إلى ناشري الشائعات رفقاً بِنَا وبأنفسكم!!

0
3603

بينما كان أبو سالم ينهي إجراءاتِ السفر ، لاحظت موظفةُ المطار أنه غيرُ قادرٍ على الوقوف متزناً بسبب عارضٍ صحيٍّ ألَمّ به؛ فبادرت على الفور باستدعاءِ رجال الأمن الواقفين بالقرب منها حيث اصطحبوا أبا سالم إلى العيادةِ الصحيةِ الملحقةِ بالمطار لإسعافِه.

وخلال أقل من نصفِ ساعة، استعاد أبو سالم وعيَه وتفقد جوالَه ليُفاجأ بعدّةِ مكالماتٍ لم يرد عليها من قِبل إخوانهِ ومعارفِه وأصدقائِه، ففتح الواتساب لتكون صدمتُه أكبر وهو يرى مدى انتشار مقطع فيديو غيرِ مكتمل للحظة ‘اقتيادِه’ من قبل رجال الأمن، مع تنوع الرواياتِ حوله والتي كان أغلبُها يتحدث عن الاشتباهِ به بتهريبه للممنوعات وغيرِها تتحدث عن احتمال اعتقالِه بسبب نشاطٍ سياسيٍّ وغير ِها تعزو السببَ إلى كتاباتٍ مسيئةٍ لبعض رموز الدولة ! وكلها بعيدةٌ تماماً عن الواقع.

ومع كثرة إتصالاتِ أخيه، رفع أبو سالم السماعةَ ليوضحَ حقيقةَ الموقف الذي حدث، حيث قام الأخُ فوراً بإرسال مقطع صوتي بذلك ، ولكن للأسف كان انتشارُ المقطع الصوتي أقلَ سرعة ًمن المقطع الأول ولم يلقَ التجاوبَ ذاتَه، مع تشكيك البعض بأن يكونَ ذلك محاولةً لتغطيةِ ما حدث.

واضطر الابنُ سالم الذي لا يزال طالباً في المرحلةِ الثانويةِ إلى إغلاقِ جوالِه لكثرةِ الرسائلِ المنهالةِ عليه، واختلطت عليه المشاعرُ بين الخوفِ على مستقبلِ أبيه ومصيرِه المجهول وبين الإحساس بالخجلِ والإحراجِ الشديد؛ عندما يذهب في اليوم التالي إلى المدرسةِ حيث لن ترحمَه نظراتُ الآخرين وهمساتُهم، فكان قرارُه على الفور بعدم الذهاب حتى تستقرَ الأوضاعُ أو ينتقلَ إلى مدرسةٍ أخرى ، رغم عِلْمِه بأن جميعَ مدارس الدولة قد وصلها الخبرُ بشكلٍ أو بآخر .

أما أختُه فقد تلقت رسالةً من خطيبِها بتأجيل موعد عقدِ القران إلى إشعارٍ آخر بحجةِ ” سفرٍ مفاجئ من جهةِ عملِه !” .ولم تتوقف الرسائلُ الصوتيةُ في جوالِ أم سالم من خلال مجموعةِ الواتساب “حريم الحارة” والتي شابتها نبراتُ التخفيفِ والمواساةِ على مصابِها وكأنّ الأمرَ واقعٌ فعلاً.

موقفٌ لم يتجاوز العشرَ دقائقَ تحولَ إلى مادةٍ طازجةٍ ودسمةٍ للتحليلِ والتأويلِ والتهويلِ في المجالسِ العامةِ والخاصةِ، ومواقع التواصل الاجتماعي،وتسبب في بلبلةِ واضطرابِ وقلبِ كيان أسرة أبي سالمٍ وباتت قصتُه حديثَ الساعةِ بين معارفِه وزملاءِ عملِه وجيرانِه، بين مكذبٍ للواقعةِ ومؤكدٍ لأحداثِها ومشككٍ لحيثياتِها، بل وتعدى معارفَهِ إلى من لا يعرفونه سواء داخلَ الدولة أو خارجها بحكم بعضِ مجموعاتِ الواتساب المتضمنةِ أفراداً من جنسياتٍ مختلفة.

قصةُ أبي سالم غيرُ حقيقية، ولكنها نموذجٌ لطريقةِ صياغة الشائعاتِ وانتشارِها ، حيث يقوم أحدُهم بتأليفِ قصةٍ لموقفٍ رَآه أو صوّره ليتولى الباقون نشرَها وتوزيعَها دون التثبتِ منها ودون مراعاةٍ لانتهاك خصوصياتِ الآخرين، ضاربين عرضَ الحائطِ توصياتِ الشرع بوجوبِ الستر ومقتضياتِ العُرف بأهميةِ التثبّت وتبعاتِ القانون بحظرِ النشر.

لن نتطرقَ إلى مدى ضياعِ الوقتِ أثناء الانغماس في وسائل التواصلِ الاجتماعي فقد يكون ذلك حريةً شخصيةً يتحملها الفردُ نفسُه، ولكن لنكن أكثرَ حذراً فيما ننشرُه وخاصةً إذا كان الأمرُ يتعلق بخصوصيات الآخرين ، فما لا نرضاه لأنفسنا لا نرضاه لغيرِنا، وليبدأ كلٌ منا من الآن تبني مبدأ عدم إعادة نشر مثل هذه المواضيع ، سواءً كانت حقيقيةً أم لا، فبدون تكاتفِ الجميع يصعب معالجة الظاهرة، ولنتذكر قولَ الشاعر :
لسانَك لا تذكر به عورةَ امرىءٍ
فكلكَ عوراتٌ وللناسِ ألسُنُ
وعيناك إِنْ أبدَت عليك معايباً
فدعها وقل يا عينُ لِلنَّاسِ أعينُ.

بقلم عبدالله الراشدي – أبو وسام