عن الترحال في البلاد ..

0
2084

روى أحدهم والعهدة على من روى بأن أحد السياح دهس شاة أثناء صعوده لأحد الجبال فقتلها وواصل طريقه نحو الجبل وفي اليوم الثاني وعند عودته في الطريق نفسه ، في الموقع ذاته الذي دهس فيه الشاة توقفت السيارة فجأة عن الحركة ودون سابق إنذار وتوقف بعض المارة ليساعده على تحريك سيارته وباءت كل المحاولات بالفشل إلى أن جاء إليهم رجل من أهل المنطقة فقال لهم السيارة ليس بها عطل ويمكنها أن تتحرك فقط اسألوا صاحب السيارة ماذا فعل يوم أمس أثناء عبوره هذا المكان وذكر السائح على الفور بأنه دهس شاة وواصل طريقه

فقال لهم الرجل عليه أن يدفع ثمن الشاة أولا ثم ستعود الحياة إلى سيارته وبعدما دفع ما عليه دار محرك السيارة وذهب السائح إلى حال سبيله وهو لا يكاد يصدق ما حدث له .

ما يلفت النظر في ولاية نزوى بلد العلم و التاريخ والعز والمجد التليد أن أبناءها لا يأنفون من العمل بأي مهنة تضمن لهم العيش الكريم فهم يشتغلون في كافة المهن التقليدية كصناعة السيوف والخناجر وسائر المصوغات الفضية والذهبية والفخاريات وصناعة الحلوى وكذلك هم في مجال الأجهزة الألكترونية والبرمجيات بل واقتحموا مجال الملبوسات وتقليعاتها التي تواكب أحدث أنواع الموضة ووصلوا إلى إدارة المطاعم والعمل بمطابخها المعروفة بالأكلات السريعة وغيرها ورأيتهم يعملون في ورش السيارات ولاحظت ذلك أيضا في ولاية إزكي وقلما تجد هذا في كثير من الولايات .

في بركة الموز وقبل صعودي إلى الجبل الأخضر كنت استمع لأغنية حلوه عمان يا بلادي الغالية هي زاهية دوم في في كل عين مجد وحضارة و مبادئ وافية رايتها في الكون دايم عاليه قابوس ارسى لها ساس متين
انتهى هذا المقطع وأنا ألمح حصن الرديدة الذي مضى وقت طويل لم أقترب منه و لم ألمس فيه المياه النقية التي تجري بغزارة في فلج الخطمين الملاصق له
فركنت سيارتي أمام حصن الرديدة وبجوار مسجد اليعاربة وصعدت السلالم المؤدية إلى الفلج
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا من يوم الثلاثاء الموافق 2018/2/27م وفوق ساقية فلج الخطمين وقفت لأقرأ اللوحة المعلقة على مسجد اليعاربة والتي تشير إلى أن الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي هو من بناه عام 1649م ورمم في التسعينات من القرن الماضي وأستعيد مشهد شق فلج الخطمين عبر مسافات طويلة بين تلك الجبال بسواعد أصحاب هذه البلاد ذات التضاريس الشاقة بما وهبهم الله من علم في كيفية تسيير هذه المياه وجذبها من بين تلك الصخور القاسية الصلبة بهندسة متقنة وبإبداع متفرد ،وبما يمتلكون من إرادة في تحدي المستحيل التي عرف بها أهل عمان عبر التاريخ…..

وبينما أنا تائه في صحراء التأمل إذا بصوت رجل يتكلم بلغة إنجليزية بلكنة تشير إلى البلد الآسيوي التي قدِمَ المتحدث منها وهو يرطن بها أمام جمهرة من السياح الأجانب وهم ينصتون له بكل تركيز لحرصهم على معرفة تاريخ وحضارة البلاد.… يحدثهم هذا الذي جاء من بعيد، وليس له صلة بالمكان، والتاريخ عن فلج الخطمين وعن حصن الرديدة ويحدثهم عن مسجد اليعاربة….
فهل يمكن أن أسقط على هذا المشهد الغرائبي بعض من شعر المتبني الذي قاله في شعب بوان وهي أرض غريبة وليست هي بأرض عربية ( و لكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان
ملاعب جنة لوسار فيها سليمان لسار بترجمان……)

كلما مررت بإزكي زرت حارات النزار واليمن وعين سعنه والرحى والقريتين وزكيت وأثناء تجوالي بتلك الأماكن استذكر قول الشاعر و القاضي سالم بن محمد الدرمكي الذي ولد في إزكي عام 1745م وتوفي في سداب عام 1809م
(مابين بابَي عينِ سَعنة و اليَمن سوقٌ تباع به القلوب بلا ثمن)
ويعتبر هذا البيت الرائع مطلعا لقصيدة هي أروع ما قيل في المديح آنذاك والتي انشدها في الإمام حمد ابن الإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي والتي من أبياتها (حمد الذي حمدت جميع خلاله فحلت به للخلق أخلاق الزمن
ذو منزل من زاره سلاه عن ذكر المعهد والحنين إلى الوطن) .

عند مروري بإمطي
أتذكر ما كتبه الباحث والمؤرخ اللبناني د كمال صليبي الذي توفاه الله عام 2011م عن عمر يناهز 82 عاما وهو باحث متخصص في الجغرافيا الدينية ،وكما علمت بأنه ربما لم يزر هذه البلاد
أورد د كمال صليبي في كتابه خفايا التوراة – نبي من عمان -عن أسماء لمناطق من هذه البلاد أثناء تتبعه لرحلة النبي يونس ( يونان ) من وجهة نظره الشخصية فذكر أن النبي يونس خرج مغاضبا لقومه من قرية تسمى إمطي لذلك سمي بيونس بن متى يعني يونس من أو إبن إمطي وفق تغيرات نطق بعض الحروف عبر المراحل الزمنية  ليمر بمسميات لمناطق عمانية عديدة ثم يستكمل رحلته في وادي سال برأس الحد في جنوب الشرقية لتنتهي في خور جراما الكائن في ولاية صور ومسمى جراما يطلقه أهل صور وكثير من مناطق عمان على الحوت!!! فهل ألتقم الحوت النبي يونس في خور جراما بصور ؟!!… وصورالعمانية هي التي ذكرها المؤرخ اليوناني هيرودوت المعروف بأبي التاريخ (أشهر مؤرخ في التاريخ القديم)

بأنها أقدم من صور اللبنانية حيث أشار إلى أن الفينيقين من سكان مدينة صور اللبنانية قالوا له بأن أجدادهم قدموا من صور التي تقع على الساحل الشرقي من أرض عمان وقاموا ببناء مدينة ساحلية على غرارها في لبنان لتذكرهم بموطنهم الأصلي السابق.

بقلم / محمد بن علي الوهيبي