مغالطة الحقائق وقلب المفاهيم

0
2039

إن من الغرابة بمكان أن ترى البعض عكس التيار وضد الفطرة كمن يتحرك إلى الخلف فبدل أن يمشي المشية المعتادة والمعهودة يرجع للوراء في مشيه رافضًا التقدم للأمام وهذا هو التأخر والتخلف بأم عينه مخالفًا بذلك الفطرة السوية ، كما هو الحال مع المعاصي والمجاهرة بها بل والتفاخر بارتكاب هذه المعاصي وعدم الاكتراث بمعصية الخالق عز وجل وعدم الاكتراث بالمحيط الذي يعيش فيه هذا العاصي بل ويرى فيمن لا يحذو حذوه ولا يصنع صنيعه وكأنه أتى من كوكبٍ آخر ضاربًا بالأعراف والأخلاق الحميدة عرض الحائط هل أصبحت المعاصي مستساغة إلى هذا الحد؟ وهل أصبحت المعصية قدوة يقتدى بها ؟ إن هذه الأمور إذا تفشت في المجتمعات فهي سريعة الانتشار كانتشار النار في الهشيم ولا يكون العلاج حينئذ إلا بنشر الوعي المسبق وبغرس الزرع الأسبق ولا شك أن الثمار التي ستؤتي أُكلها ستكون لذيذة الأُكل نقية من السموم والشوائب مطهرة للقلوب ترياقًا شافيًا للمعاصي والذنوب .

إن التركيز على هذا الجانب وتسليط الضوء على هذه النقطة المهمة التي إن لم تعالج فإن عواقبها وخيمة ونتائجها خطيرة على الأفراد والمجتمعات، إن المغالطة في الحقائق وقلب المفاهيم لا يكون إلا عن فكرٍ منحرف وتصور سقيم، وقد اطلعتُ مؤخرًا على مقالٍ كتبتهُ الدكتورة الأديبة نادية القناعي في جريدة القبس وهي من دولة الكويت الشقيقة حيث ذكرت في مقالها الذي كان بعنوان (كيف ننجو برؤوسنا ) تجربة نفسية قام بها عالم النفس . سلومون اش . في خمسينيات القرن الماضي ، وقد سردت الكاتبة هذه التجربة باختصار بقولها:-

رُسمت ثلاثة خطوط على اليمين بأطوال مختلفة وخط واحد فقط على اليسار ثم بعدها تم سؤال الحضور الذين تم الإتفاق معهم مُسبقًا على أن يجيبوا إجابة خاطئة وشخص واحد منهم فقط هو الخاضع الحقيقي لهذا الإختبار ولا يعلم عن ذلك الإتفاق شيئًا ففي بداية الأمر كان يجيب الإجابة الصحيحة ولكن عندما أعيد الاختبار عدة مرات لوحظ أنه أخذ بمجاراة الآخرين في إجاباتهم الخاطئة وكانت نتيجة الدراسة أن ٧٦ بالمائة من الناس الذين خضعوا للاختبار أنكروا قناعتهم على الأقل مرة واحدة خلال إعادتهم للاختبار وهذه التجربة إذا قمنا بقياسها على الواقع بمواقف مختلفة سندرك حجم المصيبة التي تحيط بنا، فربما نسبة المجاراة الاجتماعية ستفوق الخيال وربما كذلك ستكون مجاراة مميتة وهي أن الحقيقة لا تقبل القسمة على عدد من الوجوه المشبوهة، ولا شك أن هذه التجربة مثالًا حيًا وصورة واضحة لواقعنا الذي نعيشه اليوم، حيث أن هناك من ينصب نفسه في مقام العارف بمجريات الأمور فيقوم بحث غيره على طرق المهالك والزيغ ويرشده إلى سُبل الضلال نسأل الله الثبات على الحق وحُسن المنقلب والمآل .

بقلم/ ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي