أقمار الدُجى وشُموس الزمان

0
3476

بقلم / ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

. تفجر صبح هذا اليوم وأنفاس الصيف تعصف بالمكان، و الطيور تشدو على الأغصان بأعذب الألحان، لم تعد بعض الأمكنة كسابق عهدها وليتنا نعود لتلك الأزمان ، فبعض الأمكنة لا تزال تحتفظ بالجمال وإن تغيرت الملامح نوعًا ما إلا أن العراقة والأصالة والهوية العُمانية حاضرة بشدة وبعنفوان .

رغم غياب بعض الرموز العظيمة التي كُنا نتباهى بها ولم يزل ذكرها يعطر المكان، ورغم استبدال بعض الأماكن القديمة بأخرى جديدة إلا أن الطرق وحدها تنطق بالشوق وبالحنان، ولنعد للوراء قليلًا نستذكر بعض أقمار الدُجى وشموس الزمان هنا استعصم العلامة المحقق الخليلي وهنا مشى الإمام عزان فنال كل واحد منهما ما أراد الفوز بالشهادة ورضى الرحمٰن لم تكن حقبة مضت وانقضت وإنما قصة كفاح وعلم وإيمان، وهناك قضى نحبه العلامة الغاربي هو الآخر شهيدًا وخُتم للشيخ صالح الحارثي بمسك الختام رصاصة طائشة من طريق الجيلة جعلها الله سببًا فلحق كل واحدٍ منهما بالآخر فبشرى لهم بإحدى الحُسنين الشهادة والعلا من الجنان

هوت تلك الأعمدة الأربعة فلم يعد هناك أركان ، حتى قيض الله من أشرق بعدله الزمان سالم الدين والدنيا من بني خروصٍ وهي أكثر القبائل من أئمة عُمان وأتى بعده الخليلي محمد الذي ليس له شبيهٌ في ذاك الزمان ، وكم من الأفذاذ من سابق أو لاحق زخرت ونضحت بهم أرض عُمان وصدق أمير الشعراء العُماني أبو مسلمٍ البهلاني عندما حوى ذكرهم في قصيدته العصماء و نونيته الغراء والتي كان لها الوقع على قلب كل عُماني ،
حيث قال :-
أئمةٌ حُفظ الدين الحنيف بهم
من يوم قيل لدين الله أديانُ

صيدٌ سراة أباةُ الضيم أُسُدُ شرىً
شُمسُ العزائم أواهون رهبانُ

سُفن النجاة هداة الناس قادتهم
طُهر السرائر للإسلام حيطانُ

تـقـيلوا مــدح الـقرآن أجـمعها
إذا اسـتـحق مـديـح الله إيمانُ

جـدوا إلى الـباقيات الصالحات فلم
يـفتهم ُ فـي الـتقى سـرٌ وإعلانُ

عـلـى الـحنيفية الـزهراء سـيرهمُ
والـوجه والـقصد ايـمانٌ وإحـسانُ

بـسيرة الـعمرين اسـتلأموا وسطوا
لـشربة الـنهروان الـكل عـطشانُ

صـعب الـشكائم في ذات الإله فإن
حـناهم الـحق عـن مـكروهةٍ لانوا

مـسـومين لـنـصر الله أنـفـسهم
أرواحـهـم فـي سـبيل الله قـربانُ

سـبق إلـى الـخير عن جدٍ وعن كيسٍ
دانـوا الـنفوس فـعزت حيثما دانوا

سـيماهم الـنور فـي خَلق وفي خُلق
وهـديـهم سـنـةٌ بـيضاء تـبيانُ

مـقـيدون بـحـكم الله حـكـمتهم
وهـمهم حـيثما كـان الـهدى كانوا

هـم أسـمع الـناس في حق وأبصرهم
وفــي سـواه هـم صـمٌ وعـميانُ

لـم تـلههم زهـرة الـدنيا وزخرفها
إذ هـمـهم صـالحٌ يـتلوه رضـوانُ

بـاعـوا بـباقية الـرضوان فـانيهم
كــأن لـذة هـذا الـعيش أوثـانُ

وقـف عـلى الـسنة البيضاء سعيهمُ
وفـي الـجهادين إن عـزوا وإن هانوا

مـا زايـلت خـطوة المختار خطوتهم
ولا ثـنى عـزمهم نـفس وشـيطان ُ

إلى أن قال :-
أئمتي عُمدتي ديني محجتهم
غوثي إذا ضاق بي في الكون إمكانُ

رحم الله الشيخ ناصر بن سالم البهلاني الرواحي ونفعنا بعلومه.