حديث القمر

0
781

بقلم/ ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

يخيم الهدوء هنا في العامرات بعد الغروب إلا من محركات السيارات بين الفينة والأخرى لاسيما عند إقبال الليل.

وأنا أجلس في صحن الدار أتأمل المكان متكئًا على الكرسي الخشبي وقماشه الفاخر ذو اللونين الأحمر والأبيض وهو قماش جاهز هكذا يباع وقد حشتْه وطرزته فيما بعد أم الأولاد وسكن الفؤاد ليكون فراشًا للجلوس عليه ومتكأً يسر الناظرين

أقلب وجهي نحو السماء أتأمل النجوم وقد زين الله بها السماء الدنيا وجعلها مصابيح مضيئة تحرس هذه السماء على مد البصر

وفي فجر هذا اليوم نجلس أنا والقمر على منضدة واحدة فيسبغ عليّ من ضيائه ويسعدني بحكاياته يقول لي القمر:
غريب هو طبع البشر في هذا الزمان

قلت:وما هو طبع البشر في هذا الزمان
يا قمر؟ قال: لا يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال حتى يواجهوا الصعاب ويركبوا لجج الخطر قلتُ: وكيف ذلك يا قمر ؟

قال:يجلبون لأنفسهم الأسقام ثم لا يجدون المخلص منها كعلاج ونحوه ويجلبون كل ما يضر بالبشر وينسبون هذه الأسقام للكائنات الأخرى من طيور كالخفافيش كما ينسبون الجنون أيضًا للبقر

وكلها من ألاعيب هذا الزمان ليفنوا من بقي على الأرض من بشر.. رحل القمر ولا يزال همسه في أذني إذا توارى أو ظهر
ليستمر حديثه في خاطري وكأن خاطري ينطق بلسان القمر فيقول:

من يريد السعادة لنفسه ولغيره فلينقِ فكره من كل حقد وكدر وليصفِ سريرته وليتمنى الخير له ولغيره من البشر

فلم يسلم من الغيبة الأحياء ولا حتى الأموات فمن ذا الذي يشتغل بهذا وقد غفل عن عيوبه ومعاصيه ولو كشف له شىء من ذلك لربما اتعظ واعتبر

هي الحياة كلها ديون وحفر فسدد ديونك قبل موتك واتقِ عُمق الحفر ولا تقل أولادي سيسددون من بعدي الله أعلم بهم فكن على حذر

فقد يحلو للبعض الاصطياد في الماء العكر
كما يحلو للبعض الآخر الغُسل من ماء النهر
ومن اغتسل من هذا النهر خمس مرات في اليوم والليلة فقد سلم وقد غنم وقد طهُر

فمالي وغيبة الأحياء والأموات يا هذا ودع عنك الفحش من القول وقل حسنًا فقد أسرج بنا العمر ومن الموت لا محيص ولا مفر

نهجر القرآن ونبالغ في هجره وتشغلنا الدنيا عنه فهل يعوض فضل القرآن مال أو من الدنيا متاعٌ أو قصر

نعدوا وراء دنيانا وكأنها دار الخلود وما الذي تغنيه دنيانا عن الآخرة والأجر ودنيانا هي دار الفناء والأخرى هي دار البقاء لمن عقل ومن عمل وسعى لها وهو مؤمن يبتغي حُسن الأجر رحماك يا ربي ونسألك حُسن الختام ونسألك الثبات والصبر فقد ولى العمر
وصدق ربنا الحكيم في محكم التنزيل
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ). (٥٤)(٥٥) من سورة القمر صدق الله العظيم