ذكريات الجامعة ( المزاجية والنبوغ) ج1

0
490

الجزء الأول

يوجد عدة تفاسير للعبقرية ولكنها تتفق على نتيجة مفادها أن العبقرية والنبوغ إنسلاخ عن الذات وإنغماس في عالم أوسع وأسمى، ويعتقد بعض الأطباء المتخصصين في علم النفس والسلوك بأن العبقري يختلف عن بقية الناس بالخيال والمزاجية. وربما يولد الإنسان بطفرة جينية تمكنه من النبوغ في جانب أو مجال معين ولكن يبقى الإبداع صناعة ومهارة تنمى عن طريق التدريب المكثف والعمل المتواصل حتى يصل الإنسان للعبقرية الإحترافية.
وبعيدا عن النقاش والجدل الدائر هل العبقرية وراثية أم مكتسبة ؟ أو أن العبقرية تكون نتيجة تمازج عنصري البيئة والوراثة ؟، يتفق علماء النفس بأن ( الخلوة الذاتية) والتأمل والإنعزال عن الناس صفة مشتركة بين العباقرة.
ومراحل حياتنا عبارة عن رحلات منفصلة لا نعرف أين وكيف ستكون المحطة القادمة وما هي التحديات التي تواجهنا خلالها، ومهما بلغ الحرص والحذر والإعداد والاستعداد، فهناك أشياء تحدث لا نتوقعها أبدا قد تغير مسير حياتنا.
والمحطة التي أسرد فيها هذه الذكريات تعود بنا إلى أجمل سنوات العمر، وهي المرحلة الجامعية التي يستقل فيها الطالب بذاته بعيدا عن توجيهات ومراقبة الوالديّن، حيث ينطلق الطالب الجامعي الى عالم وخيال أوسع وطموح يحدد ويرسم من خلاله معالم المستقبل المهني والإجتماعي وهذه المرحلة تزخر بالحماس والنشاط والجدية وفيها تتشكل معالم وتختفي أخرى..
كنا مجموعة من الطلبة من مختلف ولايات ومحافظات السلطنة، حظينا بالقبول بجامعة السلطان قابوس سجلها التاريخ كدفعة أولى تتلقى التعليم الجامعي داخل عمان في خمس كليات هي؛ كلية التربية وكلية الهندسة وكلية الطب والعلوم الصحية وكلية العلوم الزراعية والبحرية وكلية العلوم وقد بلغ إجمالي عدد المقبولين حينها في الخمس كليات 557 طالبا وطالبة.
وبطبيعة الحال تختلف الميول والهوايات بين الطلبة في هذه المرحلة التي يتحدد من خلالها الإبداع في التخصص أوالهواية وهي مرحلة النضج والإعتداد بالفكر المستقل وهي مرحلة يتم فيها التعرف على زملاء وتكوين صداقات جديدة وبالمقابل قد تختفي أو تقل علاقات الزمالة المدرسية.
ولعل الأيام الأولى في الحياة الجامعية يبقى تأثير البيئة واضح في الكثير من
خيارات وقرارات الطالب فهو يفضل أن يتواصل ويجلس مع زملائه وأصحابه من نفس المدرسة أو الولاية، ولكن تدريجيا يبدأ المنطق يفرض نفسه فالتواصل الدراسي يكون مع زملاء التخصص وممارسة الهواية تكون مع الموهوبين أوالممارسين نفس الهواية .
و كهواة كرة القدم نترقب مجئ العصر، حتى نلتقي في  الملعب المعشب بالجامعة ( والذي كان وقتها طرفة، أي أن ملاعب العشب قليلة جدا)، حيث كانت الكثير من ملاعب الأندية يومها ما تزال ترابية.. وبعد التقسيمة الأولى للاعبين بكل فريق، والتي جاءت وفق معايير العاطفة والشللية والمناطقية أوالمعرفة السطحية –ولهم العذر في ذلك– لأن الحكم على الشئ فرع تصوره، ولا أحد يستطيع أن يعرف مستوى اللاعب الجيد إلا إذا كان يعرفه مسبقا حتى أن مراكز اللاعبين يتم تصنيفها عبر السؤال المباشر من يريد أن يلعب حارس يصف هنا وهناك يوقف لاعبين مركز الدفاع.. وهنا يجئ لاعبين الوسط.. وهناك يذهب لاعبي الهجوم.. حيث كنا مجهولين لبعضنا البعض.
وعلى الرغم من كل هذه البدائية في عملية توزيع اللاعبين إلى فريقين، لكن هناك من لفت الأنظار من التقسيمة الأولى وصار حديث جميع من في الملعب.
يغلب على محياه صفة الخجل، قليل الكلام داخل الملعب وخارجه، لكن ما أظهره هذا العبقري الموهوب.. طالب كلية الهندسة تنبئ على أن جامعة السلطان قابوس على موعد مع موهوب من الطراز الرفيع جدا لن يتكرر سواء على مستوى الجامعة أو على مستوى الكرة العمانية ككل، فهو لاعب إستثنائي بحق كما وصفه الخبير الألماني ( هيدروجوت).
ولكن الحكاية لم تكتمل أركانها بعد فهناك ضريبة لكل شئ جميل؛ ومثل ما قال دوستويفسكي  المزاج كثيرا ما ينتصر ويتمرد على قرارات العقل ( دوستويفسكي).
( نلتقي الأسبوع القادم من ذكريات الجامعة)

سعيد بن سالم الوهيبي