رفقا بهم

0
1151

يحيى بن حمد الناعبي

أبناؤنا فلذات أكبادنا تمشي على الأرض، تحيطهم عناية الله تعالى، نرسم أحلاما زمردية لمستقبل مشرق لهم بإذن الله تعالى، نتجاوز عن بعض أخطائهم، ليس لأجل الخطأ وإنما لإصلاحهم وتربيتهم التربية الصالحة التي ترضي الله ورسوله، وترضي المجتمع الذي نعيش فيه، لأنهم النواة الأولى لذلك المجتع الصالح الذي هو عماد الأمة.

مانراه من تصرفات بعض الآباء هدانا الله وإياهم حيال أبنائهم حين يخرجون من بيوتهم إلى بعض الأماكن التي تعودوا على ارتيادها كأماكن التسوق والاستجام وغيرها من الأماكن، فترى ذلك الأب وتلك الأم يسمحون لأبنائهم بإخراج بعض أجسامهم كالأيادي والرؤوس من نافذة السيارة أو فتحة السقف، في منظر يخال إليهم أنه يبعث في النفس سعادة غامرة لأبنائهم، نعم يسعد الأبناء بذلك التصرف لبرهة من الزمن وتسعد أنت برؤيتهم كذلك ولكن ماذا يحدث لو قمت بالضغط على فرامل سيارتك فجأة وبدون أي مقدمات، فمخاطر الطريق ومفاجآته لا تنتهي أبدا، فمنها مرور حيوان أو حفرة في الشارع أو سائق آخر لم يعر للطريق أهميته ولم يلتزم بأنظمة المرور وقوانينها، فتراه مشغولا بهاتفه النقال طوال الطريق، تصور مثلا سقوط ابنك من نافذة السيارة أو فتحة السقف

وقد حدث ذلك في صلالة خلال فترة الخريف كما حدثني عنه أحد الإخوة الأعزاء، وقد سأله الشرطي عندما رأى أحد أبنائه وقد أخرج جسمه من نافذة السيارة، وقال له، هل أرواح أبنائكم رخيصة عليكم؟

تخيل معي واعذرني أيها القارئ على كلامي هذا، ماذا لو سقط أحد أبنائك في الشارع وأخذ الله أمانته، كيف يكون شعورك وأنت ترى ذلك المنظر المؤلم، هل ستندم، وهل ينفعك الندم في تلك اللحظة الحزينة، هل تتمنى عودة الروح إلى ذلك الجسد الطاهر المسجى أمامك، هل ينفعك ندمك؟!

سمعت قصة عن أحد الآباء وهو يقود سيارته ومعه زوجته وأبناؤه، وكان أحد الأبناء يحدث إزعاجا في السيارة بصراخه وشقاوته، فوبخه الأب توبيخا شديدا وقسى عليه في بعض كلماته، فزعل الابن من أبيه وأخذ يبكي ويبكي ولم يتوقف عن البكاء، وبعد لحظات ليست بالطويلة، تدهورت سيارتهم، وأخذ الأب يفتش عن أبنائه فوجد ذلك الابن وقد فارق الحياة، ياله من منظر مؤلم تقطع له قلب أبوه وانفطر له قلب أمه، فندم الأب ندما شديدا، ورجى رجاء من المستحيل تحقيقه، بأن تعود الحياة إلى ابنه لدقائق معدودات من الزمن، فيعتذر من ابنه ويقبله على جبينه ويطلب الصفح منه، ثم يأخذ الله أمانته مرة أخرى، بحيث يطمئن بأن ابنه الذي مات قد سامحه ولم يأخذ شيئا في قلبه، ياله من رجاء ويا لها من مصيبة عظيمة.

أيها الأبناء الأعزاء

رفقا بهم أولائك الآباء والأمهات وقد بلغوا من الكبر عتيا، استلطفوهم بكلامكم، لاتهجروهم، لبوا رغباتهم، اجعلوا لهم نصيبا من وقتكم الثمين إن كان ثمينا، فأوقاتنا كثيرا مانهدرها في أشياء لا تغني ولا تسمن من جوع، وقد أوصانا الله تعالى بالبر بالوالدين والإحسان إليهما، وخصوصاً عند الكبر، فهم في أمس الحاجة إليك وإلى من يخدمهم، ففي الكبر يعود الإنسان وكأنه طفل يحتاج إلى رعاية خاصة، وهذه سنة الحياة، وكما تدين تدان. عامل والديك كما تحب أن يعاملك أبناؤك عند كبرك، وهذه هي سنة الحياة، وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الوالدين.
عن أبي هريرة، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال ثم أمك، قال : ثم من؟ قال : ثم أمك، قال : ثم أبوك

فرفقا ثم رفقا ثم رفقا، بآبائنا أيها الأبناء الأعزاء، ورفقا ثم رفقا ثم رفقا بأبنائنا أيها الآباء الأفاضل، فنحن جميعا ندور في حلقة واحدة، فكما نحب أن يعاملنا أبناؤنا معاملة طيبة حسنة، لابد لنا كذلك أن نعامل آبائنا بمعاملة أفضل مما يعاملنا بها أبناؤنا، لكي نعيش في سعادة وأمان، ولكي نرضي ضمائرنا، ولكي نرضي الله ورسوله.

أسأل الله تعالى أن نكون سويا من البارين بوالدينا ونسأل الله تعالى حسن الخاتمة.