حتى لا تكون العبادة مجرد عادة.. قاوموا هذه الآفة..!

0
833

كنت من بين أول ثلاثة مدعوين وصلوا مكان دعوة العشاء الكريمة من الصديق الفاضل أبو سهل وبعد دخولي المطعم أشار إليّ بالجلوس على الكرسي الذي أمامه مباشرة وبعد المناشدة عن الأخبار والعلوم..؟ لاحظت الآسى والحيرة على وجهه وسألته: ما الأمر ..؟ وتفاجأت بردة فعله ونبرات صوته التي يتقاسمها البكاء مع الكلام حتى لم استطع أن أفهم ما يقول بسهولة..!

وحينما بدأ يكرر الدعاء والترحم وذكر محاسن الزميل الراحل أبو ماهر؛ وحتى لا يكون شعوري مجرد ظن يتبعه أثم.. قلت له: بأن حديثك والغصة التي تتكلم بها شعور بالندم على شئ فات..!

قال نعم: يا أبا المنذر؛هو كذلك ومصدر هذا الحزن ليس الموت لأنه أمر حتمي وأنا مؤمن بالقضاء والقدر ومؤمن بالثواب والعقاب ومؤمن بيوم الحساب.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..!

لكن مصدر الآسى هو التسويف والمماطلة في لقاء الراحل والإستماع إليه.. على الرغم من تواصله المتكرر وكنت أحسب بأن القدر يمهلني ويمنحني فرصة للقاء العزيزالراحل أبو ماهر، و قد عقدت العزم على الأعتذار وطلب الصفح من هذا الإنسان التقي.. النقي لأنني سمحت لنفسي بالإنصات إلى الزميل الدائم الغيبة والتشكي ( أبو الكلام) – هدانا الله وإياه- وجاملته بالعبارة التالية؛ ” أبو ماهر هو من ضمن المجموعة التي (خيبت الظن ولم تقدم شيئا مما وعدت به.. !)..” وليتني تذكرت ساعتها المقولة المأثورة للخليفة الراشدي الأمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ( السامع للغيبة أحد المغتابين).

ولكن هيهات أن نتذكر النصائح المنجية في زمن سادته المجاملات المهلكة وأصبحت فيه العبادة مجرد عادة نكررها ولم نستفد منها أونطبقها حتى في أبسط الأمور التي يمكننا تجنبها..!

نقاء سريرة أبو سهل وأخلاقه الرائعة وإيمانه بأن هناك ثواب وعقاب.. جنة ونار.. هي التي جعلت ضميره الحي يؤنبه ورمش جفونه لايهنأ لها نوم .. حاولت أن أهدئ من روعه ولكن دون جدوى وطلبت منه على الأقل بأن يكتم مشاعره أمام الأصدقاء المدعوين حتى لا يتحول اللقاء الأخوي للقاء مؤاساة وندم.. وبالتالي يتمنى المدعوين لو لم يحضروا.

وبعد موافقته على المقترح تابع حديثه ونصائحه الثمينة قائلا؛ أخي وصديقي العزيز أبو المنذر؛ يغفر الله سبحانه وتعالى زلاتنا وتقصيرنا في حقه فهو أرحم بنا من أمهاتنا اللائي انجبنا، ولكن حينما يتعلق الأمر بالإفتراء على عباده الذين أصطفى فمن عدل الله وكرمه علينا بأن لايغفر الخطأ الا بعد طلب العفو والمسامحة من صاحب الشأن..!

ولأننا نؤمن بأن ديننا دين حق وعدل يجب علينا أن نتحاشى الظلم ونتجنب الغيبة وأن لانسمح لأنفسنا بالخوض مع الخائضين.. وحتى تكون شعائرنا تطبيق عملي لما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية المؤكدة يجب ان لانجامل ولا نتساهل في مقاومة هذه الآفة المنفرة..! وعلينا أنّ نستغل فترة شهر رمضان الكريم فهو شهر عظيم للإبتعاد عن كل رذيلة وفرصة سانحة لتقريب كل فضيلة.

والمؤمن عاقل يعطي كل شئ حقه لذا عليه أن لايجامل ويبيّن لمن يجالسهم بأنه لايمكن للإنسان المسلم بأن يغتاب أحد وإذا استدع الأمر التأكد من شيئا ما عليه بالمواجهة والمناقشة لعل الأمر فيه لبس وبالتالي يتجنب سوء الظن، ويرى البعض بأن آفة الغيبة أكثر ضررا وأشد تأثيرا على المجتمع من الرذائل والمنكرات الفردية كالخمر والميسر.

وعلينا كذلك بأن لا نسوف ونؤجل التوبة وطلب الصفح إذا اغتبنا أحد فالموت لا يستأذن أحد.. ولاشئ يريح النفس المؤمنة حقا إلا في ابتعادها عن الغيبة والنميمة وعدم مخالطة الخائضين فيها.

يتابع أبو سهل حديثه بنبرات الحزن والآسى؛ للأسف الشديد ..! يتوقف قليلا ثم يتابع.. نحن مجتمعات أبتلينا بالغيبة والنميمة والقول البذئ في أغلب الأماكن التي نلتقي بها.. سواء كان في العمل.. في المنزل.. في أماكن العزاء .. وحتى المساجد لم تسلم من الغيبة والنميمة..!

وهذا يؤكد بأن عبادة الكثير منا هي مجرد عادات مكررة والأدلة على ذلك كثيرة فالبعض يداوم على المساجد منذ عشرات السنين ولكن أخلاقه وطباعه لم تتغير وحتى من كان فترة طويلة صامد ولا يخوض مع الخائضين سحبه العوام الى صفهم ولم يسلم والنماذج في المجتمع عديدة وكثيرة في هذا الشأن.

وبالتالي مهما أستغفرت وتعبدت وتعهدت بأنك لن تجالس مغتابا أو نماما يبقى الندم يلازمك حتى تلقى الله ,وتسأله أن يغفر لك خطئيتك أو يصر صاحب الحق على عدم المسامحة فتخسر خسرانا مبينا، فعظمة الإسلام ليس في طقوس وحركات تؤدى في كل يوم وليلة ولكن في النتيجة التي تتركها هذه العبادات والا أصبح الحال مثل الذين كلفوا بالعمل بالتوراة ولكن لم يطبقوها، قال تعالى ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

وعلينا أن نستغل الفرصة في شهر رمضان المبارك وأن نكثر من الإختلاء بالنفس وممارسة رياضة التأمل حتى نبتعد عن أقبح الخصال وأرذلها فلا يليق بالمؤمن الذي يسارع الخطى إلى المسجد والحريص على أنّ لا يفوته فرض مهما كانت الأحوال والظروف ثم ما أن يفرغ من صلاته يشارك في أعمال الغيبة والنميمة ويخوض مع الخائضين، ومن غير المستساغ بأن يمتنع المسلم في سائر نهار شهر رمضان عن الأكل والشرب وسائر المفطرات ويؤدي الفرائض ويقوم الليل، ثم لا يسلم الناس من لسانه ويسمح لنفسه بالخوض في أحاديث الغيبة والنميمة..!

توقف أبو سهل عن نصائحه الممتعة بمجرد تنبيهه بقدوم المدعوين.. مؤكدا عليّ بأهمية كتابة مقال عن خطورة هذه الآفة وأثرها على المجتمع، وأجدها فرصة سانحة لتذكير النفس الأمارة بالسوء للإلتزام بهذه النصيحة الذهبية وتوجيه دعوة صادقة ابدأ فيها بنفسي طالبا العفو والصفح لكل من تصله بعثرات قلمي سواء أخطأت في حقه بقصد أوعن جهل بأن يسامحني ويحتسب الأجر والثواب من ذو الجلال والاكرام.. الحليم الغفار.

وكذلك هي فرصة لكل من أبتلي بهذا الداء العضال بأن يستفيد من الدروس العظيمة التي يقدمها شهر رمضان المبارك.. شهرالصيام والإلتزام للتشافي من مرض الغيبة وتكون الشعائرالتي يحرص على تأديتها عبادة يؤجر عليها وليس عادة يؤثم عليها.

رزقني الله وإياكم حسن الصيام وحسن العمل وكل عام والجميع بخير..

سعيد بن سالم الوهيبي