الهروب إلى الأمام

0
1376

محمد بن علي الوهيبي

تشير الأدبيات لمصطلح الهروب إلى الأمام أنه لا يحدث عادة في الظروف العادية؛ وإنما في الظروف الصعبة والاستثنائية، وقد يحدث في الكثير من الأحيان بسبب الإحباط وقلة الحيلة لدى الأشخاص الذين لديهم مستوى مرتفع ومفرط من التقدير والأنا الذاتي، ولدى الأشخاص الذين ليست لديهم الجرأة للتراجع للخلف.
وفي الكثير من الأحيان يكون الهروب إلى الأمام أكثر كُلفة من التراجع؛ سواء على مستوى الأفكار والمشاعر أو على مستوى السلوك، والشواهد على ذلك كثيرة جدًا.
في سنوات السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي كنا نرى غدًا أجمل وأبهى من اليوم الذي كنا نعيشه، وكنا دائمًا نبصر الضوء في آخر النفق، أما في هذه الأيام صرنا لا نتمنى أن ندرك يوم الغد لأننا نتوقعه أن يكون سيئًا وسيصادر هذا الغد القادم كل ما تبقى لنا من أحلام وأماني، حتى بلغ بنا اليأس من الغد إننا صرنا نتمنى أن لا يكبر الصغير حتى لا يتسول في سبيل الحصول على تعليم وعلاج ووظيفة.
تمنيت من تلفزيوننا العماني أن يغطي الاحتجاجات ومطالبات الشباب الأخيرة كما هي حرفية ومهنية الإعلام ودوره التنويري في بث الحقيقة، ونقل الواقع كما هو، بهدف تصحيح المسار ومن باب “كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون”.
ورأينا كيف غطى تلفزيوننا مسيرات التضامن مع غزة ضد العدوان الصهيوني ونقلها للمشاهد بأسلوب احترافي ذكرنا بأسلوب المخرج المصري البارع في إدارة المجاميع يوسف شاهين.
في إحدى زياراتي لمحافظة مسندم أشار بعض الإخوة من تلك المحافظة العزيزة إلى أن التجار الإيرانيين سبق لهم وأن عرضوا رغبتهم بالتبادل التجاري، وذلك بإنزال بضاعتهم في ميناء خصب المقابل لميناء بندر عباس الإيراني- يمكن لمن يقف في ميناء خصب رؤية ميناء بندر عباس بكل وضوح-
وبلا شك هو الميناء الأقرب من كافة الموانئ الأخرى في المنطقة إلى إيران ناهيك عن العلاقة الوثيقة التي تربط السلطنة بإيران، وفي ذلك الزمن طلب التجار الإيرانيون توفير الأرضية المناسبة واللوجستيات التي تضمن تدفق البضائع وتخزينها، وكان يمكن لهذا الميناء بموقعه الاستراتيجي المهم في مضيق هرمز أن يكون جاذبًا للاستثمار المحلي والأجنبي، ووسيلة من وسائل تنويع الاقتصاد، حيث تسعى الكثير من الدول خصوصا تلك المطلة على البحار إلى تعزيز هذا القطاع وتطويره من خلال تأسيس شبكات لوجستية متكاملة لتكون ركيزة أساسية من ركائز القطاعات الاقتصادية المهمة في البلاد، لكننا لم نستفد من هذا الموقع ولا من غيره بسبب الإجراءات العقيمة والطاردة للاستثمارات ورؤس الأموال، وحقيقة لا أعلم هل حدث ذلك بقصد أو دون قصد!!.
ولما سمعت الدولة الشقيقة والمجاورة لنا بحاجة التجار الإيرانيين إلى الأرضية المناسبة لبضائعهم اقتنصت هذه الفرصة الذهبية وعرضت عليهم الاستثمار في ميناء رأس الخيمة الذي لم يكن في أهمية واستراتيجية ميناء خصب، ومنحتهم فوق ما يحلمون من تسهيلات.
وعودة إلى الاحتجاجات والمطالبات تحضرني الآن ذكرى الاحتجاجات ولما يسمى بالربيع العربي 2011 وكنتُ أحد المشاركين في المسيرة الخضراء والتي كانت انطلاقتها الأولى أمام وزارة الإسكان بالخوير للمطالبة بالإصلاح، والتي تبعتها بعد ذلك تجمعات ومطالبات أخرى في صحار وصلالة وصور وعبري وفي غيرها من المناطق، وحينها تجاوب السلطان الراحل مع تلك المطالبات، وقام بالإصلاحات التي تعلمونها.
ما أريد أن أشير إليه هنا إلى أنه وأثناء مسيرتنا الخضراء تلك وبعد وقت قصير من انطلاقها إندس مجموعة من الشباب بيننا لإثارة الفوضى وتشويه صورة المطالبين، ومن دس هؤلاء بيننا بالتأكيد كان يهدف إلى فض تلك المسيرات والتجمعات المقلقة لمنظومة الأمن والأمان تمامًا كما حدث مع المطالبات والاحتجاجات الأخيرة، وفي الحقيقة إن الأمن والأمان لأي وطن لا يكون إلا في استيعاب طاقات وقدرات شبابه وتوجيهها الوجهة الصحيحة.