عِيْد وَعَبِيدُ -الجزء الثاني

0
1314

الحلقة الجزء الثاني

عِيدٌ أُصِيبَ بِنَكْسِهِ صَحِّيهُ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهَا المُسْتَشْفَى الحُكُومِيَّ القُطْرِيَّ وَأَصْبَحَ وَجْهَهُ مُتَوَرِّمًا , فَكَانَ إِذَا بَالٌ أَخْرَجَ دَمًا قاني اللَّوْنُ , وَهَذَا المَشْهَدُ أَثَّرَ فِيهُ كَثِيرًا وسأت حَالَتُهُ عَنَّمَا رَأْىٌ أَنَّهُ يَتَبَوَّلُ دَمًا , فِصد نفسه عن الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَأُصِيبُ بِكَآبَةٍ حَادَّةً أَوْصَلْتُهُ إِلَى وِسْوَاسٍ قَهْرِيٌّ مِنْ شِدَّةِ المَرَضِ وَمَا يَرَاهُ يَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ .

وَبَعْدَ مُدَّةٍ أَوْضَحُ لَهُ الطَّبِيبُ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي تتبوله هُوَ المَرَضُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْكَ نَتِيجَةَ الحَقْنِ وَقِنِّينَاتِ الأَدْوِيَةِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لَكَ يُبَشِّرُ بِالشِّفَاءِ وَالتَّعَافِي , وَبَعْدَ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ خَرَجَ عِيْد مِنْ المُسْتَشْفَى الحُكُومِيُّ القُطْرِيُّ وَهُوَ بِصِحَّةٍ جَيِّدَةٍ , لَكِنَّهُ كَانَ يَشْتَاقُ إِلَى زَوْجَتِهِ كَثِيرًا وَكَانَ يَضِنُّ بِأَنَّ اللهُ قَدْ رزقة بِاِبْنِ , فَزَادَ تَلَهُّفَهُ لِلعَوْدَةِ إِلَى عُمَانَ , زَوَّجْتُهُ لَمْ تَكُنْ تَكْتُبُ لَهُ وَلَمْ تَطْلُبْ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَكْتُبَ لَهَا وَيَبْعثُ إِلَيْهُ المَكَاتِيبَ , فَلَمْ تَشَاءُ أَنْ تُكَسِّرَ خَاطِرَةً وَهُوَ فِي الغُرْبَةِ .

أَثْنَاءَ عَوْدَةِ عِيدٍ فِي اللنج صَادِفُوا عَاصِفَةً قَوِيَّةً دَخْلٍ عَلَى أَثَرِ مَوْجِ البَحْرِ إِلَى اللنج مِمَّا سَبَّبَ بَعْضُ الاِضْطِرَابِ لِلرُّكَّابِ , كَمَا أَفْقَدَهُمْ الكَثِيرُ مِنْ مَخْزُونِ الطَّعَامِ وَالشُّرْبِ , فَقَدْ كَانَ اللنج يشارف على الغْرَقَ بَعْدَ أَنْ اِمْتِلَاءَ بِالمَاءِ مِنْ الدَاخِلِ وَأَخَذَ البَحَّارَةُ وَالمُسَافِرِينَ يَمْلَؤُونَ أَوْعِيَتَهُمْ بِالمَاءِ وَيَرْمُونَهُ فِي البَحْرِ وَهَكَذَا اِسْتَمَرَّ العِرَاكُ بَيْنَ المَوْتِ وَالحَيَاةِ لِمُدَّةِ يَوْمٍ كَامِلٍ دُونَ رَاحَةٍ حَتَّى أَنْهِكَ التَّعَبُ كُلٌّ مِنْ باللنج, أَحُدِىَ رِجَالَ البَحَّارَةِ كَانَ يَدَّعِي سُوَيْد , وَعِنْدَمَا نَفَذَ مَاءِ الشُّرْبِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامٍ عَدِيدَةٍ مِنْ العَاصِفَةِ نَوَّهَ النوخذة عَلَى الصَّبْرِ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى أَقْرَبِ مَكَانٍ وَيَتَزَوَّدُونَ بِالمَاءِ , كَمَا أَكَّدَ عَلَى عَدَمِ شُرْبِ مَاءِ البَحْرِ لَمَّا لَهُ مِنْ مَرْدُودٍ سَلْبِيٌّ عَلَى الصِّحَّةِ , لَكِنَّ سُوَيْد لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّبْرَ ومجارات مِنْ باللنج مِنْ الرُّكَّابِ المُسَافِرِينَ وَالعَائِدِينَ إِلَى الوَطَنِ من َالبَحَّارَةِ , فَعُمَدٍ عَلَى شُرْبِ مَاءِ البَحْرِ خُلْسةً دُونَ عَلَمِ أَحَدٍ , لَكِنَّ عِيدٌ كَانَ يُرَاقِبُ سُوَيْد عَنْ بُعْدٍ وَيَعْلَمُ بِمَا يَتَجَاوَزُهُ مِنْ أَمْرِ النوخذة .

اِقْتَرَبَ عَيَّدَ مِنْ سُوَيْد وَجَلَسَ بِالقُرْبِ مِنْهُ وَقَالَ لَهُ .. يَا سُوَيْد يَا أَخُوي إِذَا فِيكَ جُرْحٌ يَسْتَوِي تَزَيُّدُهِ وَسَمٌ?! .. فَرْدٌ عَلَيْهِ سُوَيْد وَقَالَ .. لَا مَا يَسْتَوِي بِيَزِيدَ عَلِيْ العوق وَالسَّهَرُ , قَالَ عِيدٌ لَ سُوَيْد .. كَذَاكَ نُوَبُهُ مَاي المَالِحُ .. كُلٌّ مَا شَرِبْتُ مِنْهُ زَادَكَ عَطَشَ وَسَفِّهَانِّ .. أَنْصَحُكِ يَا أَخُوي يَا سُوَيْد وَدُرَّ عَنْكَ شُرْبُ مَاي البَحْرِ وَلَا تَرَاكَ تَمُوتُ , هَزَّ سُوَيْد رَأْسَهُ لَ عَبِيدٌ وَعَلَّتْ وَجْهَهُ اِبْتِسَامَةٍ بَاهِتَةٌ وَكَأَنَّهُ يُعَانِي العَطَشَ بِشِدَّةٍ وَلَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى عَدَمِ شُرْبِ المَاءِ , فَأَصْبَحَ كَالمُدْمِنِ يَذْهَبُ خَلَّصَهُ وَيَشْرَبُ مَاءَ البَحْرِ فِي غِيَابِ الرَّقِيبِ إِلَّا عِيدٍ كَانَ يُعْلَمُ بِمَا سَوْفَ تأول إِلَيْهُ حَالَةُ سُوَيْد الصِّحِّيَّةُ .

بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَخَذْتُ تَنْتَابُ سُوَيْد تَصَرُّفَاتٌ هَوْجَاءَ وَيُرِيدُ أَنْ يَرْمِيَ بِنَفْسِهُ إِلَى البَحْرِ , أَمْرُ النوخذة بِرَبْطِ سُوَيْد عَلَى السَّارِيِ حَتَّى يَجْعَلَ اللهَ لِهُمْ فَرَجًا , بِنَفْسِ اللَّيْلَةَ غَيْمَتُ السَّمَاءُ وَأَرْعَدَتْ , فَقَالَ النوخذة مُنَادِيًا عَلَى الجَمِيعِ مَنْ باللنج .. جَهَّزُوا صَفَارَيْكُمْ وَمَلالَكُمْ وَزَيَّلَكُمْ .. عَسَى اللهَ يُنْعِمُ عَلَيْنَا بِقَطْرَةِ مَاي تَرَوِّي عَطَشِنَا , فِعْلًا أَمْطَرَتْ لَيْلَتُهَا السَّمَاءَ وَقَدَّمَ الجَمِيعُ أَوْعِيَتَهُمْ وَكَأَنَّهَا قُرَبًا لِلمَطَرِ وَفَتْحْ الكُلُّ فَآهَةٌ نَحْوَ السَّمَاءِ وَشُرْبٍ مَن شَرّبٍ حَتَّى اِرْتَوَى الجَمِيعُ وَمِنْ بَيْنَهِمْ سُوَيْد , لَكِنَّ لِلأَسَفِ الشَّدِيدِ لَمْ تَسْتَقِرَّ حَالَةُ سُوَيْد وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَى سَابَقَ عَهْدَهَا , فَمَا زَالَ يَعْانِي نَوْبَاتِ البَحْرِ .
وَصَلَ عِيْد إِلَى مِينَاءِ صُوَرٍ بِمُحَافَظَةِ المِنْطَقَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَرَكْبٍ أَحُدِىَ السَّيَّارَاتِ الَّتِي مُتَّجِهَةً إِلَى مَسْقَط وَكَانَ الطَّرِيقُ فِي تِلْكَ السِّنِينَ تُرَابِيٌّ لَمْ يُرَصِّفْ بَعْدُ , وَأَخَذَتْ سَيَّارَةً لندروفر بوفتيله تَجُوبُ تِلْكَ التِّلَالَ وَالصَّحَارِيَ , وَعِيدٌ بِدَاخِلِهَا مَعَ الرُّكَّابِ يَرْتَفِعُ حَيِّنَا وَيَنْزِلُ حِينًا أَخَّرَ وفتذكر ميضان أُمَّهُ عِنْدَمَا كَانَتْ تَحَمَّلَهُ مَعَهَا عَلَى ظَهْرِهَا وَهِيَ تَرْعَى الغَنَمَ بِالجِبَالِ , مَقَرٌّ رَاسٍ عِيدٍ فِي أَحُدِىَ وِلَايَاتٌ الشَّرْقِيَّةُ الَّتِي لَمْ تَصِلْهَا بَعْدَ أَيِّ خِدْمَاتٍ مِنْ الحُكُومَةِ , فَلَا يُوجَدُ بِهَا شَارِعٍ وَلَا مُسْتَشْفًى وَلَا عِيَادَةً وَلَا دكَانَ أَوْ حَتَّى بَقَّالَةٌ , نَزَلَ عِيْد مِنْ الندروفر بوفتيله عَلَى المَدْخَلِ المُؤَدِّي إِلَى وِلَايَتِهِ وَأَنْزَلَ مَعَهُ بَعْضُ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ هَدَايَا وَكَمَالِيَّاتِ مَنْزِلٍ , جَلَسَ تَحْتَ شَجَرَةِ سَمَرَ فِي اِنْتِظَارِ قَافِلَةِ الحَمِيرِ الَّتِي رُبَّمَا تَمْرٌ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةٌ أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ , قَالَ عَيَّدَ مُحَدِّثَا نَفْسِهُ وَهُوَ يَفْتَرِشُ الرِّمَالَ أَسْفَلَ شَجَرَةٍ السُّمْرُ , وَهَلْ سَوْفَ أَظَلُّ أَنْتَظِرُ قَافِلَةَ الحَمِيرِ وَرُبَّمَا لَا تَأْتِيَ أَبَدًا خِلَالَ هَذَا الشَّهْرَ , وَكَيْفَ أَسْتَطِيعُ إِذَا مَا قَرَّرْتَ المُسَيِّرَ أَنْ أَحْمِلَ عَلَى كَاهِلَيْ كُلِّ هَذِهِ الأَمْتِعَةِ , حِوَارٌ وَحِوَارٌ يَدُورُ فِي ذِهْنِ عِيْد وَبَيْنَ كُلِّ نِهَايَةِ جُمْلَةٍ كَانَ عِيدٌ يُطْلِقُ تَنَهُّدَاتٍ المُشْتَاقُ إِلَى أَهَّلَهُ وَزَوَّجَتْهُ وَاِشْتِيَاقُهِ الشَّدِيدُ المتلهف لِلطِّفْلِ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ زَوْجَتُهُ هَلْ هُوَ بِنْتٌ أَمْ وَلَدٌ , هَبَّتْ رِيَاحٌ بَارِدَةٌ أَخْمَدْتُ لَهِيبَ نَارِ الاِشْتِيَاقِ دَاخِلَ عِيدٍ وَأَسْتَسْلِمُ أَثْنَاءَهَا لِنَوْمٍ عَمِيقٍ أَثْقَلَ رَأَّسَهُ المُشَوَّشُ بِالأَفْكَارِ وَالتَّسَاؤُلَاتِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ تَتَوَقَّفُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ سُلْطَانُ السَّلَامِ الجَسَدِيِّ , أَقْبَلَتْ رَاحِلَةٌ عَلَى مَتْنِهَا مَجْمُوعَةٍ مِنْ البَدْوِ وَشَاهَدُوا عِيدَ مَلِّقِي تَحْتَ شَجَرَةٍ السُّمْرَ وَكَأَنَّهُ جَسَّدَ خُوَارٌ لَا حَرَّاكَ فِيهُ , لَا يُلَامُ عِيدٌ أَبَدًا عَلَى حَالَةٍ فَمَا مَرَّ فِيهُ مِنْ مَرَضٍ بِالغُرْبَةِ وَمَا أَصُبُّهُ فِي اللنج مِنْ أَهْوَالٍ وَكَثْرَةٍ اِشْتِيَاقُهِ لِزَوْجَتِهِ وَمَوْلُودَةٌ لَمْ يَكُنْ بِالأَمْرِ الهَيِّنِ , وَنَوْمُهُ هَذَا كَجُثَّةٍ هَامِدَةٌ لَا يَعِي مَا يَدُورُ حولة لَا يَحْسُدُ عَلَيْهِ أَبَدًا , تَرَجَّلَ أَحُدِىَ الرِّجَالَ مِنْ البَدْوِ وَأَخَذَ يوقض عَيَّدَ مِنْ نومة حَتَّى فَاقَ وَهُوَ شَبِهَ مِغمض العَيْنَيْنِ لَا يَقْوَى عَلَى فَتْحَهِمَا جَيِّدًا .

وَمَا إِنْ أَدْرَكَ أَنَّ الرِّجَالَ تُحِيطُ بِهِ بِرُحَّالِهَا وَتَرْحَالِهَا قَفْزٍ بِقُوَّةٍ إِلَى أَعْلَى فَغَارَ رَأْسُهُ فِي شَجَرَةٍ السُّمْرُ وَكَانَتْ أَنْ تُؤَدِّيَ بِحَيَاتِهِ إِلَى حَتْفِهَا , لَكِنْ بِمُسَاعِدِهِ البَدْوِ اِسْتَطَاعُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ مَعَ إِصَابَاتٍ طَفِيفَةً فِي رَأْسِهِ وَوَجْهٍ مِنْ شَوْكٍ السُّمْرُ , دَارُ حِوَارٍ طَوِيلٌ بَيْنَ عِيْد وَالبَدْوُ شَرَحَ لِهُمْ عِيدَ وِجْهَتِهِ فَقَرَّرُوا أَنْ يُعِينُوهُ عَلَى مَسَافَةِ السَّفَرِ وَيُقَرِّبُوهُ إِلَى أَوَّلِ جَبَلٍ يَرْبُطُ بَيْنَ بِلَادُهُمْ وَبِلَادُهُ وَكَل ما عَلَيْهِ أَنْ يَجِدَ مُخْرِجًا لِنَفْسِهُ حَتَّى يَسْتَطِيعَ تُكْمِلُهُ مَسِيرَةٌ نَحْوَ بَلَدِهِ فَهِيَ مَا تَبْقَى لَهُ فَقَطْ مَسَافَةُ جَبَلٍ وَيَكُونُ فِي وِلَايَتِهِ الأُمِّ , لَكِنَّ بِلَا شَكٍّ بَيْتُهُ يَقَعُ فِي القَرْيَةِ الأَخِيرَةُ مِنْ الوِلَايَةِ وَالَّتِي تُبْعِدُ مَسَافَةُ خَمْسِ قُرًى , وَافَقَ عِيْد عَلَى البَادِرَةِ الَّتِي اِقْتَرَحَهَا البَدْوُ عَلَيْهِ وَاِرْتَحَلَ مَعَهُمْ قَاطَعَا الصَّحَارِيَ وَالوِدْيَانَ والشراج , قُرْبَ المَغْرِبَ بِقَلِيلِ وَصْلَتِ قَافِلَةٌ الجَمَالَ أَسْفَلَ الجَبَلِ وَتَرَجَّلَ عِيدٌ وَأَنْزَلَ أَمْتِعَتَهُ وَشَكَرَ البَدْوُ عَلَى مَوْقِفِهِمْ النَّبِيلُ مَعَهُ , ذَهَبَ البَدْوُ وَوَقَفَ عِيدٌ يَتَأَمَّلُهُمْ وَالاِبْتِسَامَةَ تَعْلُوَا وَجِهَةٌ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَنَّ الحَيَاةَ مَا تَزَالُ تَنْبِضُ بِالخَيْرِ مَا دَامَ هُنَاكَ رُجَّالٌ بِهَذَا الكَرَمِ وَالعَطَاءِ , تَلْفَتُ حَوْلَهُ وَكَأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ مَعَين يُعِينُهُ عَلَى الرِّحْلَةِ المُتَبَقِّيَةُ أَوْ عَنْ قَافِلَةِ حَمِيرٍ أَوْ أَحَدٌ رِجَالُ الجَبَلِ قَادِمَ مِنْ مَكَانٍ مَا يَتَّجِهُ إِلَى البَلَدِ بِحِمَارَةٍ المرفع بِالأَمْتِعَةِ المَعْهُودَةِ الَّتِي تُعِينُ أَهَّلَ البَلَدُ عَلَى إِسْتِمْرَارِيَّةِ حَيَاتِهِمْ المَعِيشِيَّةِ اليَوْمِيَّةِ , لَكِنَّهُ لَمْ يَرَى سِوَى حِمَارِ بَرْيٍ يُطْلِقُ عَلَيْهِ أَهْلُ البِلَادِ (صَعْبٌ) أَيَّ الحِمَارِ الغُيُرُ مُؤَدِّب أَوْ مُرَوِّضٌ , التَّفْكِيرُ بِالاِقْتِرَابِ مِنْهُ يَعِدُ خطيئة قَدْ تُكَلِّفُ الإِنْسَانَ الغُيُرَ مُدْرَكٌ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الحَمِيرِ حَيَاتُهُ فِي لَحْظَةٍ , فَإِذَا رَفَسَكَ الحِمَارُ مِنْ المُمْكِنِ أَنْ يَتْرُكَ فِيكَ عَاهَةٍ أَوْ إِعَاقَةٌ أَوْ قَدْ يمُوتُ حِينُهَا , لَكِنَّ عِيدُ فِكْرٍ وَفِكْرٌ وَفِكَرٌ وَلَمْ يَجِدْ مَخْرَجٌ مِنْ القَبْضِ عَلَى الحِمَارِ وَمَا يَكُونُ يَكُونُ , فَكُّ عِيْد حَبْلٌ أَحَدُ الأَمْتِعَةِ وَرَبْطَةٍ بِشَكْلٍ دَائِرِيٍّ يَسْمَحُ بِدُخُولِ رَأْسِ الحِمَارِ فِيهُ وَلَّفَ أَخَّرَ الحَبْلُ عَلَى يَدِهِ بِقُوَّةٍ , كَمَا قَبَّضَ بِعَصَاهِ فِي يَدِهِ الأُخْرَى , اِقْتَرَبَ بِبُطْءٍ شَدِيدٍ وَحَذِرٍ مِنْ خَلْفِ الحِمَارِ حَتَّى لَا يُجَفِّلَهُ وَمَا إِنَّ دُنِيَ مِنْهُ حَتَّى رَمْيٍ بِالحَبْلِ عَلَى رَقَبَةٍ فَثَأَرَ الحِمَارُ وَبَدَأَ بِالقَفْزِ فَلَاقَاهُ عِيدَ بِالضَّرْبِ عَلَى رَقَبَتِهِ يَمِينٌ وَيَسَارٌ وَالحِمَارُ يُحَاوِلُ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْ عيد لِيَعِضَّهُ وَيَرْفِسُهُ لَكِنْ عِيدٌ كَانَ حَذِرًا وَقَوِيًّا بِمَا فِيهِ الكِفَايَةُ لِيُجَارِيَ الحِمَارُ فِي مَعْرَكَتِهِ الشَّرِسَةُ , اِسْتَمَرَّ عِيدٌ يُجَلِّدُ الحِمَارَ بَيْنَمَا اِسْتَمَرَّ الحِمَارُ فِي النَّهِيقِ والرفس وَالقَفْزَ دُونَ جَدْوَى فَعِيْد لَا يُفلت الحَبْلُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَنْ ضَرْبِ الحِمَارِ , حَتَّى أَصَابَ الإِرْهَاقَ الحِمَارُ وَبَدَأَ عَلَيْهِ التَّعَبُ وَأَخْذٌ يَتَوَقَّفُ شَيْئًا فَشَيْءٌ وَتَقُلْ حِدَتَهُ وَشَدَّتْهُ حَتَّى سَكَنٍ فِي النِّهَايَةِ يَنْظُرُ إِلَى عِيْد وَكَأَنَّهُ يَتَوَعَّدُهُ بَرَّدَ العِقَابُ.

اِقْتَرَبَ عِيْد مِنْ الحِمَارِ وَمَسْحٍ عَلَى رَقَبَتِهِ لِفَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ ثُمَّ طَوَى نِهَايَةَ الحَبْلِ وَأُخَلِّهُ فِي رَأَّسَهُ وَقَفَلَ عَلَى فَمِهِ ثُمَّ طَوَاهُ عَلَى رَقَبَتِهِ وَفَكِّ بِدَايَةِ الحَبْلِ الَّذِي رَبَطَهُ سَابِقًا فِي رَقَبَتِهُ ثُمَّ اِعْتَلَى فَجْأَةً ظَهْرُ الحِمَارِ دُونَ أَنْ يَتَحَرَّكَ الحِمَارُ مِنْ مَكَانِهِ , ضَرَبَ عِيْد بِرَجُلَيْهِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ بَطَّنَ الحِمَارُ وَبَعْدَ مُدَّةٍ فَهَمِّ الحِمَارِ أَنَّ عِيدٌ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ , مَشَى الحِمَارُ فِي هُدُوءٍ وَهُوَ مطأطئ رَأْسُهُ نَحْوَ الأَرْضِ , مَشَى عَيَّدَ بِالحِمَارِ مَسَافَةً لَا بَأْسَ بِهَا ثُمَّ أَرْجِعُهُ إِلَى أَمْتِعَتِهِ وَهُنَا حَلَّ الظَّلَامُ عَلَى المَكَانِ إِلَّا مِنْ بَصِيصِ نُورِ القَمَرِ الَّذِي اِفْتَرَشَتْ الأَرْضُ بَعْضَ ضَوْئِهِ , رَبَطَ الحِمَارُ عَلَى أَحَدٍ السُّمْرَ قُرْبَ أَمْتَعَتْهُ وَتِيَمِّمُ وَصِّلِي المَغْرِبَ وَالعَشَاءُ سَفَّرَ ثُمَّ فَتلَّ أَحَدِ الحِبَالُ الأُخْرَى مِنْ الأَمْتِعَةِ وَلَّفَ بِهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ الحِمَارَ وَبَدَأَ فِي تَرْتِيبٍ أَمْتَعْتُهُ وَرَبَطَهَا ثُمَّ عِنْدَمَا اِنْتَهَى مِنْ ذَلِكَ فَكَّ الحَبْلُ مِنْ السَّمْرَة وَقَفْزٌ عَلَى ظَهْرٍ الحِمَارَ وَسَارَ فِي طَرِيقِ الحَمِيرِ الَّذِي رَسَمَتْ الأَرْجُلُ مسارة المُتَعَرِّجُ عَلَى طُولٍ الجَبَلُ , مَضَى عِيدٌ وَالحِمَارُ يُسَامِرُونَ بَعْضَهُمْ البَعْضُ وَهُمْ يَقُصُّونَ الطَّرِيقُ صُعُودًا إِلَى قِمَّةِ الجَبَلِ .

قصة بقلم /يعقوب بن راشد بن سالم السعدي