الرونق العذب شذرات من اللؤلؤ الرطب ١١

0
1215

بقلم / ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

نعود إليكم مجددًا مع ما بدأناه من شذرات لنكمل الحوار الشيق والسرد الجميل بصحبة شيخنا سعيد بن حمد الحارثي رحمه الله وطيب ثراه وهو يستأنف الحديث قائلًا :-
وذكرني بقصة التدخين السابقة :-
ما حُكي عن الشيخ حمد بن عبيد السليمي أنه كان مسافرًا إلى الحج في الباخرة فالتقى فيها بعالمٍ باكستاني له لحية بيضاء لا يفتأ من قراءة القرآن يحفظه عن ظهر قلب، ويذاكر الشيخ حمد في المسائل الفقهية، وكان مع هذه الصفات الحميدة ، لا يفتأ أيضًا من شرب الدخان ، فتضايق الشيخ حمد منه ، وأراد أن ينصحه لكن بطريقةٍ لا تؤثر عليه ، وكان في كل صباح يأتي إلى مجلس الشيخ ، فذات يوم أحضر بخورًا ومصحفًا فلما جلس عنده الشيخ الباكستاني أخذ المجمر في يده والمصحف وقال للباكستاني : أعطني من هذا السجريت فقال : ماذا تصنع به أنت لا تدخن قال: أريد أن أبخر هذا المصحف تكريمًا له فاستغرب الرجل ، وقال لا تفعل إنما هو إهانة وليس بتكريم

قال : كيف والشيخ في كل حين يكرمه في صدره بأن يجمع بينهما ، فنحن نقتدي بما يفعل فاعتبر، واتعظ، وبكى وقال : عليّ لك أن لا أعود إلى الدخان مرة أخرى والموعظة إن خرجت من القلب صادفت القلب .
نرجع إلى أخبار ذي الرئاستين الشيخ صالح بن علي الحارثي كان رحمه الله لا يكل ولا يمل ولا يعرف للخمول موضعًا، خصوصًا بعد ما مات زملاؤه ومع ذلك كله فالشيخ نور الدين لا يسكت عنه ولم يزل يخاطبه كالمعاتب له على عدم القيام فمن جملة عتابه له قوله من قصيدة طويلة يقول فيها :-

مقام في القصور على قصور
مقام مثل ربات الخدور
فنصبح مثلها ونروح أيضًا
على فرح بأنواع السرور
أصالح لو تسترنا بعذر
فعند الله تكشيف الستور
ومضى يقول فيها أصالح أصالح وهو كالسيل يلقى انحدارًا.


وقبل أن يُقتل بأيام رأى في نومه رفيقيه الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي والإمام عزان بن قيس البوسعيدي في مكان مرتفع ، ورأى كأن بينه وبينهما خليجًا ، وهو يناديهما من أين ألحق بكما ، فقالا له: من طريق اللجيلة وانتبه ، فبقي يفكر في هذا الجواب ، مع أنه متيقن باللحوق بهما، وبعد مدة غير طويلة ، صار قيامه على بني جابر في اللجيلة كما حكى القصة شيخنا نور الدين في تحفة الأعيان فقتل الشيخ فيها ولحق بصاحبيه ، وكان عند عزمه على السفر أحس أنه لا يرجع ، فقام يوصي وكيله في القابل وصايا تخص حوائجه المالية يوصيه لمدة طويلة ، فقال الوكيل سبحان الله أنت لا تمكث هذه المدة كلها قال : لن تراني بعد اليوم .
أخبرني أبي قال : لما أصيب دعا بابنه الشيخ عيسى وقال له لا تخبروا عن مقتلي أحدًا خوف أن يقع القتل في الجيش وأوصيك أن لا تقبل أن تكون شيخًا على الحرث فإني ذقتُ منهم الأمرين ، ولكن الشيخ نور الدين لم يثبت هذه الوصية فحكم على الشيخ عيسى بقبول المشيخة على الحرث فلم يجد بدًا منها، ولكن الأيام سالمته ولم تخاصمه كما خاصمت أباه ، وإن قلنا أنه مهدها له، فذلك غير بعيد وسيأتي الخبر عن الشيخ عيسى وسيرته الغراء.
يتبع ،،،،،،