عرس عُمان المتواصل من مهد الجدود إلى تخت الصمود

0
1140

بقلم/ بدر بن محفوظ القاسمي

عُمان ستظل هي الإسثناء، والإستثناء لايقاس عليه، وعُمان أنموذجا يحتذى به، وصنعته فريدة، وهي فريدة الزمان، ولعل متتبعي التاريخ يحارون في فهم طبيعة عُمان وتركيبتها المثالية على كافة أصعدتها التاريخية من حيث قدمها أو نظمها السياسية التي كفلت قوة استمراريتها وعظمة مكانتها بين أمم العالم القديم والحديث، أو تكوينها الجغرافي ذو التضاريس المتنوعة أو تركيبة نسيجها الإجتماعي أو مواردها الإقتصادية التي لا تني تتدفق رافدا مستمرا من جيلوجيتها وأراضيها وتربتها الخصبة، وموارد الطاقة المتجددة، وموقعها الجغرافي المتربع على مشارف بحار ومحيطات تتسم بقوة التجارة البحرية وطرقها وموانئها في العالم القديم.
لقد حبا الله عُمان موقعا جغرافيا، وهو يعد رأس مال طبيعي وسياسي ومورد أصيل من موارد الثروة القومية التي يعول عليها في لعب دور كبير في تشكيل علاقات التجارية والإقليمية التي تؤثر تأثيرا مباشرا على الوسط الدولي كون عُمان تقع في موقع استثنائي بحري هام يربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب لشبه جزيرة العرب.
وقد ظهرت عُمان في الكثير من كتابات الجغرافيين الذين ركزوا على أهمية موقعها الملاحي والتجاري وعلاقاتها التي ترتبط بالصين والهند والسواحل الشرقية لأفريقيا وبعض جزر المحيط الهندي، وقد نقل هؤلاء الجغرافيون مشاهداتهم عن عُمان وما تتمتع به من أشجار ومزروعات وما تنتجه، كما جالوا في أرض عُمان ووصفوا ما رأوه وسمعوه من أهلها ووثقوه في مدوناتهم التي سجلت بحق لن يندثر على مر العصور من عظمة هذه البلاد ومكانتها بين سائر الأمم.

إن تركيبة عُمان السكانية تركيبة متماسكة متجانسة تحتضن من سكنها في أغلب العصور، فقد هاجرت إليها أعداد وقوى بشرية لا حصر لها وذلك بغية موقعها ومواردها، وقد استوطنت عُمان منذ فجر التاريخ تلك الجموع البشرية لتشكل نواة فريدة الثمرة حلوة المجتنى، وقد سكنت هذه التجمعات في الكثير من مدن عُمان الحاضرة والتي من بينها (جلفار ـ رأس الخيمة حالياً ـ ، صحار، مسقط، نزوى، الرستاق) وغيرها من المدن التي كانت بحق هي عواصم عُمان القديمة وحاضراتها المشيدة.
وقد اشتهرت عُمان بمصائد اللولؤ كثروة من ثرواتها، كما اشتهرت بالتمور التي تعد من أجود الأنواع التي تزرع فيها، كما اشتهرت بتربية الخيل العربية الأصيلة، وقد بلغت شهرتها أن كانت الممالك المجاورة تتسابق في شراءها، وكذلك نوقها النجيبة التي تعد من أحمل وأجمل الأنواع في التحمل والصبر وكانت تطلب لغرض الأسفار لشدتها وقوتها. كما ذاع صيت عُمان منذ العهد الفرعوني والبابلي وبلاد ما بين النهرين بتصدير اللبان العُماني الذي تنتجه جبال جبال الجنوب والذي عرف بجودته، والذي استخدمته معابد العالم القديم في تطييب دور عبادتها وقصور ملوكها.
إن المكون الجغرافي والسياسي لعُمان كان له الأثر الكبير في العصر الحديث، وهو جزء لامتداد عُمان في نسيجها الذي يشكل السداة واللحمة في تماسكه، وإن المكانة الجغرافية عكست أهمية استراتيجية لعُمان وكذلك عناصرها الطبييعة وتنوع مناخها وما تفرضه تلك المقومات على الإنسان العُماني من صورة تفاعله وتعامله مع مختلف القيم الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، والعُمانيون الذين يشكلون بمكوناتهم المختلفة وبقدراتهم الثقافية والتعليمية تعد من العوامل الرئيسية التي ينعكس أثرها على ما يكون على الأرض بالمعنى الفعلي.

لا يخفى على كل مطلع مهتم حول تسمية عُمان فإن ذلك يعود إلى قدم هذا الاسم فقد ذكره الكثير من المؤرخين في العالم القديم وحسبنا ما ذكره المؤرخ الروماني “يلينوس” الذي عاش في القرن الميلادي الأول (23 ـ 79م) وقد ذكره باسم “عُمانه” كما ذكرها “بطليموس” الذي عاش في القرن الثاني للميلاد، وقد عرفت عُمان بأسماء عدة منها (عُمان، مجان، مزون) وذلك عند السومريين ودول بلاد ما بين النهرين والفرس وغيرهم من أمم العالم القديم، وقد اختلف الكثير من المؤرخين في نسبة اسم عُمان وتعريفه، ولعل المقالة لا تتسع للشرح في هذا المدى؛ فإن على المطلع الراغب في الإستزادة  أن يطلع على الكتب والمصادر والمراجع التي ستغنيه حول هذا الجانب، كما يمكن الإحالة الى دراسات التاريخ القديم وما نتجت عنه التنقيبات الأثرية الحديثة التي كشفت الكثير مما جهل عن تاريخ عُمان المتمثل في أنشطة بشرية مدفونة في أعماق الأرض من مقابر وأفلاج وعيون مائية ومدن تاريخية كان لها صيت بارز، كما كشفت عن الكثير من أنشطة المجتمع العُماني القديم ودوره الرصين، حيث كانت تؤمن موارد وتصدر ثروات كانت في وقتها تعد نفطا كما هو في العصر الحالي، ويتجلى ذلك في تصدير النحاس إلى ممالك بلاد الرافدين والأشوريين والكلدانيين والسومريين ومملكة تدمر وسورية ومصر وغيرها من الممالك القديمة.
إن امتداد عُمان التاريخي ظل متواصلا لم ينقطع، فهي بحق حاضرة بكل طيفها المتوهج منذ فجر التاريخ وتفاعلها التاريخي مرورا بظهور الإسلام الذي كانت لها قصب السبق في تكوينها الديني وقيمه الروحية التي شكلت مسارا يتساوق مع حدث دخولها للإسلام، وكيف أنها انخرطت في تجانس كبير في طيات الدين الجديد وجعل منها منارة يهتدى بها في خلق نظام سياسي انبثق من خلاله، ووطد العلاقة بين أطياف من يعيشون على أرض عُمان فبرز دورها داخليا في توطيد أواصر المحبة والتسامح، وبرز دورها خارجيا في المساهمة في نشر الدين الحنيف والمشاركة في الفتوحات الإسلامية بقوة العدة والعتاد والقيادات التي ظهرت بقوة حنكتها، وصرامة شكيمتها، ونفوذ رأيها، وصلابة مواقفها في تجاوز الكثير من المثالب التاريخية ومنزلقات الأحداث التي كادت أن تعصف بالأمة الإسلامية. ويكفي لعُمان فخرا أن أسلمت طوعا ودعوة الرسول لها بالخير واليمن والعطاء من بحرها وظلفها كما تكفي إشادة الخليفة أبو بكر بحسن إسلام اهل عُمان.
لقد ازدهرت الحضارة العُمانية على مر العصور إلى وقتنا الحاضر، وبعد العصر الإسلامي تفتقت الذهنية العُمانية على كثير من الأوجه، فقد ظهرت المدارس اللغوية والفكرية والفلسفية وانتشرت الفنون والمؤلفات والمدارس العلمية، وقد عكف العُمانيون على إبراز قوتهم في المؤلفات الفقهية واللغوية وظهرت حدة المنافسة بينها مما أكسبها مكانة رفيعة في رفد المكتبة العربية بمصنفات هي الآن تعد من أمهات الكتب والمراجع اللغوية والعلمية والشرعية وغيرها من المجالات التي برز دور العُمانيين فيها والتي لا مجال للحصر فيها هنا كون المقالة تضيق بها، وأن المجال خصب في تتبعها من خلال الموسوعات والمؤلفات التي تخصصت في إبرازها بما يغني كل أريب وطالب.
وفي القرون المتأخرة برز دور الأساطيل وبناء الجيوش والتحصينات العسكرية التي مكنها من حماية الكورة الوارفة، فقد غدت لعُمان مكانة في الصدارة وتبوأت تخت الحكم والصدارة في العصر الحديثة، وذلك لحنكة قيادتها وسداد رأي حكامها، ولعل المتتبع لتاريخ عُمان يجد أن عُمان لم تحل عن التاريخ ولم تحد قيد أنملة في رسم مسارها المستحق لها بمكانتها بين دول العالم الحديث، كما هو كان مكانها في أمم العالم القديم، ولعل المجال هنا لا يتسع لسرد أمجادها فيكفيها فخرا أن تكون عُمان هي الوطن الإستثنائي بكل المقاييس، فمن مهد الجدود إلى تخت الصمود هي كما كانت وكما ستكون، وحقا لا يمكن أن نوفي حق عُمان في عجالة هذه المقالة؛ ولكن يكفي أن قائدها المفدى صورة ناصعة في خلاصتها تعكس أمجاد عُمان.