فكر شبابنا العماني

0
977

تعتبر معضلة الفكر من أهم الأزمات التي تعصف بالأمة وبمجتمعنا العماني وهي ما تتحكم في سلوكنا الإيجابي والسلبي على السواء، مما يحتم علينا اليوم دراسة فكر الناشئة والشباب ومحاولة فهم قضاياهم الخاصة والتي بكل تأكيد تختلف عن قضايانا عندما كنا في مثل أعمارهم.

 فالهدف هنا هو تجهيز الجيل القادم بكل ما يحتاج من المعرفة والمهارات والفكر اجمالا لجعله قادرا على تحمل المسؤولية وتكملة مشوار التنمية المستدامة في البلاد بكل فاعلية وكفاءة.

الغريب في الامر ان التاريخ يكاد يعيد نفسه في نظرة الأجيال لبعضها البعض ، فجيل آبائنا وأجدادنا لطالما تغنى بإيجابيات الحقبة الزمنية التي عاشها وكيف استطاعوا ان يعملوا بجد في ظل الظروف الصعبة آنذاك بالمقارنة مع ترف وتكاسل جيلنا الحالي. نرى ذلك يتكرر في جيلنا اليوم حيث يعمد الكثير منا الى عمل المقارنة نفسها بين تجربة الجيل الحالي وجيل الناشئة من الشباب والابناء بحيث يراهم الكثيرون غير مبالين وربما مشتتي التفكير والتركيز. بغض النظر عما يدور في خلجنا اليوم عن الجيل القادم، هناك حقيقة يجب علينا ان نعلمها وهي اننا حتما لا محالة سنعطيهم الراية عاجلا ام آجلا وعلينا ان نعمل على حل قضاياهم بدلا من الوقوف موقف المتذمر. هذه رسالة لكل مسؤول في البلاد ليعمل على تجهيز من هم أدنى منه اليوم فكرا وعلما ليستطيعوا ان يحلوا مكانه يوما ما وليتنحى كذلك من لا يرى في نفسه الكفاءة ويتيح الفرصة لمن هم أكفأ منه، «رحم الله امرؤ عرف قدره ووقف عنده».

فالجيل القادم هم مستقبل هذه البلاد شئنا ام ابينا ولذلك علينا ان نركز اهم استثماراتنا عليهم أولا وبعد ذلك على القطاعات الحيوية الأخرى.

فما أسهل ان يضيَع الأبناء التركة ان لم يحسن الآباء تربيتهم وتنشئتهم بالشكل الصحيح. عند التأمل في نتائج استبيان الشباب العربي لعام 2015 والتي تقوم بها شركة (ASDA’A Burson-Marsteller) سنويا لقياس النمط الفكري بين شباب العرب بشكل عام والخليجي بشكل خاص.

أجرت هذه الدراسة مقابلات مع آلاف من الشباب العربي من 16 دولة عربية من بينها دول الخليج الستة وكان التركيز في السلطنة على مسقط والباطنة لسؤالهم عن آمالهم وتطلعاتهم وقضاياهم الخاصة ، بينت هذه الدراسة قضايا مهمة لدى الشباب العربي بشكل عام والعماني بشكل خاص من أهمها تلك القضايا التي تتعلق بالسياسة والتي تأتي كانعكاس لما تمر به المنطقة حاليا، فمنها شعورهم المتذبذب تجاه الديمقراطية بعد توابع احداث الربيع العربي. ففي 2012 أغلبية الشباب العربي (72%) كان يؤمن بالديمقراطية كحق مجتمعي بالمقارنة مع (38%) فقط في 2015. من جانب آخر، يضل موضوع البحث عن عمل من أكثر ما يؤرق فئة الشباب اليوم الأمر الذي يحتم على الدول التركيز على خلق الوظائف في المستقبل القريب لما له من انعكاسات تنموية واقتصادية واجتماعية. كما يعتقد الكثيرين من الشباب اليوم بأن اللغة العربية بدأت تفقد قيمتها وان اللغة الإنجليزية أصبحت أهم للتطور المهني.

هناك ايضا نمط عام بين الشباب العربي وللعام الرابع على التوالي في مقارنة دولهم بإستمرار بدولة الامارات العربية المتحدة والتي يفضل اغلبهم العيش فيها أكثر من كبرى دول العالم كأمريكا وألمانيا وكندا. الأمر الذي يحتم علينا دراسة اسباب ذلك للاستفادة مما توفره لنا اليوم التجربة الاماراتية في هذا الجانب.

كما أشارت النسخ الماضية من الاستبيان الى نتائج مهمة أيضا منها الابتعاد التدريجي لجيل الشباب عن القيم التقليدية الى القيم الحديثة، فقد كانت نسبة هؤلاء في عام 2011 فقط 17% وأصبحت في عام 2014 40%.

كل هذه النتائج وأكثر مما يجعلنا اليوم امام مفترق طرق مهم في وضع استراتيجياتنا واولوياتنا القادمة والتي يجب ان تراعي صقل فكر الشباب وقدراتهم وضرورة تأهيلهم بالمهارات المطلوبة والكفاءات اللازمة بنفس القدر الذي نهتم به بالتخطيط لمشاريعنا الاقتصادية الحيوية. فمستوى التعليم وفجوة الكفاءة بين الجنسين بدأت تؤتي أكلها وبات الشباب العماني يطالب الحكومة اليوم بوظيفة جيدة ورواتب ملائمة ومسكن مناسب ويعتبر ذلك حقا من حقوقه، فماذا ان لم تستطع الحكومة توفير كل ذلك؟ كيف سيكون تفهم الجيل القادم للأوضاع وقدرتهم على الاعتماد على الذات للحصول على ما يريدون؟ مهم جدا ان نسعى دوما لـ “رصد” فكر الناشئة والشباب عن طريق تفعيل دور برامج البحث العلمي كبرنامج المرصد الاجتماعي التابع لمجلس البحث العلمي ومحاولة تعزيز ذلك بأدوات الوعي الجمعي. فالهدف الأهم هو الارتقاء بفكر الشباب والناشئة نحو الامتياز في الأداء بحيث نصنع منهم جيلا قادرا على إيجاد الفرص بدلا من انتظارها؟

د. حافظ بن إبراهيم الشحي قسم نظم المعلومات –

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة السلطان قابوس