الشمعة القندسيه

0
1687

نص / بقلم يعقوب بن راشد بن سالم السعدي

شمعةً قندسيه تضيء إكليل الزهر الملبد بالضباب وحبات الندى ، هودج الليل يكاد يسدل ستار مسرحيته البرية في المشهد الأخير عند حافة الصخرة الجلمودية المحناه باللون القرمزي القاني ، تداعت كل الفصول معلنه الرحيل وتركت خلفها خريف العمر يهطل من عرق السماء قطرات لعابها المتسحسح على ورق الشجر الأخضر

نغمات ترسلها الطبيعة الصامتة على مسامع اللحود لتبعث الحياة فيهم من جديد ، نعم تسقي الأضرحة وتفلق القفول المتصدية منذ الخليقة الأولى ، ما زالت الشمعة القندسيه ترسل ضوئها من تحت ورقة الفيفاي إلى ربوع الطبيعة ، إذا نظرت في رحم الطبيعة وعمق المكان الملبد بزخات الرذاذ لتخيل لك بأن كل ما في الغابة حي حتى ظلك بدأ يتحدث إليك ويسابق خطواتك المتثاقلة نحو إكليل الزهر ، شجرة الأبنوس تنشر أجنحة سيقانها وعيدانها في السماء تتلقف قطرات الرذاذ وتغتسل بها ، مسكينه هي شجرة الأبنوس لا يطابعها الخريف الجميل البارد

فهي شجرة تنبت في الأجواء شديدة الحرارة ، أين رفيقك الصنوبر صاحب القوام الرفيع والطول اليافع ، ألم يغازلك فَيُها قبل حلول الخريف ، فوق التلة العاتية تقبع السنديانة تراقص الريح ، هوس من الجنون يغتاب عتمة العقل المتصدع ، ويقهقر ثنايا السكون الميت على أغشية الروح ، لم تعد الفصول تأتي كالسابق ، كل شيء تغير حتى محاجر الزهور ودعت البرعم قبل ولادته ، خانت الشمعة القندسيه الضوء حين قررت الإحتضار ، فلم تعد تأبه لجميع نداءاته وتوسلاته التي حطمت قلوب أبناء الطبيعة ، حتى جلمود الصخر بكاء بحرقة حين سالت دمعة من محجره الصامت ، تكالب كل شيء على الشمعة القندسيه ، فلم يبقى لها صديق او صاحب ،

كان الجميع من حولها يخشى العتمة والسبات في الظلام المدقع ، حتى الضوء نفسه كان يخاف أن يموت في صمت متناهي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على رأس الشمعة القندسيه المنهارة شيئا فشيء ، تحطمت أحلام الجميع وبدت كأنها سراب في بقيعة صحراء قاحلة يحسبه الظمئان ماء

يعتقد الجميع بأنه لن يتمكن من العيش بدون الضوء القادم من الشمعة القندسيه ، كان تفكير الجميع في الضوء أكثر من المنتحرة من أجل الجميع لتغذية من رحيق دمها المنصهر حتى أقدامها العارية ، نسى الجميع من بالغابة الشمعة القندسيه وكأنها لم تكن ، قدمت نفسها قربانً لمن حولها وهم لا يستحقون ذلك ، خارت قوها وبدء جسدها يضعف وينصهر ويذوب حتى عنقها الأخير ، ضحت ومن أجل الجميع لتدفن معها الضوء المتشائم ، نسى أن يشكر أمه التي حملته في بطنها واحترقت من أجله لينير هو ومن حوله .