ندوة فكرية تكشف كيفية “صناعة الإنسان” وواقعه المتغير

0
1098
 كتب /عيسى القصابي
أقامت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بمقرها بمرتفعات المطار، ليلة أمس  ندوة فكرية حول “صناعة الإنسان والواقع المتغير”، شارك فيها الدكتور محمود الريامي، والباحث المصري عمرو الشاعر.

تناولت الندوة التي أدارها أحمد بن علي الحارثي، و حضرها عدد كبير من المهتمين بالشأن الثقافي والفكري بالسلطنة،  العديد من النقاط في ذات صنع الإنسان وما آلت إليه البشرية في الوقت الراهن
حيث تطرق الدكتور محمود الريامي ومن خلال ورقته العلمية إلى مكونات الإنسان وبنيته والانسجام بين هذه البنية، سواء عند الفلاسفة أو عند المفكرين المسلمين، وكيف من الممكن أن نفهم هذا الانسجام، وكيف نظرت الأديان القديمة والأفكار والمذاهب للإنسان، وتم التطرق إلى عقائد التناسخ عند البراهمة والفلسفات المثالية والواقعية، والتجريبية والوجودية والماركسية، والأديان الثلاثة اليهودية والمسحية ومن ثم الإسلام،
كما تطرق الريامي إلى الإنسان كونه مكون ثلاث مكونات، الجسد، والعقل والقلب، وكل مكون من هذه المكونات الثلاثة له وصف وتوصيف، وله قوة وفيه ضعف، يمرض ويعالج، وهناك تعاليم ضبطت هذا المكون، كما تم التطرق إلى النفس الإنسانية المتكونة من مجموع العقل والقلب، العقل باعتباره مصدر للتفكير والقلب باعتباره مصدر للمشاعر، فالنفس الإنسانية التي عليها المعول والتي هي يكون بها الإنسان إنسانا، والفكرة أن التوازن في هذا المكونات الثلاثة توجد توازنا في حياة الفرد، وكذلك لو انسحب الأمر على الجماعة والأمة، والأمة هي الأخرى ينبغي أن تهتم بالجوانب الجسدية، والرياضية والصحية والأخرى كالعاطفية التي تفيد ذات الإنسان.

وقدم الباحث المصري عمرو الشاعر رؤية نقدية، طرح من خلالها تساؤلات أراد من خلالها الوقوف عليها لاستنطاق ماهية الحديث حول صناعة الإنسان، فقال: عن أي صنعة نتحدث, فهل نتحدث عن الواقع الموجود وكيف يُصنع الإنسان فعلاً, أم عن الغاية المرجوة, ومن ثم فكيف ينبغي أن يُصنع الإنسان لنحصل على صور متنوعة، وكذلك عن أي إنسان نتحدث؟! هل يُفترض أن يقتصر حديثنا على الإنسان العربي المعاصر, أم الإنسان المعاصر عامةً، فالإنسان حسب قول المحاضر “الشاعر” يكسب “الإنسانية” أول ما يكون من والديه, ثم بعد ذلك يمده المجتمع الصغير المحيط به بمعارف وخبرات أخرى, وبعد أن كان الطفل يتعهداه أبواه يصبح الإنسان صبيا أو مراهقا أو شابا عهدة المجتمع, والذي يواصل صقله وصناعته. وطيلة التاريخ كان الفعل السائد للمجتمع هو صناعة الإنسان “العامل” مثل: إيجاد الحداد, المزارع وغيرهما من أرباب المهن, والذين يلقنون مهارات هذه الصنعة ويكسبونها عبر سنوات طويلة من ملازمة “المِعلم”! وبشكل أقل كان هناك صناعة “العالم” بالمعنى الواسع للكلمة, والذي يشير إلى كل من يعمل في المجال الفكري, والذي تجسد عبر تاريخنا الإسلامي في الفقيه أو الفلكي أو الفيلسوف, والذي يظل سنوات طويلة “طالب علم”, ثم يعمل فيما بعد بما تعلم. وفي الإطار ذاته وضمن سياق الحديث قال “الشاعر”، أن الإنسان المعاصر أصبح يواجه مشكلة “هوية” بسبب الإعلام وتعدد المشارب الإعلامية, والانفتاح على الآخر, والذي أدى إلى ذوبان الإنسان في “الآخر” بدرجة من الدرجات, ومن ثم تشتت وتمزق بين “أنوات” عديدة تبعاً لمصدر تلقيه، فلم يعد من السهل على الإنسان أن يحدد هويته، كذلك اختلف ميزان القيم والأخلاق عند الإنسان المعاصر, فسادت القيم العملية والمادية,
وأصبحت الأفعال تقيم بنفعها, وتراجعت العديد من القيم.

وأضح عمرو الشاعر إن مشكلة الإنسان, الذي تتصارعه العديد من الجهات التي ترغب في وتعمل على “تصنيعه”, أن منطلقات هذه الجهات مختلفة, فمنطلق بعضها هو التربح من الإنسان أو إخضاعه, ومنطلق بعضها هو أفكار ومبادئ فكرية أو فلسفية أو دينية, يرون أنها هي الصحيحة, ومن ثم يحاولون إنزالها على الإنسان، موضحا بقوله إن منهج صناعة الإنسان يجب أن ينطلق من الفطرة, أن يصغي لها, ينتبه إلى احتياجاتها, يعمل على تلبيتها, أو الحوار معها لا الصدام معها على تقديم منظومة قيمية جديدة نابعة من الفطرة الإنسانية, وهذه الصناعة الضخمة المستمرة ستحتاج إلى العديد والعديد من المشاركين ومن الأدوات, ومن أهم هذه الأدوات, وسائل الإعلام التي ينبغي على “المصنعين” أن يضعوها كمكون أساسي في أي برنامج تزكوي إنساني, لا أن يتجنبوها ويتركوها، فوسائل الإعلام فيها نفع كبير وأذى للناس ونفعها أكبر من أذاها. وفي نهاية الحديث فتح باب النقاش بين الحضور والمتحدثين لتداول عدد من الرؤى والأفكار في شأن صناعة الإنسان.