عبارات لها وقع وتأثير

0
2270

نستهل هذا المقال بعبارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ماتركته حتى يظهره الله أو أهلِك دونه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

هنا يتجلى الثبات وما أعظم هذا القول وأبلغه وما أعظمك يا سيدي يا رسول الله
ومنك نتعلم الصبر ومن مواقفك العظيمة وأُسلوبك الرحب في المعاملة نتشبث ببعض صفاتك كالحلم وكظم الغيظ ، وما جاء أحد بشىء كالذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلا وعودي وخوصم وإن من أشد الناس عداوة للمرء هم الأهل والأقارب فهذا رسولنا العظيم كان أشد الناس عداوة له هم من أرحامه و أهله وعشيرته إلا ما رحم ربي ولم يكتفوا بذلك بل ألبوا عليه القاصي والداني ومن أقاربه ممن جهروا بهذه العدواة والحقد الدفين بل وتابعوا حسد نفوسهم وما أكثرهم .

فهذا عمه أبو جهل كان من أعتى العتاه وكذا عمه الآخر أبو لهب الرجل الشقي فأبو جهل فرعون هذه الأمة كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو لهب هو وامرأته نزل في شأنهما قرآن يُتلى ويُصلى به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وقد أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته إلى ثلاث سنين ثم أنزل الله عليه (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )صدق الله العظيم سورة الحجر الآيه (٩٤) ليبدأ الصادق الأمين بإعلان الدعوة جهرًا والدخول في مرحلة جديدة من الدعوة وقد أخذت هذه الدعوة بالظهور ولم يكن بالأمر اليسير فأزهقت أرواح وعذبت نفوس في سبيل ذلك تربية من الله لرسوله ولمن تبعه من المؤمنين على تحمل الأذى ومكابدة الصعاب وليثيبهم بعد ذلك بجنات النعيم ، ولكن في مقابل ذلك عوضه الله بعمه أبي طالب وأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأرضاها التي واسته بنفسها ومالها وهي القائله والله لن يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فياله من قول بليغ.

كما أكرمه الله بتسلية قلبه بحادثة من أعظم الحوادث وهي حادثة الإسراء والمعراج وقد اقترب وقت ذكراها خلال هذه الأيام المباركة من هذا الشهر المعظم ويسمى بشهر الله رجب الأصم ،
وكان أول المصدقين لما قَصَهُ عليهم عن هذه الحادثة العظيمة صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ولذلك سماه بالصديق وهو الذي قال عندما أخبرته قريش عن ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم عن حادثة الإسراء والمعراج ( إن كان قال فقد صدق ) ولم يقل له كما قال أبو لهب تبًا لك ألهذا جمعتنا ؟

وقد أنزل الله سورة في حقه وحق إمرأته كما أسلفنا ، فشتان بينهما من فاز بمعية النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته ومن جاهر واغلظ في عداوته وحسده وجحود ماجاء به، هذا وإن من الجهل بمكان أن يكذب المرء كذبًا يصدقه بنفسه ثم يبثه للناس مُشهرًا بذلك بالأبرياء دون أي دليل أو بينةٍ يستند عليها وإن من النذالة بمكان أن يشهر بهذه الأكاذيب المغرضة في وسائل التواصل الاجتماعية ليعجل لنفسه عقوبة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى إن لم يتب ويرجع عن غيه وتماديه .

وقد كتبنا مقالاً فيما يتعلق بهذا الشأن أسميناه ( براكين الصمت ) فمن شاء فليرجع إليه، وقلنا مرارًا وتكرارًا من أراد أن يستوضح أمرًا من أي أحد أو كانت له عند أي أحد وجهة نظر يريد أن يبديها أو مشكلةٍ يريد أن يعرضها أو إشاعةٍ يريد التأكد منها فليتواصل معه وليجلس معه وليناقشه وهذا ما يسمى بالحوار الهادف أما الإفتراء بدون وجه حق والتشهير بالباطل وبدون أي تواصل مسبق أو أي مراسلات تذكر والتستر خلف أسماء مستعارة فهذا هو عمل الجبناء الذين يخشون المواجهة و عواقب هذه الأمور وخيمه إذ نحن في زمن التقييد والقاعدة الفقهية تقول من ألزم نفسه شيئًا ألزمناه إياه ولنا في رسول الله أسوة حسنة حينما أبى صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون بينه وبين يهود بني قريظة إلا السيف وقد أغلظوا في عدواتهم لله ولرسوله وخانوا العهود والمواثيق وتآمروا على ايذاء النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله كمن كان من قبلهم من اليهود بل أشد منهم .

فحاول مناصروهم وموالوهم مع رسول الله ولكنه أبى إلا أن ينزلوا عند قضاء الله وحكمه فعندما رأوا إصرار رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبوا منه أن يحكموا سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه في أمرهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم اذهبوا إليه وأحضروه فأخذوا يكلمونه وهو في طريقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسن إلى يهود بني قريظة وأن يرفق بهم فقال قولته المشهورة رضي الله عنه وأرضاه ( لقد آن لسعدٍ أن لا تأخذه في الله لومة لائم ) اقترب سيدنا سعد رضي الله عنه وأرضاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزلوه من على دابته التي أتى عليها وقد أصيب بسهم في كتفه قطع العرق الأكحل منه ثم قال أترضون بحكمي قالوا بلى قال حكمت على المقاتلين أن يقتلوا وعلى النساء والأطفال أن يستبقوا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت بحكم الله ثم إنه لم يلبث حتى توفاه الله فأتى سيدنا جبريل عليه السلام إلى رسول الله وقال له من هذا العبد الذي مات وفتحت له أبواب الجنة فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سعدًا قد مات وقد أستجاب الله لدعوته عندما أصيب في كتفه وقطع العرق الأكحل منه وكان مجاب الدعوة فقد قال اللهم لا تمتني حتى تريني أمرًا في شأن يهود بني قريظه وقد كان من يصاب بقطع هذا العرق من الكتف في العادة يفارق الحياة على الفور وفي نفس الوقت ولكنها كرامة لهذا العبد الصالح وإجابة من الله لهذا الصحابي الجليل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن أمه حينما بكته وهي تعدد مناقب ولدها( كل نائحة كاذبة إلا نائحة سعد ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

فمن سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه نأخد الدروس والعبر وبمواقفهم العظيمة نتأسى ونقتدي فلنحمد الله على توفير سبل العيش الكريم فقد أكرمنا وأغدق علينا بالعطاء ولنستعمل نعم الله في طاعته والسعي إلى رضوانه ولا نستخدمها في بث السموم وإثارة الأحقاد ورمي الأبرياء والتشهير بهم بين العباد اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء وارزقنا عيش السعداء وموت الشهداء ومرافقة الأنبياء وانصرنا على جميع الأعداء

بقلم / ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي