وحدك من يقرر سعادة أم تعاسة

0
2868

خلال سنوات الدراسة الجامعية؛ كان يقول لي أحد الأصدقاء هل حسدت فلان بسبب حصوله على درجات الإمتياز في معظم الموادالدراسية..؟ وحقيقة لم أعرف كيف أرد عليه..!

وبعد عدة سنوات سألني صديق آخر هل رأيت سيارة فلان الجديدة الثمينة وكذلك لم أستوعب مغزى السؤال جيدا، يمكن لأنني نشأت في عائلة لا تفكر بحسد أحد على ما آتاهم الله من فضله، و راضيةبما قسمه الله لها من خير، ولذلك لا يتردد كثيرا على مسامعي لفظ فلان أو فلانة

( محسود/ة)..!

موضوع الحسد والمشاعر السلبية يشغل حيز كبير من النقاشات اليومية سواءا في اللقاءات والمناقشات المباشرة أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي والتي حولت مشكلة الحسد إلى ظاهرة ومسلسل رعب يتابعها المتوجس خيفة بشكل يومي، والغريب في هذا الأمر كيف يمكن لشخص طبيعي يتملكه شعور بالحسد من خلال معرفات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي..!

ومن الطبيعي أن يسعى الإنسان للنجاح والتفوق وكذلك الإخفاق في أمر ما لا يعتبر نهاية المطاف ولكن المقارنات الغير منطقية هي التي تؤجج المشاعر؛ لماذا فلان يملك..؟! ولماذا فلانة ناجحة..؟! هذه التساؤلات سوف تحول المشاعر إلى سخط وعدم رضا عن الذات وعن المجتمع ككل، وبدل أن ينمي الشخص طموحه ويركز على تطوير مهاراته سوف يشغل نفسه بالمقارنات ومراقبة نجاح وإنجازات غيره وبالتالي يصاب بخيبة الأمل ويتولد في قلبه الحسد والغيرة..!  

ويتحول الطموح والمنافسة إلى صورة قاتمة يرمي من خلالها (الخائب) فشله وخيبته على أشخاص أو مؤسسات أو حتى دول وتتنامى في خياله عقدة المؤامرة ويختلق قصص وحكايات حتى يحصد بعض التعاطف ويتوهم أن الناس تصدقه، وربما يحظىببعض التعاطف من الأصدقاء والمقربين إشفاقا عليه حتى لاتسيطر عليه المشاعر السلبية.
وينسى البعض بأن استمرار خداع كل الناس أمر مستحيل، ولكن ( الخائب) يستمرئ الضحك على نفسه وحينما يكشفه الناس سوف يتحول إلى شخص حاقد وناقم على المجتمع.

ومن الطبيعي أن تتجنب الناس هذه النوعية من الأشخاص وينفرون منها، فهناك من يأخذ بيد الفاشل ويضعه على أول سلم للنجاح وهناك من أصحاب الخير يمدون أيديهم لمساعدة الفقير، ولكن استمرارية السلوك السلبي والمشاعر السوداوية تنفر الناس لأنه ببساطة لايمكن لأي إنسان بأن يقضي جل وقته وجهده ليستمع لشخص متذمر وناقم..!  
فكل إنسان طموح له حياته الخاصة وأهدافه التي يسعى لتحقيقها، فالجميع يعيش على هذا الكوكب ويمرون بذات الظروف والضغوطات والتحديات ولكن الشخص ( الخائب/ المستسلم) يختلق القصص ويجيد تأليف المسلسلات الدرامية ويرى في كل نجاح يحققه الأشخاص مؤامرة ضده ويشغل نفسه والمقربين منه بالمقارنة والتقليل من شأن ونجاح الأخرين.
و يفترض على الإنسان السوي بأن يفرح للنجاح الذي يحققه الأخرين أو على أقل تقدير لا يكترث إذا كان الناجح بعيد عن بيئته.

ويعتبر الإخفاق في أمر ما طبيعي و (جسرعبور) للناجح فلا يمكث طويلا في الحزن ولا يمتهن التشكي ويواصل طريقه راضيا مبتسما ولا يرمي أخفاقه على الأخرين؛ لذلك لا تستغرب إذا رأيت بعض الأشخاص يضحكون من أعماقهم عقب كل أخفاق لدرجة تجعلك تشك بأنه هو ذات الشخص الذي كان حزين وزعلان نتيجة اخفاقهفي أمر ما، ولكن لا تتعجب كثيرا لأن هؤلاء استوعبوا جيدا أهم مفاتيح تحقيق النجاح وهو عدم المبالغة في السلبية والتذمر ولوم الأخرين بعد كل اخفاق.

و لكي تتخلص من المشاعر السلبية وعقدة المؤامرة المزعومة أو حكاية إنك محسود، فالموضوع ليس بتلك الصعوبة التي تظن و لايحتاج الأمر إلى جلسات مع متخصصين..!

المطلوب منك فقط أن تؤمن بأن تحقيق النجاح والتفوق مثله مثلخسارة شئ ما أو فقد عزيز أو ألم اصابك هو جزء من مشوار الحياة و كذلك عليك بأن تكبح جماح شخصيتك السلبية وتتوقف عن نشر السلبية وتعمل على تعزيز المشاعر الإيجابية والفرح لكل نجاح يحققه الأخرين؛ وحاول أن تكون لك ردة فعل راقية وجميلة بمختلف المواقف حتى لو عوملت بطريقة مستفزة، فكلمة سامحك الله أو عفا الله عنك لمن يخطئ في حقك أو يتلفظ عليك تعمل عمل السحر في القلوب وفي كثير من الأحوال تجعل المخطئ يقر بخطأه أو يتراجع عما قال.

وسوف تلاحظ نتيجة هذا التعامل الراقي على حياتك ككل حين تتوسع دائرة المحبين لك وتضيق دائرة الشك والمشاعر السلبية حتى تتلاشى؛ ذلك لأن الكائن الحي يحب المعاملة بالمثل ويمّتن للمعاملة الراقية وتأسره الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة ويقابل الجميل بالجميل.

وحتى تنفض عنك غبار الشك والمشاعر السلبية المؤدية للاكتئاب يجبأن تمتن لكل شئ في حياتك وتشعر بالرضا عما تحقق في مشوار حياتك وتبتعد عن حكاية الحسد والمقارنات السلبية ويجب عليك أن لاتشغل نفسك بمراقبة الناس وأن تهتم بنفسك التي أهملتها..!

حكمة آخر المقال؛ يقول أوسكار وايلد: البعض يسبب السعادة في كل مكان يذهبون إليه، والبعض في كل مكان يرحلون عنه.
                                                               

سعيد سالم الوهيبي