البليد الكنز المدفون

0
4153

قمت مؤخرا بزياره لمنتزه البليد الأثرى للاطلاع على اى من المعثورات التراثية التى قد تكون أضيفت إلى متحف التاريخ الذى يحتضنه المنتزه فى مدينة البليد الأثرية.

فأعمال التأهيل والحفر بالموقع مستمره وهناك دائما باستمرا مايضاف إلى مقتنيات المتحف من المواقع الرئيسية الثلاث فى محافظة ظفار، وهى شصر اوبار، ورورى سمهرم، والبليد والتى تمثل ثلاث حقبات تاريخيه تفصل بين اى منها والأخرى هوه زمنية سحيقه، فشصر اوبار تمتد من العصر الحجري حوالى 7000سنه قبل الميلاد والى العصور الاسلاميه الوسطى

وتقدر فترة رورى سمهرم بالألف الرابع قبل الميلاد، أما مدينة البليد الأثرية فحديثه نسبيا حيث تم إنشائها فى القرن الرابع الهجرى.

كل هذه المواقع الأثرية تشكل اهميه سواء لتاريخ عمان أو للتراث الإنسانى عموما ، وكانت إلى وقت قريب عباره عن أكوام من التراب والحجارة المهملة ومسرح للحيوانات، إلا أن الحضارات لاتموت ولابد أن يأتى زمن وجيل لسبر أغوارها وإبراز مكنوناتها، وهذا ماحدث لموقعى سمهرم والبليد حيث بداء اول تنقيب فيهما فى العام 1952 بواسطة البعثه الامريكيه ولم يستمر طويلا لعدة عوامل وظروف في تلك الاونة

وكان عباره عن حفر فى اماكن قليله ومحدده ويبدو أن الهدف منه التأكد من وجود كنوز دفينه وسط هذه الرمال وبالتالى لم يستمر ولم يخلف اكتشافات تذكر وبقى حال هذان الموقعان على ماكان عليه ، تمت بعده فى عصر النهضه محاولتين فى أعوام 1977 و1995 عدا موقع اوبار الذى تم اكتشافه فى العام 2000م صدفة بواسطة التصوير الفضائي .

وكانت البليد لكونها تتوسط مدينة صلاله تتداول عدة روايات محكيه بين السكان عن أسباب انهيارها رغم متانة وصلابة مبانيها من الأحجار ،منها أن إعصار شديد من أنواع الأعاصير المدمره التى تصيب ظفار على فترات زمنية قد تسبب فى دمارها، ومنها ايضا أن موجه هائله اغرقتها!! وهذه الروايه الاخيره جعلتني قبل عدة سنوات أسأل البروفيسوره الايطاليه المشرفه على الموقع فيما إذا تم التفكير والبحث فى أن يكون السونامى هو السبب فيما حصل للبليد، خصوصا ان موجة السونامى التى أصابت بعض الدول الاسيويه قبل بضع سنوات وصلت فى نهاياتها إلى ميناء صلاله ولاحظ الجميع الارتفاع والانخفاض المفاجئ فى منسوب مياه البحر فى الميناء وهو ماحدا بالسلطنه أن تنضم انذاك لمنظومة الدول المحتمل تعرضها للسونامى والتى طبقت الإنذار المبكر لتلافى إخطاره.

فأجابتنى باحتمالية ذالك إلا أنه لاتوجد ادله موثقة وقد يكون السبب أيضا تدهور الوضع الاقتصادى وراء هجرة السكان منها وبالتالى حصول الانهيار التدريجي المصاحب له. وأيا كان السبب فإننا اليوم نحمد الله تعالى ونثنى عليه أنه أصبح بإمكاننا أن نرى بأم أعيننا نتائج الجهود المشكوره التي بذلت فى المسح والتنقيب والتأهيل لهذه المواقع الأثرية وازاحة الغبش عنها. بالذات بعد الحاقها بمكتب معالى المستشار الخاص لصاحب الجلاله للشؤون الثقافيه معالى عبدالعزيز الرواس فتسارعت الخطى بعدذالك تباعا من حيث الاكتشافات والترميم والتأهيل بالتعاون مع البعثه الالمانيه من جامعة اخن واتضحت معالم المدينه الرئيسية كالقلعه والمسجد الكبير ذو 160عمودا وسور المدينه ذى الابراج العديه التحصينيه المشيد بأنواع من الحجاره تضاهي احجار الهرم ضخامه والمطله على بحر العرب وغيرها. ويجرى حاليا التعاون أيضا مع البعثه الامريكيه وجهات أخرى مختصه،وقدتمت عملية التطوير لخور البليد الذى يحيط بالمدينة والذى كان يربطها مباشرة بالبحر من بوابتين لدخول وخروج السفن ويقال إن المدينه كانت تستقى مياهها من عين جرزيز على مدار العام فيما يشبه نهرا صغير كما تسقى المعموره حاليا ومزارع ارزات من عين ارزات التى لم تنقطع إلى يومنا هذا والحمدلله .

وايضا إقامة العديد من المنتزهات والمطاعم حولها. لقد أصبح اليوم بإمكان الاب العماني أن يأخذ ابنه لموقع البليدالاثرى وزيارة متحف التاريخ الذى لم يتمكن هونفسه فى صغره من ذالك ،ليتشرب الأبناء تاريخ أجدادهم وسلفهم العريق بصوره عصريه رصينه موثقة ينير لهم الطريق للمستقبل مستلهمين آثارهم. المستقبل الذى أضاء صاحب الجلاله أطال الله فى عمره شمعته الأولى فى العام 1970. كما ان بإمكان الزائرين والسواح إلى المحافظه الذين وصلت إعداد السياحه الاوروبيه الشتويه والسفن السياحيه الزائره منهم فى العام الماضى إلى مايزيد عن 160الف وفى ازدياد سنوى مضطرد ومعظمهم يزور هذه المواقع اوبار وسمهرم والبليد ومحمية وادى اللبان ناهيك عن زوار الخريف الذين تجاوزت أعدادهم فى الخريف الماضى 600000الف زائر .

ان هذه المواقع لازالت حبلى بالكثير مما ينتظر سبر غوره باذن الله  انه لتأج على رؤوسنا نحن أبناء هذا الجيل على ماقمنا به نحو تراثنا وأثار الأجداد فى شتى ربوع عمان، ولقد علمت خلال زيارتى لموقع البليد بأن الدلائل أصبحت دامغة على وجود مدينه موغله فى القدم قامت على انقاضها المدينه التراثية الحاليه تنتظر من يكشف بعض جوانبها على الأقل ، بل إن المدينه الحاليه لم يؤهل منها إلا أجزاء يسيره وان كانت رئيسية كالقلعه والمسجد الكبير والسور وبعض المقرات ولازالت بحاجه الى جهد حثيث لازاحة الركام عن كاهلها واتاحت الفرصه لها لتتحدث عن نفسها بنفسها وعما كانت عليه فى عصورها الزاهية من رونق وجمال وحضاره وهذا ماوصفها به العديد من الرحاله المؤرخين المعروفين الذين زاروها عربا واجانب وهذا حقها علينا وحق ذكرى من شيدوها . والأمل معقود ومرتجى _كماعهدناه _فى معالى المستشار والطواقم التابعه من الشباب العماني المتخصصين فى هذا المجال لرفع وتيرة العمل وبذل المزيد حتى إبراز مدينة البليد الأثرية كاملة للوجود ولاشك أن المردود سيكون عظيم لما اسلفنا وعلى السياحه فى عمان خصوصا ونحن بصدد استراتيجية عمان 2040 والتى اعتدت بالسياحه كحزمه اقتصاديه هامه فى مصادر الدخل الوطنى كبديل للنفط. ان مدينة البليد أو المنصوره كما كانت تلقب والتى كانت من أهم وأرقى المدن فى المنطقه واكثرها شهره ونشاط تجارى وحضارى وهذا مايتضح جليا من انقاضها لجديره أن يبذل لها المزيد من التأهيل الذى بدوره سيفصح عن المزيد من مكنونها الدفين وستصبح بعد ذالك ليس فقط مبعث فخرا واعتزاز لنا لا يقدر بمال بل كنز موارد سياحيه لاينضب يتكامل مع سياحتينا الخريفيه والشتويه ومصدر دخل لاقتصادنا الوطنى يعول عليه.

وفى الختام اقترح استبدال مسمى ( منتزه البليد الأثرى) الحالى إلى اسم مدينة البليد الأثرية لانه الاسم الذى عرفت به تاريخيا وايضا من منطلق أن التابع يتبع المتبوع وليس العكس .

كما اقترح خفض رسوم الدخول إلى الموقع بالسياره بريال بدل ريالين حاليا لعدم وجود مواقف خارج السور وبالتالى اضطرار الزائر للدخول بسيارته أما الحافلات فلا ضير من رسم مرتفع.
وفق الله الجميع تحت ظل الرعايه السامية لمولانا حفظه الله وامد فى عمره.

المحامي / خالد بن سعد الشنفري