غبشيات الجمعة

0
602

منذ بدء الخليقة والإنسان يسعى وراء الكمال وبلوغ المثالية وظل هذا الحلم يراود المجتمعات والأفراد، وقد عزز هذا الخيال حلم الفيلسوف اليوناني أفلاطون في رؤيته للمدينة الفاضلة أو المدينة التي تحقق السعادة لجميع من يستوطنها، وقد وضع عدة مبادئ ومعايير للمدينة الحلم أو المدينة الفاضلة والتي لا يمكن- بطبيعة الحال- تحقيقها إلا في خيال أفلاطون.
وبعده بقرون عديدة تبنى حلم وفلسفة أفلاطون العالم المسلم الفارابي وكان خياله أكبر و أوسع من المدينة الفاضلة حين تبنى فكرة تحالف الأمم في مجتمع إنساني فاضل وبقي هذا الحلم يراود البشرية وما زال مستمر.. ولكن تبقى هذه الأحلام مجرد أفكار خيالية لا يمكن تطبيقها وفرضها على الواقع.
والإنسان كائن لا حول له ولا قوة في كثير من السلوكيات مهما بلغ حرصه على التحلي بالأخلاق وبلوغ الرقي وهذه السلوكيات مجبول عليها وقد تتصادم وتتعارض مع خيال أفلاطون للمدينة الفاضلة والمجتمع المثالي، والإنسان كما وصفه القرآن الكريم ضعيف وعاجز أمام القدر( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفًا ).
فالإنسان لديه غرائز فطرية مثل حب الحياة والتملك وغرائز الأكل والشرب والزواج والتناسل وغريزة الأمومة والأبوة وهذه صفات مشتركة بين الإنسان والحيوان والفارق بينهما في عملية التنظيم فعلى الرغم من إستطاعة الإنسان تنظيم الغرائز إلا أن التفاوت والاختلاف والفروق السمة الغالبة على سلوكيات البشر لذلك صدرت القوانين التي تنظم وتحد من تصرفات وتجاوزات الإنسان.
و على الرغم من سعي الإنسان المتواصل للرقي بالأخلاق والتميز لكن يبقى عاجزا عن المثالية التي حلم بها أفلاطون والفارابي وغيرهم من الفلاسفة والمنظرين ولا يمكن أن يطبق خيالهم الجامح على هذه الحياة الدنيا فالإنسان مجبول على حب الحياة والتملك وحب الغرائز الضرورية للبقاء في الدنيا وبالتالي فهو كالريشة تتلاعب بها الريح كما تشاء فمساحة خياراته محدودة..
إذا لا وجود للمثالية والكمال على هذه الحياة الدنيا وعلى الإنسان أن يدرك بأن الخيال الجامح لن يحقق المثالية المنشودة..

كلمة في نهاية الغبشة؛
يقول برنارد شو؛ إذا كان كل شيء في هذا العالم إيجابيا لن يكون لدينا ما نفعله..
(ابو المنذر)