التاريخ والحاضر… وأزمة الاقلام

0
1352

ربما من النفل القول إن أزمة التاريخ بين عمان والإمارات بلغت مبلغا غير مسبوق على مر العلاقات بينهما، وقد ساهم في ذلك وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة وسرعة انتشارها، مع ما سبق من تجاوزات يراها طرف على الاخر، الا انه ليس نفلا ان يكون لنا موقف في ذلك نداءً للواجب وخدمة للتاريخ..

من حيث القضية الرئيسة فإن قضية نسبة التاريخ (شخوصا وثقافة) للحاضر، لا سيما المستحدث منه، تعد نسبة جائرة في حقه وحق أهله، وهي من نسبة القديم للحديث، وهي نسبة منكوسة غير مستساغة لغة ولا شرعا .

فالدول تولد وتموت، ويوم ولادتها يوم تأريخ لها، وينسب لها كل ما وقع ضمنها الى ان تموت، ولا يجوز ان ينسب لها ما خرج عن ذلك قبل الولادة او بعد الموت، من ثم فالدول حظوظ في تاريخها على قدر عمرها تماما كما الانسان، فليس من عمره عام في محصلته التاريخية هنا كمن عمره عشرات السنين، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز ان يعد سعوديا نسبة للدولة الحديثة الْيَوْمَ، لانه خارج نطاق ولادتها، وإلا للزم- بتبني خلاف هذا التأصيل والمرجعية- أنه كان أمويا يوما وكان عباسيا يوما اخر وكان عثمانيا او تركيا يوما ثالثا وأن يكون شيئا اخر مستقبلا نسبة لدولة حديثة قد تظهر يومها وتكون مكة والمدينة ضمن نطاقها، وفِي ذلك عبثية مطلقة، لا يرتضيها عاقل ولا حليم..

إن النسبة التاريخية تعاد لوقتها، وضابطها ما مات عليه أصحابها، وخرجوا به من الدنيا، فمن مات منسوبا لبلد يبقى منسوبا لها بعد موته، وغير ذلك يعد تعديا مباشرا عليه، فلا يكون المهلب -محل الخلاف -عمانيا بالأمس ، ثم يكون إماراتيا اليوم، ويكون شيئا آخر في المستقبل حسب الدولة القائمة في قطره الذي ينسب اليه، لأن في ذلك تمييعا وتضييعا للتاريخ واهله لغياب الضبط والموضوعية…فضلا عن تفاصيل مولده والخلاف فيها (أدم او دبا)، و تنسحب هذه الحقيقة على كل الموروث ماديا وغير مادي.

اما من حيث تواصل الأطراف في قضية المهلب وعموم قضية التاريخ بين عمان والإمارات فقد حملت كثيرا من اللغط، وكثيرا من سوء القول، ويعد القول والتراشق بين الأطراف افرادا ودولا بوابة الشرور ومدخل الفتن، وأول عتبات تضييع النعم، وتدمير الاستقرار وانتشار الفوضى.

إن ما تعيشه الأمة العربية الْيَوْمَ من فتن تحتم على كل إنسان عاقل ان يقيس كلامه وتعبيره بالمسطرة، وان ينتقي منها ما يؤكد الْيَوْمَ اللحمة ويربط الأواصر، هذا من حيث العموم، اما من حيث الخصوص فالإمارات باتت طرفا مباشرا من أطراف الصراع في المنطقة، وبعيدا عن الحكم على اطرافها ومنها الامارات بالجور او العدل في مواقفهم الا ان اثر ذلك جلي للأسف، فلم تعد الأطراف جميعها كما كانت عليه، بينها وبين بعضها، او بينها وبين العالم، والإمارات نالها من ذلك الاصطفاف ما لا اختلاف عليه ، وأثره في ما نراه من شحناء بادٍ في ما يجده الإخوة في الامارات في العسكرة الإعلامية ضدهم، وما يجدونهم في سياحتهم حول العالم من مخاطر ومضايقات جراء مواقف الامارات المختلفة ودورها في عموم احداث الأمة العربية بل والعالم الْيَوْمَ.

من هنا فعلى الإخوة في الامارات ساسة وشعبا النظر في واقع ما أصبحوا عليه، والبحث بشكل جدي في الأبعاد المتولدة على اثره، القريبة والبعيدة المدى، وإن غَمَّ على أي كان قراره وموقفه صوابا وخطأ

فعليه باستنطاق النتائج لذلكم القرار، فإن في ذلك لسانا صادقا لا يكذب، فالمقارنة الحثيثة للمنجزات التي قام به المرحوم الشيخ زايد بالنظر الى علاقاته البناءة بينه ودوّل العالم الاخرى، وبينه وبين الشعوب، لا سيما جيرانه، وحنكته والتي منها انتخاؤه بأصوله العمانية مع اعتزازه بإماراتيته، ونتائج ذلك من الرصيد العالي للمواطن الإماراتي حتى اصبح مغبوطا عالميا في التقدم والقيادة يومئذ، واين غدا الْيَوْمَ من كل ذلك، وما اصبح رصيده من بعد! إن مقارنة ذلك واستنطاق نتائج هذه المقارنة يُمَكِّنُ من النظر من موقعها الحق والباطل، وعليها يتم مراجعة القرارات المسببة لذلك ومعالجتها، بدل التوسع في دائرة أسباب الفرقة والخصومة وأسباب العداء غير المبرر بين الامارات والاخرين جيرانا واخوانا، كانت عسكرية ومادية او فكرية وتاريخية.

اما عمان وشعبها، فعليهم بالتؤدة في التعاطي ومواطن الخلاف مع الامارات، بالنظر الى الوضع القائم، وبالنظر الى التاريخ المشترك الخاص بينهما، وتناول كل ذلك وتعاطيه على أثرهما، من ثم فتجنب المُلاسنات غير المؤسسة والتصريحات المهيجة يعد أمرا واجبا على الفرد العُماني فضلا عن المسؤول منهم،

فالواقع يحتاج الى التسديد، ومواضع الخلاف التاريخي او الفكري والأدبي يمكن تناوله بقوالب علمية موضوعية رصينة، بعيدة عن هرطقات وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة وغثها الظاهر، وهناك الف طريقة وطريقة لتصحيح ما نرى ان الامارات وقعت فيه من تعد على التاريخ، كما إن هناك لجانًا محكمة في مثل هذه الخلافات، يرجع اليها، مع الحفاظ على رزانة عمان ورجاحة عقلها وهيبتها قيادة وشعبا، ووضعُ العالم العربي والاخوة في الامارات لا يتحمل اثارة بلابل، او فتح شروخ في جسد هذه الأمة المنهك من الجروح، فالامر يقاس بقياسه ويرد على قدره، وبقالب يأخذ في ذاته اعتبار سياق ما يعيشه، فالإمارات كما يحتاج أهلها الى ما نصحنا به قَبْلُ لإدراك صحة ما هم عليه من سوءه، يحتاج جيرانها لا سيما اهلهم في عمان الى إدراك ذلك كذلك، والعمل على ضوئه، فالمبتلى في وضعه –

وكلٌ يُبْتلى- ليس كالصحيح السليم، فكما يطلب منه تطبيب نفسه، يطلب من غيره مراعاة وضعه، وما قد يتولد عنه من افعال وردود افعال، فيجعله ذلك متفهما للحال، مشفقا وجلا عليه، لا متئهبا للانقضاض، متفننا في تسفيهه وتوسعة رقعة الالم فيه، فإن ذلك يعد جرما لمن ادرك الواقع ولَم يعمل على اثره، وتغافلَ عن حقيقة ما يمر عليه الجميع، وأهل عمان محشومون عن الولوغ في ذلكم الاناء متى ادركوا ذالك ووعوه.

ختاما لتصمد الاقلام من الأطراف جميعها في وجه الابتزاز من أيٍ كان فإن ذلك امر يراد، وليلتزم الجميع بتوصية الخالق سبحانه “وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا “، ومن قول الْيَوْم ومؤداه التغريد وغيره من ادوات تواصل حديثة، وإيانا والتفاخر بالمنجز او التاريخ والعيب على الاخر واستنقاصه او المنية بما كان وما لم يكن منا، تلفيقا ونكاية وشهادة زور وهوى باطلا، او ادعاء ما لا يثبت على انه حقيقة، او أخذ شهادة ما او تشبيه ما لا يستقيم موقفا ولا مكانا ولا علة على عواهنه عصبيةً، وجعله مرجعا يستباح الاخر تحته، مهما كان قائله، فعمان التاريخ أكبر من الهامات مهما علت منصبا، بل علينا بالموضوعية في نقد بعضنا بعيدا عن العاطفة، وبعيدا عن التنطع مهما زينا القول وتفننا فيه، فإن الشخصيات التاريخية أصبحت شخصيات عالمية إنسانية مشاعة، للجميع ان يتناولها بما هو حقها حسب المصادر التاريخية دون تزييف، وعليه تحمل أي تزوير او تشويه فيه، وللآخر ان ينتقد ما يراه أمامه من خروج عن ذلك، ويتبع القنوات المناسبة لتثبيت نقده، وتصحيح ما خرج من العمل عن النص التاريخي، عمدا او غير عمد، وعمل المهلب بن ابي صفرة المزمع عرضه في رمضان، والذي قامت به الامارات، هو ضمن تلك الاعمال التي يجب متابعتها بموضوعية بعيدا عن العاطفة، والعمل على نقده من الأطراف في عمان والإمارات، والحَكم في ذلك المنطق والتاريخ، ويكون الهدف من العمل نبيلا كما هي شخصيته الرئيسة، بعيدا عن الغيظ، وعن إسقاطات خلافات الْيَوْم السياسية وغير السياسية عليه، وهذا هو الظن بمن كتب ومن نفذ ومن تبنى العمل منذ كان فكرة، أن لا يكون للهوى ولا للتزييف ولا لتشويه التاريخ بمعطيات الحاضر سبيل ولا حميم يطاع، بل هي دعوة للاكادميين ان يكون هذا العمل عنوان رسالة أكاديمية نقدية لطلابهم في احدى الكليات ذات العلاقة، تنقد العمل فنيا وأداء وتاريخا، وتقدم تلك الرسالة للجهات المسؤولة في عمان والإمارات وأي طرف ذي علاقة مع توصياتها…ادام الله الود على عمان والإمارات، ولا تزال عمان الأصل والتاريخ مرجعية للجميع، وفِي عين الجميع، وأقال الله عثرة هذا الخلق من العالم، المتفق لغة وثقافة وتاريخا ودينا وجغرافيا، والمختلف سياسة وتعصبا واصطفافا…

بقلم / عبدالحميد بن حميد الجامعي