فرسانُ المستنقعات

0
2525

بقلم عبدالله الراشدي – أبو وسام

لم أعتَد في مقالاتي طرحَ كلماتٍ تأخذ منحى التطرفِ أو الشدة بعيداً عن الإتزان، ولكن وكما يقال لكلّ مقامٍ مقال، فإذا كان المقامُ يستند على أرضيةٍ تهزها مواقفُ لم تترك للقلم مجالاً للتوازن ، فليعذرني القارئُ الكريم سلفاً لما قد تصادفُه مقلتاه من عباراتٍ بعيدةٍ عن المثاليةِ المتوقعةِ والمتقوقعةِ في أدبياتِ المقال.

فوسط المروجِ والمسطحاتِ الخضراء الواسعة، التي تبهج النظرَ وتريح النفسَ ، قد تجد ثمّةَ مياه راكدة تشكل بيئةً مثاليةً لتكاثر كائناتٍ ونباتاتٍ ضارةٍ وسامة ، وهي ما تعرف بالمستنقعات، وبطبيعةِ الحال فإن النفسَ البشريةَ لا تميل إلى ارتيادِها أو حتى النظرِ إليها.

ولكن البعضَ وللأسف تستهويه زيارةُ المستنقعات للبحث عن أيةِ شوائبَ أو آثارٍ ضارةٍ للنيل أو الانتقاصِ من جماليةِ المسطحات الخضراء وهم من يصح أن نطلقَ عليهم فرسان المستنقعات.

هؤلاء الفرسان موجودون في أغلب المجتمعات تجدهم يلهثون وراء الهفوات والزلات والأخطاء ليمتطوا صهوةَ جيادِهم معلنين عن اكتشافاتٍ – في نظرهم – عظيمةٍ لتتولى فئةٌ أخرى النشرَ والتوزيع معَ عملياتِ التحليلِ والتأويلِ والتهويل.

إن ازدهارَ الدول وتقدمَها مرهونٌ بشكلٍ كبير على الانسجامِ والتآلفِ بين الجهاتِ التشريعيةِ والتنفيذيةِ والرقابيةِ وبين أفرادِ المجتمعِ بمختلف أطيافِه وشرائحِه، فكلما كان هناك تخبطٌ في اتخاذ القراراتِ المصيرية، مع انتشارِ المحسوبيات واستغلال السلطة لتحقيق المنافع الخاصة، وغياب الرقابة الرصينة، كلما عانى المجتمعُ تبعاتِ ذلك التخبط وأفرز الكثيرَ من الانعكاساتِ السلبيةِ كجرائم الاحتيالِ والسرقةِ والرشاوى وانعدام الأمن وغيرها من الظواهرِ المرتبطةِ بها.
وبالمقابل إذا كان البعضُ في المجتمع يقف مترصداً لكل شاردةٍ وواردة ليستغلَها في النيلِ والانتقاصِ من جهةٍ معينة أو وظيفةٍ محددة بصيغة التعميمِ والسخريةِ والاستهزاءِ وبقصد تقزيم الجهودِ المبذولةِ، فإنّ الأمرَ يعد مؤشراً خطيراً لمسارِ ذلك المجتمع نحو المستنقع المنبوذ.

وفي ظل انتشارِ وسائلِ التواصل الاجتماعي واستحواذِها لاهتمام أغلبِ فئات المجتمع بمختلف أعمارِهم مقارنةً بوسائل الإعلام الرسميةِ، لم يعد من السهل التحكمُ في ظاهرةِ توسع مساحة المستنقعاتِ على حساب المسطحاتِ الخضراء، لتعم الظواهرُ السلبيةُ قبل الإيجابية، وبات الفرسانُ في تلك المستنقعات متعطشين كل يوم لالتقاط ما قد يرتوون به ولسقي الآخرين تظليلاً وتضليلاً.

فليس من الغريب أن ينبري يوماً أحدُهم لتحليل بيانٍ أصدرته إحدى الجهاتِ الرسميةِ بشكلٍ طارئ وعاجل للتعامل مع توقعاتِ الأنواءِ المناخية، حيث أظهر ذلك الفارسُ مهاراتِه اللغويةَ من خلال إبرازِ الأخطاءِ الواردةِ في البيان، بينما كان يُتوقع على الأقل إبداءُ ردٍ إيجابي لسلامةِ ذلك القرار المتخذ، وذلك أضعفُ الإيمان .

وكما أن الجهاتِ الرسميةَ في أيةِ دولةٍ مطالبةٌ بالتعامل بشفافيةٍ ومصداقيةٍ مع المجتمع وذلك من خلال التخطيطِ السليم والتنفيذِ الأمين لما يحقق الاستقرارَ والاطمئنانَ النفسي بعيداً عن المشكلاتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ وغيرها ، وبعيداً عن التطبيل المبني على الشعارات الوطنية الزائفة،
فإن المجتمعَ كذلك مطالبٌ بالترفعِ عن سفاسفِ الأمور ، والابتعادِ عن التهكم والسخرية والاستهزاء والنيل من تلك الجهودِ التي من شأنها إصلاحُ الأحوال وتعديلُها للأفضل، فهناك سننٌ كونيةٌ دوّنها القرآنُ وأثبتها التاريخُ يجب أن نستقي منها دروساً للعبرةِ والموعظة، وإذا أردنا حياةً أفضل لمجتمعاتِنا فعلينا البدء بأنفسِنا أولاً بالتغيير مصداقاً لقولِه تعالى في محكم كتابه العزيز ( إنَّ اللهَ لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسِهم ) صدق الله العظيم .