الفشار والفشاره

0
1621

نحن نعيش في عصرا تتصارع فيه الأجيال الحاضرة مع بعضها البعض ، كما إنها تتصارع مع الأجيال السابقة في التوجه الفكري والعادات الدخيلة المكتسبة من خلال المشاهدات والممارسات المتلفزة والأنترنت واليوتيوب وغيرها من وسائل العصر الحديث التي طغت على كل شيء يلامس الحياة اليومية بشكل مباشر أو دون ذلك ، أمتد هذا الأختلاف ليطال السلوك الحضاري الإنساني وأحيانا حتى الإسلامي .

 فولدت في الشعوب العربية أمة أخرى تكاد تكون أمة منسلخة من العادات والتقاليد وطالت حتى الدين الأسلامي في حركة المسلم وسكونه وصمته وحديثه ، فلم يعد يدرك جيل الحاضر ماذا يريد وإلى إين هو ذاهب ، بينما الغرب يستغل كل جديد ومتطور لمصلحة شؤونه الخاصة والعامة بما تحقق له مكاسب في تحسين المعيشة في كثير من الجوانب ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ، الدخل والرفاهية والربحية التجارية حتى وإن كانت من خلال ما يرفع على وسائل التواصل الإجتماعي أو مواقع اليوتيوب ، إنهم من خلال هذه الوسائل درسوا العرب والمسلمين وعرفوا تصرفاتهم وتوجهاتهم ، فغزوهم بكل ما هو جديد يلهي حياتهم ويبعدهم عن تماسكهم الإجتماعي ومجالسهم ذات العلم والمنفعة وأرتباط الأرحام ، حتى أنهم تمكنوا منهم عندما ضخوا ملاهي كثيرة الكترونية .

فبعض الفئات التي تحب الظهور والتباهي من خلال تصوير مقاطع مرئية هزلية ، أو رسائل توجه للمجتمع وكأنها رسائل تنقل فكر أو مبدأ مؤثر أو يظن صاحبها أنه ينقل رسالة سامية أو نصيحة ، فتراه يتميع ويتقصور ويتحدث بكلمات تخرج من سياق طابعة المحلي الحقيقي الذي هو يعيشة ليصدر لهجة أخرى شوارعية أبتدعها هو تكون خليط بين اللهجة المحلية والهجات الخليجية الأخرى ، كما يبرز بملابس أو تسريحات أو قصات شعر وحواجب أحيانا وربما وضع بعض مساحيق التجميل على وجهه ، وهذا كله نسميه نحن العمانيين بالفشار أو الفشاره ، فالفشار أو الفشاره لا يقدم رسالة وإنما هو يحاول أن يلفت المتلقي إلى ظهوره من خلال هندامة المقزز الذي يظن هو إنه في قمة الروعة .

ما يستفز المرى حين يتلقى هذه المرئيات ليس المنظهر وحسب الذي يظهر به الفشار أو الفشاره ، إنما الإنسلاخ من كل ما هو جميل في حياتنا إلى سفاسف الأمور وأرداها ، فهو لا تعني له هويته شيء ولا عالمة الإفتراضي الذي يعيش فيه إنما همه الأول والأخير ظهوره في مرئياته التي يسمم بها عيون وأذون المتلقي ، وبعض المتابعين لهذه الحسابات يجعلون من هذه الفئات من الفشارين من الذكور والإناث أبطال العصر ويصنعون منهم نجوم على حساب غيرهم من المتابعين المحترمين ، فقد يصدمك الواقع عندما ترى أراذل القوم أصبحوا أسياد الفكر ومقدمين في كل محفل ومجلس ومنبر إعلامي ، للأسف نحن دائما من نصنع هؤولاء المتسلقين والصعاليك الذي طأبطو شرا ، فنحن من نصنع هذه العلامات الإعلامية الهابطة التي أصبحت لها مكانه في قلوب وعقول من مثلها من الغاوين ، فنقلت صورة سيئة عن المجتمع العماني في الداخل والخارج ، كما صدق البعض الكذبة وجعل منهم رموز وعلامات تجارية يبني عليهم عوائدة في الإعلان عن محلاته وشركاته وفعالياته ليقوم بتغطيتها مرئيا .

ما يزيد الأمر حيرة وغرابة كيف للجهات الحكومية والقانونية بالدولة تسمح بأن يصبح الوضع على ما هو عليه من البعض الذي يتخذون من وسائل التواصل الإجتماعي منبرا لإرسال تفاهاتهم وخاصة حين يتعلق الأمر بالإعلان عن منتج معين لشركة أو محل أو أو أو ، وهذا قد يلحق الضرر بالمستهلك وربما يوقعة في المصيدة التجارية ، وقد تكون هذه العلامة في الأصل غير مرخصة من الجهات المسؤولة والرقابية على المصنفات التجارية من أدوية أو مستحضرات تجميل أو أدوات الكترونية وغيرها من المواد المتداولة ، وقد يكون في الأصل الفشار من يقوم بتسجيل هذا الإعلان هو نفسه لا يدرك مخاطر ما يعلن عنه ، كل ما يهمه كم سوف يقبض نظير هذا الترويج فقط ، أنا أرى أن آن الآوان بأن تسن قوانين رادعه وواضحة وصريحة حول ما يتم تدولة من مرئيات ترفع من داخل الدولة ، وعلى الجهات المسؤولة أن تقنن هذه المرئيات وفق ضوابط إعلامية لا تسيء للمتلقي أو للهوية العمانية ولا للعادات والتقاليد أو للدين والحشمة في شيء .

بينما هناك فئة من الجيل نفسه يقومون بنفس النهج لكن يختلف المبدأ فيه إختلاف جذري ، فهم لا يسعون إلى الفشار والتباهي وتقديم الإسفاف ولا يتشرنقون في عباءة الغرب بالتقليد الأعمى ليظهرو للملاء ، بل يقدمون الرسائل المشرفة في صور مرئية ترقى بالمستوى الإنساني الذي عرف عن مجتمعنا العماني أين ما ذهب وحل ونزل ، وهؤولاء شخصيا أرفع لهم القبعة ، فهم جيل يعي ماذا يريد وإلى أين ذاهب ولماذا ، وتستحق حساباتهم بأن تكون متابعة في كل جديد يقدموه ، نحن لسنا ضد الجديد ولسنا ضد القديم ولسنا مع الحاضر بما فيه وما حمل ولسنا كذلك العكس ، نما نريد لنا وللأجيال القادمة الجميل والنظيف والذي يبقي هذه الدولة محل إحترام وتقدير وسمعه نظيفة ، كما عرفها من قبلنا وكتب عنها المأرخون وحفظها التاريخ على مر الأيام والسنين ، فالنجعل من منافذ التواصل الإجتماعي وشبكاته منبرا منيرا بالإيجابية والرسائل التي تحدث في المتلقي التغيير للأفضل ، ولنلقن الأجيال القادمة من البراعم الكلمة الصحيحة والجملة المفيدة والفعل الحسن والخصال الحميدة ، فكل شيئا مسؤولون عنه .

يعقوب بن راشد بن سالم السعدي