الجهاز الإداري للدولة بين التغيير والتغير

0
1571

د.هاشل بن سعد الغافري

أستاذ مشارك – علوم تربوية

1– جاء تغيير هيكل الجهاز الإداري للدولة بصورة أكبر مما كان متوقعاً،وقد كان التغيير جريئاً وسريعاً ومتوازناً وشاملاً لمعظم وحدات الجهازالإداري، وهذا التغيير الجريء السريع الهادئ يعطي صورة إيجابية لرؤية 2040 ،كما يشكل نقطة تفاؤل للمرحلة  التصحيحية التي بدأت خطواتها الأولى  .

2- استخدم التغيير أساليب الحذف والإضافة والدمج سعياً لتقليل العبث الاستهلاكي ،وإزالة تقاطع الأدوار وتداخلها، ومحاولة غلق منافذ استغلال المسمى الوظيفي لتحقيق المصالح  الشخصية وغير ذلك من الأهداف،غير أن هذه النتائج لن تؤتي ثمارها مالم يتم استخدام أساليب الحذف والإبدال والتدويرعلى المديريات والدوائر والأقسام في المؤسسة الواحدة ،كما أن جميع تلك الأساليب لابد أن تصاحبها أساليب المتابعة والمراقبة والمحاسبة،فعملية التقويم لابد أن تصاحب كل مراحل الأداء بدءاًبالأهداف وانتهاءً بالنتائج .

3من المنطق أن ورقة الاختلاس أو التزوير لا يمكنها أن تأتي من الفضاء إلى مكتب المسؤول ليضع عليها توقيعه لكنها أرضية المنشأ ،ولابد أن تكون لها خارطة طريق تمر من خلاله على عدد من المسؤولين من ذوي الاختصاص داخل المؤسسة.ولا أعتقد أنها تمر بسلام إلا إذا كان المسؤول المختص شريكاً في الخطيئة أو متواطئاً لمصلحة ما فيلعب دور المتغافل والأصم والأعمى، فلكل جريمة أركان وشركاء.

4- الدوائر التي تتبع مكتب رئيس المصلحة الحكومية لا ينبغي أن يكون ولاؤها له، وليس من مهامها إيجاد الثغرات القانونية لتمرير قرارته إن كانت خاطئة والدفاع عنها ،بل يجب وجوباً تاماً أن يكون إنتماؤها للمؤسسة وولاؤها للوطن ومهمتها حماية المال العام والحفاظ عليه ومعالجة الثغرات القانونية التي يمكن أن تكون مدخلاً لممارسة الفساد.

5- بعض المخاطبات بين المسؤولين تحمل مصطلح “موظفيكم” الذي أتمنى التوقف عن استعماله. فالحقيقة أن العاملين في المؤسسة ليسوا موظفي مسؤول بل هم موظفو مؤسسة ، وكل العاملين في المؤسسة بما فيهم المسؤول موظفون لدى الدولة وفقاً للقوانين واللوائح التي حددها النظام الأساسي للدولة.

6شكل التغيير أو لنقل مجموعة التغييرات صدمة اجتماعية كان لها أثر إيجابي في توليد الشعور بالارتياح لدى معظم أفراد المجتمع، وقد تساعد تلك الصدمة الإيجابية على إعادة بناء الثقة بين المواطن والمسؤول التي كادت أن تتلاشى .إن أثر هذه الصدمة الاجتماعية في إعادة الثقة بين المواطن والمسؤول تشبه الصدمة الكهربائية التي تعمل على إعادة تنظيم ضربات القلب ليعاود بث نبضاته من أجل إعادة الحياة للجسد .

7مع وجود الصدمة الإجتماعية الإيجابية لدى معظم أبناء المجتمع العماني ، إلا أنه يوجد من تشكلت لديه صدمة سلبية مثل الشعور بالإحباط أو الغضب أو الحزن كالذين وجدوا أنفسهم في قائمة الحذف أو من وضع نفسه في قائمة الاختياروتمنى أن ينال نصيباً مما أوتوا فلم ينل ما تمنى .وفي كل الأحوال علينا الاهتمام بالأداء وليس الأسماء ، فالأسماء جميعها إلى زوال والرحيل غاية كل حي فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فليحمل أوزاره في عنقه تتعقبه دعوات أصحاب الحقوق يطوق بها يوم القيامة وما الله بغافل عما يعملون .

8- تقييم أداء المؤسسات يجب أن يرتبط بمعاييرالمردودية والانتاجية والتنافسية ،كما أن التتقييم لابد أن يشمل كل العناصر المادية والبشرية التي تتكون منها المؤسسة .إن تغيير رؤساء المؤسسات (وزراء ،وكلاء،رؤساء هيئات،رؤساء تنفيذيين) مهم جداً وله دور كبير في تجديد الدماء وتطوير الأداء لكنه غير كاف إذ لابد أن يشمل التغيير أيضاً الإدارة الوسطى والتنفيذية فلا يوجد مسؤول يعمل بمفرده ولكنه يعمل داخل منظومة وبالتالي إذا كانت المنظومة متعطلة أو غير فاعلة فإنها ستعطل أداء المسؤول أو تبطئ فاعليته وترهق جهده حتى لو كان قوياً وفاعلاً .لذا يجب على الجهات الرقابية والمحاسبية أن تركز على أداء المسؤول والموظف والنظام بكل تفصيلاته على حد سواء فمسؤول فاعل مع نظام فاشل أو نظام فاعل مع مسؤل فاشل كلاهما يحققان النتيجية نفسها حتماً وهو فشل أداء المؤسسة .

9- لا ينبغي الاستعجال في الحكم على الوزراء والوكلاء الجدد لا مدحاً ولا قدحاً ،بل يجب منحهم وقتاً كافياً قبل تقييم أدائهم والحكم عليه. فأي مسؤول جديد يتعين في مؤسسة لم يعهدها من قبل سيصاب بصدمة اجتماعية ويحتاج الأشهر الثلاثة الأولى للتعافي من الصدمة والتكيف مع الواقع الجديد ،وكل ما سيفعله في الأشهر الأولى محاولة فهم الأحداث وخصائص الأفراد من حوله وستكثر لديه أسئلة الاستفهام والتعجب ، وقد يتمكن فيما بعد من اتخاذ قرارات تحسينية ثم تطويرية ،وتتحدد سرعة التطوير والتحسين لدى المسؤول وفقاً لقدراته المعرفية وسماته الشخصية ومهاراته القيادية .ويستطيع المسؤول تغيير واقع المؤسسة إلى الأفضل إذا استخدم القيادة بدل السلطة وألغى ذاتيته ومصلحته وجعل مصلحة المؤسسة والمجتمع فوق كل اعتبار.

ولكن في كل الأحوال علينا ألا نتصور أنه يستطيع مسك العصا السحرية ويصنع من “القاشع” عصير فراولة “،وليس في كلامي تبريراً للتقاعس والفشل ولكن من يفهم المتغيرات من حولهيستطيع أن يعطي تقديرات متوازنة بين الواقع الممكن والواقع المأمول.

10 – بدأت خطوات التغيير في الاتجاه الصحيح لكن علينا أن لا نغرق في الأحلام الوردية ،فالتغيير يؤتي ثماره بعد حين من الدهر ولا يتصور أنه في ليلة وضحاها ستتحقق كل الأماني ،فللتغيير تحدياته ومعوقاته،ومن أهم معوقاته؛ الصراع بين الفئات ذات الأفكار المتضادة، فكما توجد فئة المشجعين للتغيير والداعمين له توجد فئة المثبطين الذين شربوا من وعاء البيروقراطية حتى الثمالة وتشبعوا بها ،وتوجد فئة ثالثة تعشق العشوائية في العمل حتى تتوارى عن أنظار الرقابة والمحاسبة

،وهناك فئة رابعة وهي الفئة الصامتة ذات تفاعل سلبي لا موقف واضح لها تسير مع الموجة وتميل مع الرياح .ذلك الصراع الظاهر والباطن بين الفئات المختلفة يجعل عملية التغيير تسير ببطء شديد وتحتاج إلى جهد وإصرار لتغيير قناعات أفراد المجتع وتعديل اتجاهاتهم وتحفيز رغبتهم نحو التغيير المطلوب.ولكن مع كل ذلك أراني بخطوات التغيير القادمة وأشعر أننا نمتلك القدرة والمعرفة والدافعية لمواجهة التحديات وصنع التغيير المنشود.حفظ الله عمان وسلطانها المعظم.