ملك الإبتسامة يرحل عن عالمنا

0
1841

مقال بقلم / يعقوب بن راشد السعدي

الدكتور محمود شعبان رضوان ، هذا الرجل الإنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ، والذي تعايش مع من حوله زارع إبتسامته الجميلة في قلوب من أحبه وأحب التعامل معه كدكتور فذ ونابغة ، يمنع نفسه كثيرا من إرتداء معطفه الأبيض حتى لا يخيف الأطفال ، فجميع الأطفال أصبحوا يدركون بأن وراء هذا المعطف شخص يغرس الأبرة بالجسد ، ففضل خلعه ليصبح رفيق وصديق لكل طفل يزور عيادته بروي .

يتحدث معهم وهو مبتسم ويداعبهم ويسليهم ، أحب مهنته حبا فأعطاها كل وقته الثمين ، وكان الإبداع والنجاح حليفة في كل رحلة علاج لكل نزيل بالعيادة كان صغيرا أو كبيرا .
جدران غرفة مكتبة الجميلة البسيطة التي طقم زواياها وجوانبها بصور الدببة تعطي للطفل راحة فيتجانس مع كل شيء فيها ، حتى الهيكل العظمي الذي على طاولته الجانبية الصغيرة كان له طابع خاص يوحي لبعض الأطفال على إنه لعبة من ألعاب الدمى ، ناهيك عن فك الأسنان المفتوح وكأنه هو الأخر يقابلك بإبتسامة ، لم يكن يضع ملك الإبتسامة الدكتور محمود شعبان رحمه الله عليه على جسده سوى سماعة الأذن لقياس نبضات القلب وصوت خشخشة الصدر حتى لا يخيف الأطفال كما يصنع بعض الدكاترة ، تعايشنا معه نحن وأطفالنا سنوات كثيرة وطويلة ، فأذكر أول طفلة لي وهي أبنتي براءة عندما مرضت وهي في الأشهر الأولى من ولادتها أخذناها معه ، فكانت بداية العلاقة التي أستمرت خمسة عشرة سنة .
الأربع السنوات الأخيرة كان ملك الإبتسامة يغيب كثيرا عن عيادة وكنت على تواصل معه من خلال الواتساب ، فكان يحدثني إنه في المؤتمر الفلاني والفلاني ، لقد كان يخفي مرضة عن أصدقاءه ورواد عيادته ، وبعد فترة أصبحت العيادة مغلقة كما أغلق كل شيء في تواصله لمن حوله ، ولم أعد أستطيع التوصل إليه ، فلتقيت بالموظفين الذين يعملون في عيادته ولكن لا جواب مقنع .
بعد مضي أشهر أو سنة علمت بأن ملك الإبتسامة عاد إلى عمان وهو يعمل في مركز تخصصي في بناية السلام بالقرم فتوجهت إليه حامل معي زوجتي وإبنتي الصغيرة صمود ، فكان اللقاء ودار الحديث الجميل معه كعادته الطيبة ، فأخبرني بأنه عمل عملية جراحية ، وهي كانت سبب تغيبه عنا طوال تلك الفترة ، وبنفس اليوم جمعتني الصدفة بالأخ الصديق الشاعر والمهندس سعيد الصقلاوي رئيس جمعية الكتاب والأدباء ، وما زادني دهشة عندما أخبرني الشاعر سعيد بأن تعامله مع ملك الإبتسامة الدكتور محمود شعبان منذ إن كان إبنه صغيرا ، وكان أناذاك ابنه في صحبته وهو كبير في العشرينيات من العمر ، كل هذه العلاقات بهذا الدكتور النابغة رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته تبرهن مدى حب الناس له وحبه لهم ، زرع الحب والإبتسامة فحصد المودة والرحمة والألفة بمن حولة ، نعم رحل عن عالمنا لكنه ما زال يسكننا بإبتسامته الجميلة وكلماته الطيبة وسمعته الشريفة التي زادت مهنته شرف وحب ، وداعاً ملك الإبتسامة .