسها وعيالها ثم أعرج إلى الزوجة تلك العقيلة والسكن التي يُأنس بها وهي خير متاع الدنيا إن كانت صالحة كما أخبر سيدنا محمد عليه السلام ثم الأخت ريحانة البيت وأم أخرى يبهجك مرآها ويأسرك حديثها تسر لفرحها وتضمد جرحها أما البنت فهي “إلكترا” كما صورها فرويد ولكنها هنا متعلقة بأبيها وأمها على حد سواء واضعة أمامها مقولة ” كل فتاة بأبيها معجبة ” ويكمن إعجابها بصون شرفها وشرف أبيها.

ربما يتوقع أن يكون مقالي تقليدياً يمدح النساء ثم يسوق لهن عبارات النصح والإرشاد إلا أنني تعمدت ألا يكون كذلك فهو اعتراف من أحد الرجال بالمكانة السامقة التي وصلت إليها المرأة في بلادي وهنا لا أقصد الوظائف العليا فعندي المرأة التي تصون بيتها وتحفظ أهلها وشرفهم ومكانتهم هي ملكة في قصر مشيد أمٌ كانت أو زوجة أو ابنة .

قرأت في موقع الانستجرام قصة فتاة متزوجة من رجل طيب صالح ولكنها تحب زميلها في العمل وترغب في الطلاق من زوجها وهجران بيته وأطفاله
من أجل حب زائف لا تلبث أن تسقط اقنعته بعد أن تمكنه من نفسها .

إن الحب الذي يُرَّوج له وتنخدع به كثير من الساذجات اليوم هو مجرد سراب يحسبه الظمآن ماءً فلا حب قبل الزواج، وكل ما قرأتموه من عبارات الحب والهيام والعشق الذي هو سم قاتل أرموه في أقرب مهملات فليس إلا مصيدة تقع فيها الغافلات اللواتي لا ينتبهن إلا بعد سلب عفتهن من ذئاب مفترسة تنوع قناعها بحسب الفريسة.

فتمسكي يا صاحبة المشكلة بزوجك فهو بالنسبة لغيرك حلم منتظر وتعلمي من رجل حلب الدهر شطره وشارف على أن يبلغ أشده أن الحب الحقيقي يبدأ بعد الزواج وهذا الأخير ليس خيراً كله وليس شراً جله والحياة بين هذا وذاك تتأرجح يشد هو وترخين أنت ويرخي هو وتشدين أنت لتبقى السكينة وتستمر الحياة بين حلو يحليها ومر يقويها.

أنتِ كنز ثمين أن أنتِ أردتِ ذلك وأنت ماء للحياة لن تستمر دونه.

صالح بن خليفة القرني