سامبا الخليج وجيل الذهب العماني

0
3286

محمد بن علي الوهيبي.

جاء عماد الحوسني صاحب الحركات واللمسات الأكروباتية وزميله بدر الميمني مع كوكبة مميزة من النجوم البارزين الذين لمعوا في سماء الرياضة العمانية، فكان أسلوبهما في اللعب يعتمد على المهارات الفرديّة بالإضافة إلى أسلوب اللعب الجماعي، ولكن اللعب الجماعي لا يؤتي بثماره إذا كان اللاعب لا يمتلك القوة والمهارة الكافية لاجتياز الخصوم وتسديد الكرات نحو مرمى الفريق المنافس، ولينهي الهجمة بتحقيق الهدف، لتكون المناورات الفردية هي الحل الأنجع وهذا بالضبط ما كان يمتلكه العمدة ويلجأ ويتكئ عليه بدعم ومساندة من التمريرات الذكية والماكرة لبدر عندما تغيب الحلول الأخرى، وكان عماد معروفًا بقدرته على اختراق وإرباك دفاعات الخصم، كما كان لافتًا بحركاته الأكروباتية عند تسجيل الأهداف.
وتحضر نجومية عماد وبدر التي طَبقَت شُهْرَتُهُما الآفَاقَ، وعَمَّت، واِنْتَشَرَت، وذَاعَت بما قّدماه من سحر وفن كروي لافت، وفي المتعة التي تفننا في إبرازها، والتي جعلتنا نتذكر زمن غلام خميس وسليمان المر بأسلوبهما الممتع، مع الأخذ بالاعتبار أن جيل غلام وجيل سليمان لم تتوافر له نفس الظروف والأسباب فقد كان زمنهما زمن آخر ومختلف لكنهما بقيا وسيبقيان في الذاكرة طويلا.
ليعذرني القارئ الكريم فأنا بصدد الكتابة عن النجمين اللامعين عماد وبدر وجيلهما الذهبي فلماذا أقحم غلام، وسليمان، أُجيب على الفور وسأقحم مارادونا، ويوسف الثنيان، ورونالدينهو، وميسي لأنني أتحدث هنا عن متعة كرة القدم وجمالياتها وسحرها فلابد أن تفرض هذه الأسماء نفسها وتكتبها الحروف بانقياد تام، تمامًا كما فرض عماد وبدر لعبهما وفنهما الجميل.

وأرجو بعد أن عرفنا مدى تأثير كرة القدم، في كونها صناعة مُربحة وجماهيرية تستحق الاهتمام والرعاية، فيجب أن يحظى الجيل الذهبي بكل الفرص ويمنحوا كل الثقة لقيادة الكرة العمانية في التدريب والتخطيط وإدارة المنتخبات وتحليل المباريات بما اكتسبوه من فنون ومهارات احترافية يعلمها الجميع.

ففي زمن عماد وبدر، وزمن جيلهما الذهبي المدجج بالنجوم كُتبت أجمل قصة فرح كروي حينما كان لكرة القدم ومواعيدها طعم آخر وبُعد آخر وفرح آخر وفي زمن ذلك الجيل لم تخرج الكرة (برع الملعب أوت) كما كنا نسمعها من المعلق التاريخي للكرة العمانية سالم بن سيف العادي.

أدرك تمامًا أن كرة القدم لعبة جماعية، وأعلم أن ذلك الجيل بأكمله، وبطاقمه الإداري والفني كان صانعًا للفرح الكروي العماني الأول وهو الذي كللنا بهالة السحر الكروي، وكللنا بهالة البطولة الأولى في العرس الخليجي الذي كان بمثابة كأس عالم مصغرة بالنسبة لأهل الخليج العربي، وحينها اكتسب اللاعب العماني شخصية البطل، وأهدى إلينا كل تلك الأشياء الجميلة، وذلك الزهو والفرح الغامر، وهو الذي نقلنا من المركز الأخير وما قبل الأخير إلى المركز الأول، ذلك الجيل أفقدنا اتزاننا وجعلنا نقفز عاليًا عند كل هجمة ونصرخ (جووووول) وأثبت لنا زمنهم أننا يجب أن نكون دائمًا في الصدارة فهذا ما يستحقه أهل هذه البلاد، طبعًا الصدراة ليس في عالم كرة القدم فقط بل في كل المجالات إذا وجدنا لذلك سبيلا!!.

وبعد أن تحقق ذلك الحُلم الذي انتظرناه طويلا، والذي امتد إلى أكثر من 35 عامًا أي منذ أول مشاركة لنا والتي كانت في 1974، ومن محاسن الصدف أن يكون التتويج الأول في مسقط عاصمتنا الجميلة حينما عانقنا الحُلم في خليجي 19 في 2009.
فشكرًا لذلك الجيل الرائع الذي حقق لنا شغفنا بعد أن كنا طوال العقود الماضية محطة استراحة للفرق الأخرى وكنا نذهب فقط لنحظى بشرف المشاركة!!، ولكن الآن والآن فقط كل تلك المشاركات ذهبت إلى النسيان.

وكان الجمهور العماني في 2009 أشبه بنهر جارف ظل حبيسًا دهرًا من الزمن ثم كسر كل الحواجز وأحدث الاجتياح الكبير.
فشكرًا للجيل الذي أسقط بالضربة القاضية ما يسمى بالحاجز النفسي لمفهوم الرهبة والخوف من المنتخبات الأخرى وشكرًا مليون للجيل الذي أسعدنا وأمتعنا كثيرًا بأداء كروي يخلب الألباب ويحبس الأنفاس، وعلى يديهم تحققت لنا أجمل أمنياتنا الكروية فشكرًا لجيل علي الحبسي، وفوزي بشير، وأحمد حديد، ومحمد ربيع، وخليفة عايل، وإسماعيل العجمي وأحمد كانو، وهاشم صالح…. إلى آخر قائمة عازفي السامبا.

الآن وبعد أن كسرنا كل حواجز الخوف من المواعيد الكبيرة، والرهبة من الأدوار العليا أصبح من حقنا أن نحلم ونأمل ونرجو أن تبقى روح الانتصار كزرع يسقى بماء الاهتمام والمتابعة، ولا شك أن بلادنا عُمان ولاّدة ومليئة بالمواهب.

وفي هذا المقام لابد لنا أن نحيي الاتحاد العماني لكرة القدم الذي يتقن تمامًا لعبة الهدوء والعمل الجاد بصمت، كما نحّيي مدرب المنتخب برانكو إيفانكو فيتش، وجيل السحرة الجدد الذي علمنا أن الأحلام لا تنتهي فهم الأمل والحُلم الذي نأمل أن يصعد بالكرة العمانية إلى كأس العالم، الجيل الذي يتكون من فايز الرشيدي، وأحمد الخميسي، وعلي البوسعيدي، وأمجد الحارثي، وحارب السعدي، وعصام الصبحي، والمنذر العلوي، وعبدالعزيز المقبالي، وخالد الهاجري إلى آخر القائمة، فلهم منا كل التقدير والاحترام، ونرجو منهم أن يستمروا في تقديم كل إمكاناتهم ومواهبهم الكروية، وأن يتمسكوا بروح البطل الذي يقاتل ويستبسل حتى الأنفاس الأخيرة من زمن كل مباراة تمامًا كما فعلوا مع اليابان.