الهاربون والعائدون -الجزءالاخير

0
1843

كان عمر يسترق نظرات تفحص الى رفيقيه بين الفينة والاخرى خصوصا بعدما لاحظ من بداية الارهاق يتسلل الى سالم فيقترب منه يحفزه ، ويردد عليهم دائما بعدم الابتعاد عن بعض كثيرا وان لايفترقوا عن بعض مهما حصل، الا ان قلة حركة سالم بدت ملحوظة  حتى يكاد لايسمع صوت حركة يديه فى الماء فقال له عمر حرك يديك فالحركه تعطيك دفأ ونشاط ، رد سالم بصوت خافت تعبان وحبال الكزاب شرخت صدرى فتقرب منه عمر ونادا حامد ليساعده وقال لسالم انقلب على ظهرك لتضع ظهرك على الحبال بين الكزاب بدل الصدر وهذا سيريحك ، ووضعوه فى الوسط بينهم لدفعه بين الحين والاخر واستمروا فى السباحه ببطأ .
اصبحت حركتهم بطيه وخشوا ان يداهمهم الفجر قبل ان يصلوا لمكان آمن بعيدا عن سيارات الدوريه التى تجوب الشاطى بدون اناره فى هذه المنطقة

وبدء القلق يشتد بعمر بالذات بعد تدهور صحة سالم فسارع الى التخلص من الكزاب والضغط عليها فى الماء ليلقى عليها بظهره وبداء فى فك رباط صره جلديه صغيره كانت مربوطه (بالكمار) حزام عريض به جيوب جلديه يتحزم به الشخص فوق ازاره ورفع الصره فوق مستوى الماء وفك رباطها واخرج منها بسرات تمر يابس ووزعها عليهم ووضع عدد منها فى فمه واعاد ربط الصره فى مكانها ، فناداه حامد مشيرا الى صدره قائلا : صدرك ينزف ، قال عمر يعنى انت صدرك لم يتاثر من حبال النارجيل طوال هذه الفتره ، قال حامد لقد تاثر واحس بنيران من الوجع ولكن لاجروح تنزف بعد، فقال عمر مبتسما صدرك حديدى ماشاءالله انت صياد ابن صياد طول عمرك وانت كالبط وسط الماء كيف ياثر عليك ، تبسم حامد وهو يمضغ التمر بينما سالم لم يحرك حتى فمه بالتمرات.
هنا قال عمر يبدو اننا قدتجاوزنا خورصلاله بقليل والمنطقه شبه امنه على الشاطى واقترح ان نقترب ناحية الشاطى وتنزل انت ياسالم لا تصارع القدر مادمت بهذه الحاله،
وهناك تتسحب الى اى من المزارع على الطرف الاخر للخور وستكون بامان هناك والمسافه قليله قبل ان تفقد وعيك وسط الماء. اشار سالم بيده بصوت خافت لكن به اصرار لا لا لا واشار بمواصلة السباحه .
اخرج سالم(مقيلميه) سكين صغير منثنى فى غمد مربوطه بكماره وقطع وصله من الحبل الرابط بين الكزاب وفك فتلاته الى اصغر فتله ووصلها ببعض حتى صارت بطول مترين تقريبا وربطها على صدره تحت ابطيه وطرفها الاخر بحبل كزاب سالم الذى لازال مستلقى على ظهره بدون حراك وطلب من حامد ان يبقى بجنب سالم ليدعم دفعه الى الامام بقدر الاستطاعه وتولى السباحه ، وسحب سالم خلفه ، قطعوا مسافه اخرى لاباس بها ولم يبقى الا القليل ليطمئنوا بالنزول الى الشاطى .
اثناء استمرارهم قال عمر مخاطبا حامد : تعتقد المكان آمن على مستوانا جهة الشاطى لنبداء الخروج ، لم يجبه حامد ، ناداه بصوت مسموع اكثر،حامد، حامد ، الا ان حامد لايرد فالتفت خلفه فلم يلاحظه بالقرب من سالم فدار الى الخلف مناديا، حامد اين انت ياحامد رد على ، ولكن لاحياة لمن تنادى فاضطر للتخلص من الحبل حتى لايعيقه واخذ فى السباحه الى الخلف وهو ينادى حامد،حامد وينظر يمنه ويسره ويستمع بتركيز على اى همسه تصدر ولكن لايسمع الاصوته ، وفجأه سمع صوت شى على الماء اتجه ناحيته بسرعه مع التركيز فاذا بها سمكه تقفز على الماء ، احس عمر بانها النهايه لكل شى ، وكاد يهلع من هول ماهو فيه ، الا انه تذكر فجأه وكان احد قذفها فى نفسه قذفا (قل لن يصيبكم الا ماكتب الله لكم) فتشهد وهلل وتذكر امه وام سالم ،اما كان يكفى البقاء بجانبهما ؟ هل هناك مايعوض ذالك فى هذه الدنيا، هانحن سنفقد ارواحنا وكل شى ، ورجع للتشهد والحوقله حتى اطمئنت نفسه قليلا وخمد هو الاخر على كزابه ولم يعلم كم من الزمن استمر ولم يفق الا على صوت اشبه بالشخير ففز من غفوته وركز على مصدر مايسمع ، فاذا به شخير انسان يتحرك ناحيته ولم يصدق اويستوعب مايرى حتى تأكد انه حامد نائم فى امان الله على حزمة كزابه وحبال نخلها ، يالله، يالله ، ماارحمك يارب، يارحمن يارحيم ، يامن حفظت عبدك ذو النون فى ظلمات ثلاث ظلمة الليل ظلمة بطن الحوت وظلمة البحرك ، لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين ، وامسك بكتف حامد يهزه فاستفاق وكانه يحلم ، حتى استوعب ماهو فيه وسال عمر اين سالم؟ اين وصلنا؟.
فترة الدقائق التى غفاها حامد انعشته قليلا ، وبعد ان عرف عن سالم ، سال عمر هل تقدر تحدد باى اتجاه تركته ، قال عمر كنت طوال فترة سباحتنا اركز على ناحية البر اما الان لم اعد اجزم حتى البر باى اتجاه وهذه مصيبه الان ، اين موقع سالم واين اتجاه البر؟ ، اجاب حامد لاتحزن يااخى ولاتفقد جاشك وثقتك بالله، اتجاه البر لامشكله ورفع يده فوق الماء يتحسس الهواء من اى جهه واشاربيده هذه ناحية اليابسه ، فهذا الموسم هواه جنوبى والرياح تاتى من وسط البحر ونحن الان فى البحر اى جنوب صلاله وبالتالى فالبر مقابلها اى الشمال ، لكن اين سالم الان ، الله اعلم ، قال عمر انا تركته خلفى اى على يسارنا هناك الغرب ،قال حامد صدقت ، سنقطع مسافه الى هناك علنا نعثر عليه
واستمروا فى السباحه غربا وهم ينادون عليه ولكن دون جدوى حتى قال حامد : انت اصبحت مرهقا كثيرا ياعمر واصبحنا قرب عوقد تقريبا ، اى امان تام على الشاطى .
فاتجه انت الى الشاطى لانك اكثر ارهاقا ، وانا ساستمر فى السباحه غربا علنى اعثر عليه فى طريقى ، وقد اوشك الفجر على الطلوع ، ساخرج للشاطى مع بزوغ الضؤ وانت تتجه بنفس الوقت برا الى ناحيتى غربا على الشاطى ولايفارق نظرك البحر علك ترى اى اثرلسالم وانا سالتقيك من الغرب بنفس الطريقه فاذا التقينا وقدعثرنا على سالم سنواصل سيرنا الى الجبل لنحظى ببعض الراحه هناك .
التقى عمر وحامد كلا اتى من طرف على الشاطى ولكن بدون سالم ، انهار عمر باكيا فاخذ سالم يضمه الى صدره بقوه ويخضه ليصحى قائلا : عمر ، وحد الله وتمالك نفسك ، لو ان سالم يرانا لطلب منا مواصلة السير اذ لاجدوى من غير ذالك فى اى شى اخر نعمله وانت ادرى به منى ، فهو ان كان حيا فالبحر يخرج اى جسم طاف الى البر وسيكون فى حفظ الله وعنايته ، وان توفاه الله سيكون بمعيته ، قال عمر ونعم بالله ولاحول ولاقوة الابالله هيابنا ياصديقى استودعناك الله ياسالم، ولملم الاثنان ماتبقى لهما من طاقه مشيا الى الجبل .
ظل عمر هناك فلم يعد له نفس فى الابتعاد اكثر ، على الاقل فى الجبل سيحمل له هواء الجنوب ريحة امه ويستطيع الاطمئان بما يصله من اخبارها واخبار خالته ام عبدالله وهو قريب جغرافيا ، اما حامد واصل مشواره وسافر.

عاشت صلاله حالها حال اى مدينه وقريه فى عمان والهروب والسفر يخطف ضحاياه من معظم البيوت بتنامى وازدياد يوما بعد يوم الى ان كادت تصبح خاويه على عروشها.
الا ان استجاب القدر لدعوات الثكالى من الامهات والزوجات والاخوات وكل من ثكلت بعزيز، واستجاب القدر لدعواتهن .
ونادى ابن عمان البار واول الثائرين بها ولها واكثر من عانا لحالها فأطلقها صادحه فى كافة ارجائها فى يوم مبارك من ايام يوليو73 يوم بزوغ نورها من صلاله ليلوح بعمان كالبرق من اقصاها الى اقصاها وانتعشت النفوس قبل الاجساد بكلمات نطق سامى ، اصبح مصدر الهام وتحققت به على الارص افعال نعمت بها البلاد والعباد :’ عفى الله عماسلف :- هلموا بنا نبنيها من جديد :-سابذل قصارى جهدى لتعويض مافاتها :-سالحقها بركاب العصروالدول المتقدمه باسرع مايمكن :-ساربط حاضرها الزاهر بماضيها التليد باذن الله.
وكان عمر وحامد اول العائدين وذبلت واندثرت كلمة الهاربين الى غير رجعه ،وانشغلت عمان باستقبال العائدين الذين عادو وازالو كلمة العائدين بانفسهم برجوعهم افرادا وجماعات وامتسحت الكلمتان من الذاكره العمانيه للابد خلال سنوات لم تتجاوز اصابع اليد الواحده لتبقى سلطنة عمان قابوس ضياء على شعبها والعالم.