عِيْد وَعَبِيدُ

0
1106

                                    الحلقة الأولى

 عِيْد وَعَبِيدٌ شَقِيقَيْنِ تَقَاسُمَا الحَيَاةِ بَعْدَ رُجُوعِهِمَا مِنْ الكويت فِي غُرْبَةٍ دَامَتْ سَنَوَاتٌ طَوِيلَةً , عَمَلًا فِيهَا كُلُّ أَنْوَاعِ العَمَلِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَرْجِعَا لِبَلَدِهِمَا عُمَان وَهْمًا يَمْتَلِكَانِ مَبْلَغٌ كَبِيرٌ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يِحِسّنَا مُسْتَوَى حَيَاتِهِمْ بَعْدَ الزَّوَاجِ , عِنْدَمَا عَادَا لِلبَلَدِ اِحْتَفَظَ عُبِيد بِمَالِهِ وَكَانَ حَرِيصًا أَشَدَّ الحِرْصُ عَلَى عَدَمِ إِنْفَاقِهِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ , كَمَا كَانَ شَدِيدَ البُخْلِ قَابضَا يَدَهُ مِنْ الإِنْفَاقِ فِيمَا تَشْتَهِيهُ نَفْسُهُ , فَقَدْ أَحَسَّ بِمَعْنَى الغُرْبَةِ وَمَرَارَتِهَا , وُوزِرَ العَمَلُ فِي السِّنِينَ الَّتِي قَضَاهَا فِي الكويت وَهُوَ يُخَدِّمُ مَعَ هَذَا وَيَعْمَلُ مَعَ هَذَا وَذَاكَ , لَمْ يُنْفِقْ إِلَّا القليل مِنْ مَالِهِ وَالذَّهَبِ الَّذِي اِشْتَرَاهُ حَتَّى يَكُونُ هَدِيَّةً لِعَرُوسَتِهِ القَادِمَةُ.  

أَمَّا عِيدٌ كَانَ عَكْسَ عُبِيد تَمَامًا فَفِدْ كَانَ مُنْفَقًا لِمَالِهِ وَلَا يُحْسَبُ حِسَابُ الأَيَّامِ وَالسِّنَّيْنِ وَلَمْ يُدْرِكْ بِأَنْ المَالُ رَغْمَ كَثْرَتِهِ يُنَفِّذَ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالِ أُخَرَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ اِنْتِفَاعٍ , فَقَدْ تَزَوَّجَ عِيْد بِسُرْعَةٍ بَعْدَ عَوْدَتِهِ ثُمَّ مَا لِبَثٍّ أَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ عَدَمِ اِتِّفَاقٍ فِي سُلُوكِهِ , عِيدٌ كَانَ يُحِبُّ السَّهَرُ لوقت مُتَأَخِّرٌ مِنْ اللَّيْلِ وَكَانَ هَذَا الأَمْرُ يُقْلِقُ زَوْجَتَهُ وَيَبْعَثُ الغَيْرَةَ دَاخِلَهَا , كَمَا لَمْ يَكُنْ مُهْتَمٌّ بِزَوْجَتِهِ بِقَدْرِ خُرُوجِهِ مِنْ المَنْزِلِ وَعَوَّدْتُهُ مُتَأَخِّرٌ , أَجْوَاءَ القَرْيَةِ بِاللَّيْلِ مُخِيفَةٌ عِنْدَمَا تَكُونُ لِوَحْدِكِ وَخَاصَّةً إِنْ كَانَتْ اِمْرَأَةٌ , لَكِنَّ عِيدٌ لَمْ يُمْعِنْ لِمُنَاشَدَةِ زَوْجَتِهِ المُسْتَمِرَّ بِالعُدُولِ عَنْ سِيرَتِهِ الَّتِي يَسِيرُ عَلَيْهَا رَغْمَ إِنَّهَا تَكَلَّمَتْ مَعَ أَبِيهَا بأنَ يُوقِفُهُ عَنْ تَصَرُّفَاتِهِ وَإِهْمَالُهِ فِي زَوْجَتِهِ وَبَيْتُهِ , فَعَمْدًا أَخِيرًا عَلَى الطَّلَاقِ.

تَزَوَّجَ عِيدٌ أُخْرَى وَتَزَوَّجَ كَذَلِكَ أَخِيهِ عُبِيد أَيْضًا , وَبَعْدَ مُدَّةٍ نَفَّذَ مَالِ عِيْد وَقَرَّرَ أَنْ يُسَافِرَ مَرَّةً أُخْرَى وَهَذِهِ المَرَّةَ إِلَى قَطَرَ وَيَتْرُكُ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ فِي الشُّهُورِ الأُولَى مَعَ أَبِيهَا وَزَوَّجْتُهُ فَقَدْ كَانَتْ أَمْ زَوَّجَتْهُ خَدِيجَةُ مُطَلَّقَةٌ وَمُتَزَوِّجَةٌ مِنْ رَجُلٍ آخَرُ , زَوْجَةٌ أَبُو خَدِيجَةُ اِمْرَأَةٌ شَرِسَةٌ وَلَا تُحِبُّهَا , فَكَثِيرًا مَا كَانَتْ تُعَمِّدُ عَلَى خَلْقِ المَشَاكِلِ لَهَا لِيَضْرِبَهَا أَبَاهَا أَوْ يُضَاعِفُ عَلَيْهَا عَمَلُ البَيْتِ , فَقَرَّرَتْ خَدِيجَةُ مُغَادَرَةَ بَيْتِ أَبِيهَا وَالرُّجُوعُ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا بَعْدَ سُفْرَه عَلَى مَا لَاقَتْهُ مِنْ جَفَاءٍ وَنُكْرَانٍ مِنْ عَمَّتِهَا زَوْجَةِ أَبِيهَا , وَهُنَا أَصْبَحَتْ خَدِيجَةُ زَوْجَةٌ عِيْد تَتَقَاسَمُ البَيْتَ مَعَ أَخُو زَوْجِهَا عُبِيد وَاِمْرَأَتِهِ , فَقَدْ كَانَ البَيْتَ بِمَثَابَةِ لِكُلِّ أَخٍ غُرْفَةُ ودهريز وَمَطْبَخُ وُحُوشٍ أَمَامَ غُرْفَتِهِ لَا غَيْرُ , حَمَلَتْ زَوْجَةُ عُبِيد كَذَلِكَ بَعْدَ شَهْرٍ مِنْ مُغَادَرَةِ عِيدٍ لِلبِلَادِ , لَكِنَّ خَدِيجَةُ زَوْجَةُ عِيْد لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَتَأَقْلَمَ مَعَ مِنْ حَوْلِهَا فِي البَيْتِ , فَقَدْ كَانَ عُبِيد كَثِير الصُّرَاخُ والشتم لُزُوجَتُهُ مِنْ شِدَّةٍ بِخَلِّهِ , وَكَثِيرًا مَا كَانَتْ زَوْجَةُ عُبِيد وَاِسْمُهَا سعده تَغْضَبُ وَتَتْرُكُ بِالبَيْتِ وَتَذْهَبُ لِبَيْتِ أَبِيهَا , لَكِنَّ عَبِيدٌ كَانَ دَاهِيَةٌ وَمَاكَرَا وَلَا يَسْتَطِيعُ أَبِيهَا أَنْ يَقِفَ مَعَ أَبَنْتُهُ فَقَدْ كَانَتْ كُلَّمَا غَضِبَتْ زَوْجَةُ عُبِيد وَذَهَبَتْ إِلَى أَبِيهَا جَاءَ عُبِيد بَاكِيًا بِدُمُوعِ زَيْفٍ يَتَوَسَّلُ عَمُّهِ أَنْ يُعِيدَ إِلَيْهُ زَوْجَتَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْصِدُ مَا حَصَلَ وَيَبْرَرْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ شَدِيدٌ الحَسَّاسِيَّةِ , مَضَتْ الأَيَّامَ وَالأَشْهَرُ وَعِيدٌ يَعْمَلُ فِي قَطَرِ بِوَظِيفَةِ عَامِلِ بِنَاءٍ وَكَانَ مُرَاقِبٌ المَشْرُوعُ مِنْ الجِنْسِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةُ , كَمَا كَانَ فَضَّا غَلِيظَ القَلْبِ , يَتَعَامَلُ مَعَ مِنْ حَوْلِهُ بِشِدَّةٍ وَقَسْوَةٌ , فَلَمْ يَكُنْ يَرْأَفُ بِحَالِ العُمَّالِ أَبَدًا , أَهَمُّ مَا عِنْدَهُ كَانَ إِنْجَازُ العَمَلِ بِوَقْتٍ قِيَاسِيٍّ حَتَّى يَخْرُجُ هُوَ بِصُورَةٍ جَمِيلَةٍ أَمَامَ صَاحِبِ الشَّأْنِ المُقَاوِلُ , لَكِنْ الوَضْعُ لَمْ يَعْجَبْ عِيدٌ أَبَدًا , وَكَثِيرًا مَا كَانَ عِيدٌ يُضْمِرُ فِي قَلْبِهِ ويتصيد الفُرْصَةَ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ هَذَا المُرَاقِبِ الفِلَسْطِينِيُّ أَوْ يُبْعِدُهُ عَنْ المَشْرُوعِ وَلَوْ لِبَعْضِ الوَقْتِ , لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيَ الشِّتَاءِ اِشْتَدَّ فِيهَا البَرْدُ القَارِسً , وفي صَبَاحَ اليَوْمِ الثَّانِي خَرَّجَ العُمَّالَ إِلَى عَمِلَهُمْ وَكَانَ كَالعَادَةِ عِيْد فِي مُقَدَّمَةِ العُمَّالِ فَاِمْرَه المُرَاقِبِ الفِلَسْطِينِيُّ أَنْ يَقُومَ بِتَشْغِيلِ مَاكِنَةِ الخَلَّاطَةِ لِخَلْطِ الإسمنت مَعَ الحِجَارَةِ وَالرَّمْلِ , فَأَخَذَ عِيدٌ الهندل وَبَدَأَ فِي مُحَاوَلَةِ تَشْغِيلٍ المَاكِنَةُ لَكِنَّ دُونَ جَدْوَى بِسَبَبٍ بِرَدِّ الأَمْسِ أَصْبَحَ الحَدِيدُ بَارِدٌ وَلَمْ تَسْتَجِيبُ المَاكِنَةُ لِمَجْهُودِ عِيدٍ , بَيْنَمَا عِيدٌ كَانَ يُحَاوِلُ تَشْغِيلُ المَاكِنَةُ كَانَ المُرَاقِبُ الفِلَسْطِينِيُّ يُرَاقِبُ عِيْد عن كثب , وَكَانَ بِالمُقَابِلِ عِيدٌ يَنْظُرُ إِلَى المُرَاقِبِ الفِلَسْطِينِيُّ دُونَ أَنْ يَلْمَحَهُ , فَجْأَةً ثَارَ المُرَاقِبُ الفِلَسْطِينِيُّ وَجَاءَ يَسِيرُ بِقُوَّةٍ نَحْوَ عِيْد فَجَعَلَ عِيْد مُتَعَمِّدًا الهندل عَلَى أَطْرَافِ مَقْبَضٍ المَاكِنَةُ وَمَا إِنَّ مَسْكَنَ المُرَاقِبِ الفِلَسْطِينِيُّ الهندل وَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ بِتَدْوِيرِهِ بِقُوَّةٍ حَتَّى فَلَّتَ الهندل مِنْ المِحْوَرِ وَضَرَبَ المُرَاقِبَ فِي سَاقَةٍ فَكَسْرُهَا , فَأَخَذَ المُرَاقِبُ يُصَرِّخُ وَتَجَمَّعَ حَوْلَهُ العُمَّالُ وَتَمَّ نُقْلَةٌ لِلمُسْتَشْفَى وَتَنْوِيمِهِ , وَهَكَذَا تَمَّ تَعْيِينُ عِيْد مُرَاقَبٌ مُؤَقَّتٌ بَدَلًا مِنْهُ حَتَّى عَوْدَتَهُ , ورتاح العُمَّالُ لِمُعَامَلَةِ عِيدٍ وَأُسْلُوبِهِ مَعَهُمْ , فَكَانَ العُمَّالُ يُقَدِّمُونَ عَلَى العَمَلِ بِنَفْسَيْهِ مُمْتَازَةَ وَيَكُونُ الإِنْتَاجُ عَالِيَ أَكْثَرَ مِنْ السَّابِقِ , وَهَذَا لَفَتَ اِنْتِبَاهَ المُقَاوِلِ , فَعِنْدَمَا عَادَ المُرَاقِبُ الفِلَسْطِينِيُّ إِلَى العَمَلِ قَالَ لَهُ المَقَالَ إِنَّكَ منِقُول لِمَوْقِعٍ آخَرِ وَعِيدٍ سَوْفَ يَظَلُّ مُرَاقِبٌ ثَابِتٌ بِهَذَا المَوْقِعِ , مَرَّتِ الأَيَّامِ وَالشُّهُورَ وَعِيدٌ يُدَّخَرُ مَالُهُ حَتَّى لَا يَتَكَرَّرَ مَعَهُ مَا حَصَلَ مِنْ إِنْفَاقٍ وَتَبْذِيرٍ فِي المَرَّةَ المَاضِيَةُ , وَأَبًا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى عُمَان دُونَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ المَالِ مَا جَاءَ لِأَجْلِ .

أَنْجَبَتْ زَوْجَةُ عِيْد بِنْتَا جَمِيلَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أَنْجَبَتْ زَوْجَةُ عُبِيد وَلَدَا وَسِيمَ , لَكِنَّ بَعْدَ مُضِيٍّ عَامٌّ تُوفِي كَلَّا مِنْ البِنْتِ وَالوَلَدِ , فَغَضَبُ عُبِيد وَسَبَبُ غضبة خِلَافٌ حَادٌّ مَعَ زَوْجَتِهِ مِثْلَ كُلِّ مَرَّةٍ فَتَرَكَتْ البَيْتَ وَذَهَبْتُ إِلَى بَيْتِ وَالِدِهَا وَحَرَّمَتْ هَذِهِ المَرَّةَ أَنْ تَعُودَ إِلَيْهُ , وَأَخَذَ عُبِيد يَتَرَدَّدُ كَثِيرًا عَلَى بَيْتِ عَمَّةٍ لِإِرْجَاعِ زَوْجَتِهِ لَكِنَّ كُلُّ مُحَاوَلَاتِهِ بَآتَ بِالفَشَلِ , أَمَّا خَدِيجَةُ فَأَحَسَّتْ إِنَّهَا مَكْلُومَةٌ وَاِنْفَطَرَ قَلْبَهَا بِسَبَبِ مَوْتِ اِبْنَتِهَا البِكْرِ وَلِعَدَمِ وُجُودٍ مِنْ يَقِفُ مَعَهَا وَيُوَاسِيهَا , فَقَدْ كَانَتْ تَشْعُرُ بِالوَحْدَةِ رَغْمَ وُجُودِ أَبِيهَا عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ , لَكِنَّ بِالمُقَابِلِ تَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ عَمَّتَهَا أَوَغَّرَتْ قَلْبَ أَبِيهَا ضِدَّهَا وَلَمْ يَعُدْ يُعَامِلُهَا كَمَا كَانَ يُعَامِلُهَا عِنْدَمَا كَانَتْ أُمَّهَا مَا تَزَالُ حية , جَلَسَ عَبِيدٌ مَعَ نَفْسِهُ وَفِكْرٍ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَعِيدَ زَوْجَتَهُ عَلَى كَثَّرَ غَلَطَاتِهُ , فَعَبِيدٌ لَيْسَ سَيِّئًا كَمَا يَعْتَقِدُ البَعْضُ لكنه سَرِيعُ العَصَبِيَّةِ وَيَنْطِقُ بِكَلَامٍ لَا يَزِنْهُ عِنْدَمَا يَكُونُ ثَائِرًا , وَهَذَا شَيْءٌ جُبَلْ عَلِيهِ عَبِيدٌ مُنْذُ الصُّغُرِ , فَقَدْ كَانَ طِفْلًا مُدَلَّلَ عِنْدَ أَبَاهُ أَكْثَرَ مِنْ أَخِيهِ عِيْد , لِذَا نَشَاءً مُتَغَطْرِسًا مَغْرُورًا وَيُرِيدُ أَنْ يَحُوزَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ , فَأَطْرَقْتُ ذِهْنَ عَبِيدٍ فَكُرَةَ جهنميه يَسْتَطِيعُ مِنْ خِلَالِهَا إِرْجَاعُ زَوْجَتِهِ إِلَيْهُ , أَخْذُ عُبِيد كُلَّ يَوْمٍ يُجْلِسُ فِي الطَّرِيقُ المُؤَدِّيَ إِلَى الفَلْجِ وَيَنْتَظِرُ أَنَّ تَمْرَ زَوْجَتِهِ كَبَاقِي حَرِيمِ القَرْيَةِ بأَنْ تَسْتَقِيَ المَاءَ أَوْ تَغْسِلُ المَلَابِسَ , وَعِنْدَمَا لَمَحَهَا قَادِمَةً وَقْفٌ وَسَارَ بِالقُرْبِ مِنْهَا وَهُوَ يَهْمِسُ بِصَوْتٍ خَافِتٍ حَتَّى لَا تَسْمَعَهُ بَاقِي النِّسْوَةِ , أَنَا أُحِبُّكِ .. أَنَا أَسَفٌ يَا حَبِيبَتُي .. لَقَدْ اِشْتَقْتُ لَكَ .. البَيْتُ مِنْ دُونِكَ مَالَة مَعَنِّي , وَأَخْذٌ يَكِيلُ عَلَى مَسَامِعِهَا أَلْطَفُ العِبَارَاتِ وَأَجْمَلُهَا عَلَى مَا تَتَنَاسَبُ مَعَ ثَقَافَتِهِ فِي عَصْرِهِ , فَذَهَبَتْ سعده دُونَ أَنْ تُحَدِّثَهُ أَوْ تُرِدْ عَلَيْهِ بِكَلِمَةٍ لَكِنَّهَا أَرْسَلَتْ لَهُ اِبْتِسَامَةً جَمِيلَةٌ خَجَلِهِ فَأَيْقَنَ عُبِيد بِأَنْ الوَقْتُ قَدْ حَانَ لِطُرُقٍ بِأبَ عَمِّهِ مَرَّةً أُخْرَى لِإِرْجَاعِ زَوْجَتِهِ سعده إِلَيْهُ بَعْدَ زَعَلٍ دَامٍ فَتْرَةً طَوِيلَةً , وَهَكَذَا ذَهَبَ إِلَى بَيْتٍ عَمُّهُ وَفَتَحَ مَرَّةً أُخْرَى المَوْضُوعُ مَعَهُ عَلَى أَنَّ لَا تُعَوِّدْ زَوْجَتَهُ غَاضِبَةً مَنْه أَوِّ مُقَصِّرًا فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا , وَالشَّرْطُ الأُخُرُ بِأَنْ تَرْضَى هِيَ بِالعَوْدَةِ مَعَهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ , جَأت سعده والجحلة فَوْقَ رَأْسِهِا وَقَدْ مَلَأَتْهَا بِالمَاءِ وَعِنْدَمَا راها عُبِيد تَدَخَّلَ مِنْ صَبَاحِيَّةِ البَيْتِ لِلدَّاخِلِ جَرَى نَحْوُهَا وَأَخَذَ الجحلة مِنْ عَلَى رَأْسِهَا وَأَسْكَنَ المَقْبَضَ فِي أَحُدِ أَوَتَّدَتْ البَيْتَ بالدهريز , اِبْتَسَمَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَرَأىْ أَبِيهَا هَذِهِ الاِبْتِسَامَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَعِلْمٍ أَنَّ بِلَا شَكٍّ أَبَنْتُهُ سَوْفَ تَعُودُ لِزَوْجِهَا , تَقَدُّمٌ أَبِيهَا وَسَأَلْهَا أَمَامَهُ قَائِلًا .. هَذَا زَوَّجَكَ جَايْ يُرِدْكَ البَيْتُ مُعَزِّزَةٌ مُكَرَّمَةٌ .. موه قِلَّتُي ؟ , فَرَدْتُ بِصَوْتٍ خَجُولِ شَبَهٍ مَخْنُوقٍ وَقَالَتْ .. اِللِّي تِشُوفهُ بَاهٍ , هَكَذَا اِسْتَطَاعَ عَبِيدُ الثَّعْلَبِ المكار بِدَهَائِهِ أَنْ يُعِيدَ إِلَيْهُ زَوْجَتَهُ سعده إِلَى البَيْتِ.  

قِصَّةٍ بِقَلَمٍ / يعقوب بن راشد بن سالم السعدي