الفساد بين الوازع الديني والقانون

0
1156

أخفقت الدول العربية في الحصول على مراكز متقدمة وفقالتقييم مؤشرات مدركات الفساد في القائمة التي تنشرها منظمة الشفافية الدولية والتي بدأت أعمالها عام 1995 لمساعدة الدول لمحاربة الفساد والتقليل من تبعاته السياسية والاقتصادية ،وعلى الرغم من كون جميع الدول العربية دول إسلامية نزل فيها قرآن يتلى في اليوم والليلة يحذرها من مغبة الفساد حيث وردت كلمة الفساد ومشتقاتها 25 مرة في القرآن الكريم مما يعطي دلالة واضحة على الأهمية البالغة لتجريم هذا الأمر والتحذير من أنّ هذا الفعل يهلك الأمم والشعوب ويدمرها.

وعلى الرغم من الوعيد الآلهي للمفسدين لكن الدول العربية والإسلامية ما تزال تتصدر قائمة الدول الأكثر فسادا وتتذيل مؤشرات النزاهة، ويعتبر المركز 24 هو أفضل مركز تحققه دولة عربية في العام المنصرم 2021؛ مع معدل عام يبلغ 39 درجة من أصل 100 للعام الرابع على التوالي، ولم يطرأ أي تحسن ملحوظ على مؤشرات مدركات الفساد في الدول العربية للعام 2021، وتعزي منظمة الشفافية الدولية أسباب الفساد إلى سوء السلوك السياسي وتغليب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.

وقد استشرى الفساد بشتى أنواعه في كل مفاصل الدول العربية من فساد سياسي واقتصادي واعلامي وتعليمي وصحي وحتى فساد أمني بالرغم من وجود قوانين مدنية صارمة في عدد من الدول العربية لمحاربة الفساد والتقليل من تبعاته لكن إزدواجية تطبيقها وفرضها على البعض من العامة وإستثناء الخواص منها وتكييف القوانين بحسب منزلة ومكانة الفاسد كل ذلك أدى إلى تعطيل تطبيق القوانين الشرعية منها أوالمدنية وجميع الدول العربية بدون إستثناء تتبع وتطبق مقولة “ ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

ولكن هناك من يعارض هذه الفكرة ويرى أن القوانين جميعها تتشابه والقضاء سلطة مستقلة ولا يستثني أحد سواء كانوا من المسؤولين الحكوميين أم من عامة الشعب.

و بالرغم من الجهد الذي يبذله بعض علماء الدين والوعاظ والخطباء في تقديم الدروس والمواعظ وخاصة الحماس الشديد الذي ينتهجه بعض الخطباء في خطبة الجمعة المباركة والتي تبثها أغلب القنوات الرسمية بالدول العربية،كل هذا الجهد لم يؤتي أكله بعد، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا لم تستطيع أي دولة عربية في الحصول على مراكز متقدمة في النزاهة والامانة ومكارم الأخلاقوفقا لتقييم مؤسسات مدنية محايدة ومتخصصة في مكافحة الفساد والتقليل من آثاره؛ على الرغم من أنّالاسلام يحث على مكارم الأخلاق والفضائل لكن أغلب الدول العربية والاسلامية تأتي في ذيل قائمة الدول في النزاهة والشفافية.

يرى البعض بأن انتشار الفساد في الوطن العربي سببه الأول والأساسي تبعات ونتائج الاستعمار الغربي للدول العربية لسنوات طويلة عمل خلالها على تغيير الحياة السياسية من خلال فرض الحكام الموالين لسياستهم ومصالحهم وفرضهم على الشعوب العربية،وحتى تضمن الدول المستعمرة عدم تشكل مقاومة شعبية كانت تنتهج سياسة ( فرق تسد)؛ وكنتيجة للفساد السياسي عم الفساد بباقي الجوانب الأخرى؛ وعلى الرغم من تخلي الاستعمار الغربي عن سيطرته المباشرة على الدول العربية لكن النفوذ والهيمنة الغربية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية قائمة ومن أسوأ جوانب الفساد الذي أضر بالكثير من الشعوب العربية وخاصة في دول الخليج العربي هو توقيع اتفاقيات طويلة الأمد لمنح امتيازات النفط للشركات البريطانية والامريكية؛ والشعوب لاتعرف عنها شيئا ولم تستشار في أهم مورد اقتصادي يتعلق بحياتها.

وبالتالي فأن عدم حصول الدول العربية على مراكز متقدمة مرده وسببه هو الفساد السياسي وهو العائق الأوللعدم حصول الدول العربية على مراكز متقدمة لأن أغلب الساسة في الدول العربية يستغلون نفوذهم لتحقيق مكاسب شخصية وتنفيع أنفسهم وأقاربهم ومما يعزز الفساد في الوطن العربي الاستخدام الفاسد للعلاقات الشخصية – المعروفة باسم (الواسطة)، فوفقاً لمقياس الفساد العالمي 2019، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية فإن واحداً من كل خمسة مواطنين في الدول العربية دفع رشوة، وأكثر من واحد من كل ثلاثة استخدم العلاقات الشخصية ( الواسطة) لتلقي خدمات عامة أساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية.

و هناك من يرى بأن الخطب والمواعظ أغلب مستمعيها هم من لايسمح لهم وضعهم الاجتماعي أو مركزهم الوظيفي بالإختلاس أو نهب المال العام ولذلك يقال أنك اذا اردت ان تختبر نزاهة أحد امنحه منصب او قدم له المغريات حتى يكون الحكم منطقي، حتى أن البعض يعتقد بأنه لولا وجود قوانين صارمة يخشى الناس مخالفتها لكانت الأمور أسوأ بكثيرلأن بعض الناس ضعفاء النفوس لاينتهون عن الفساد إلا من خلال عقوبات رادعة تفرض عليهم ولذلك فعّل السلف مقولة إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن“...

وعلى الرغم من أن الإنتاج اليومي للدروس والمواعظ  الذي تنتجه الدول العربية يفوق ما تنتجه اليابان من سيارات في سنة ، لكنها ما زالت تتذيل قائمة الأكثر فسادا وفقرا وأمية وكبت للحريات وهذه الحقيقة تؤكدها التقارير الدوليةالمتخصصة والتي تصدرها منظمات دولية محايدة ومستقلة كمنظمة الشفافية الدولية والبنك الدولي واليونسكو واليونسيف وصحفيون بلاحدود وكان يفترض أن تتصدرالدول العربية قائمة الأفضل إذا كنا نطبق ونؤمن بما نرددهمن آيات محكمات ونلتزم بالقوانين المدنية، بينما الدول الحاصلة على المراكز العشر الاولى في مؤشرات مدركات الفساد تلتزم بالقوانين الوضعية ( المدنية) ولايوجد لها صفة دينية في دساتيرها، لكن القانون لديهم ملزم  لا يستثني أحد ( فعل وليس قول) ولذلك تجد من النادر أن يستغل المسؤول منصبه للفساد والإفساد.

والأدهى والأمر في وطننا العربي الكبير بأن هناك من يعيب على النزيه إذا لم يستغل منصبه ويستفيد من وضعه في تنفيع نفسه وأقاربه ويشبهونه بمن طلع من المولد بلا حمص والبعض يتهمه بأنه لايساعد الناس إذا امتنع عن استغلال وظيفته في تنفيع أحد..!

وطبعا توارث المسؤولون الكبار هذه القاعدة وكانوا يأخذون ما يريدون وينفعون أقاربهم وخواصهم حينما يتولون أمر أي وحدة حكومية ويديرونها كالملك الخاص بهم.

أخر السطر

يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ الثائر الحق هو من يثور لهدم الفساد ثم يهدأ لبناء الأمجاد.

ملاحظة

المعلومات الإحصائية من موقع منظمة الشفافية الدولية https://www.transparency.org/en/

                                                        سعيد بن سالم الوهيبي