قانون الغاب في ظُلم الغُراب.

0
1529

بقلم /ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

يُحكى أن غرابًا تقدم لوظيفة ما، كما تقدم لهذه الوظيفة الكثير من الغربان، خضع الجميع للاختبار ثم خضع كل من اجتاز الاختبار للمقابلة الشخصية ، قُبل كل من أثبت شخصيته ولباقته في الحديث أثناء المقابلة،

نشر اسم كل من حصل على القبول في الوظيفة، بالجريدة الرسميه كما نشر تاريخ بدء ومباشرة العمل، وقد تواصلت لجنة التوظيف مع أحد الغربان، وقد استدعاهُ الموظف الوشق المكلف برئاسة هذه اللجنة،

لأن شهادته أعلى من مؤهلات باقي الغربان وعرض عليه التوقيع على تعهد بعدم المطالبة بدرجة المؤهل وأن يقبل بما هو دونها ، وفي الأصل لا يوجد قانون في الأرض يجبر هذا الغراب على أن يوقع على ظلمه وأن يرضى بأدنى من مؤهلاته

ولكن هذه هي شريعة الغاب، وإلا فما فائدة الشهادة التي درسها هذا الغراب وما الجدوى من دراسته في الكليات والجامعات ؟ وحتى لو وقع على ذلك فإنه في الأصل سيعطى حقوقه وستعدل درجته المالية بعد مضي عام من الوظيفة أو أكثر بقليل،

ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، رفض الغراب التوقيع في بادىء الأمر قال له الوشق ستفوتك الوظيفة وسيتأخر تعيينك وكما تعلم شح الوظائف الآن وسنتصل بغيرك ليكمل باقي إجراءات التوظيف وسيأخذ مكانك من ينتظر الوظيفة فهناك الكثير ينتظرون،

لم يقتنع الغراب فأوتي له بالدب ليقنعه ونقل له نفس كلام الوشق بالضبط، وزاد عليه يا هذا وقع ثم طالب بالدرجة ، اسمع مني واضمن الوظيفة، وبعدها سيكون أمر التعديل سهل، ويحق لك المطالبة بعد ذلك،

وقع الغراب بعد لوي الذراع وتحت الجبر ، وبالإقناع الكاذب وبالوعود الكاذبة التي دامت بعد ذلك لعقدين من الزمان ، لم ييأس الغراب فيها من كتابة المطالبات والسعي للمقابلات، إلا أن جهة عمله تصر على ظلمه رافضة طلبه في كل مرة،

متمسكين ومتشبثين بذلك التعهد الباطل شكلًا ومضمونًا وظلمًا واجحافًا وهنا يصرخ الغراب قائلًا: لا جدوى من الدراسة والشهادة إذا كان هذا هو مصير كل متعلم! وليس هناك من داعٍ لبناء الجامعات والكليات والإنفاق عليها إذا كان تسلط كل من أعطي مسؤولية ومنصب يكون هذا هو حاله مع أصحاب الشهادات والمؤهلات، لا سيما هذا الذي هو أعلاهم منزلة والمرجع لمثلِ تلك الأمور وهو الضبع،

وإلا فالنمر هو أعلى منه منزلة ولكنه ترك هذه الأعباء للضبع وهو الرافض الأول وقد احتار الغراب في رفض وتسلط الضبع وكأن بينه وبين الغراب ثأرٌ قديم، قام الغراب بحجز موعد لمقابلة الضبع واستعطافه،

ولكي يعرف أسباب الرفض من قِبل الضبع المتغطرس، جاء موعد المقابلة وكان الغراب في غاية الهدوء وقمة الاستعطاف إلا أن الضبع كان عابس الوجه مقطب الجبين وكأن كارثة حلت به، ونازلة وقعت عليه،

وكأن الغراب أتاه ليسأله من ماله الخاص، تلطف الغراب في حديثه مع الضبع سعادتكم كتبت إليكم مطالباتي والمرفوعة إليكم بالتزكيات ولا أعلم أين المشكلة قال الضبع بغضب شديد أنت وقعت على تعهد بعدم المطالبة بالدرجة

قال له الغراب :ومن وضع هذا القانون قال الضبع:هكذا القانون قال الغراب هذا ليس بالقانون بل هو يطبق على من تريدون تطبيقه عليه ، يحق للموظف المطالبة بمؤهله بعد عام، أو ليس هذا مؤهلٌ معترفٌ به؟ قال: الضبع وقد استثقل مطالبة الغراب وزيارته التي لم تدم بل ولم تصل إلى عشر دقائق قال له: انتهى كلامي قال الغراب: حسبي الله ونعم الوكيل،

خرج الغراب من مكتب الضبع ، مهموم البال وقد سن هذا الضبع هذه السُنة السيئة ليسير عليها بقية الضباع من بعده وعليه وزرها ووزر من عمل بها، وسيجني زرعه هذا وظلمه، وبالفعل قلدته بعد ذلك سائر الضباع ومن هم دونها
الكل يجحف الغراب حقه ويتجاهلون طلبه،

وقع في قرارة نفس الغراب محاولة الانتقال من هذه الجهة برمتها لأنه أحس بالظلم والإحباط فقال: في نفسه لم لا أجرب مع جهة عمل أخرى؟ لعل التوفيق يصحبني والحظ سيبتسم لي مع جهة العمل الأخرى

فخطى نفس الخطوات وتكللت مساعيه بالنجاح وأردفت عليه التزكيات بعد اجتياز المقابلة والنظر في المؤهل والشهادات، وقد بُشر بدرجة المؤهل بل وبمنحه الدورات وإكمال الدراسة فتمت المخاطبات والمناشدات،

ولأسباب كثيرة وممارسات مُجحفة تورع الغراب عن ذكرها توقف موضوعه وذهب سعيه أدراج الرياح، ورجع بخفي حنين، عاد لنقطة الانطلاقة من جديد وكأن شيئًا لم يكن، فلا هو الذي أعطي درجته المستحقة في جهة عمله الأولى ، ولا هو الذي انتقل للجهة التي أراد الانتقال إليها ليفوز بالدرجة ويحظى كما وعد بالدراسة والدورات،

وحينما يطبق الاستبداد تعم الفوضى ويتنوع الفساد، ففترت همة الغراب بعد خضم المطالبات وبردت جروحه وتلاشت في عينه كل الأمنيات،
حتى صدر قرارٌ بعد كل هذه المدة بالمسارعة في تغيير المسمى الوظيفي فحينما كان يطالب الغراب بحقه طوال تلك الفترة، لم يصغِ إليه أحد لأن الأمر كان يتعلق بالدرجة المالية،

أما الآن فالموضوع سهل وهو تغيير المسمى الوظيفي دون درجة مالية ليقال لهذا الموظف لا توجد لك درجة مالية وقد وصلتها بالأقدمية في الوظيفة، وقد تغيرت القوانين منذ عقد من الزمان فلا يمكن اعتماد أي مؤهل أو شهادة بعد نظام التصنيف الوظيفي الجديد، ولكن حجة الغراب كانت قوية قال لهم مؤهلي قبل التصنيف الوظيفي الجديد بعقدٍ من الزمان،

تفجر جرح الغراب القديم مجددًا بعد ركود طويل، ونشط بركان المطالبة بعد خمود طال أمده، طالب الغراب مجددًا وكتب التماسًا للنمر يشرح في طلبه ظلمه وما وقع عليه لم يطلع النمر على الطلب بنفسه ولكن طلبه هذا يتحول تلقائيًا لمن هو دونه

وبدوره يحوله للدائرة القانونية التي تبحث في الثغرات القانونية التي تكون مع إنجاح طلبه إن أرادوا له الإنصاف، وضد طلبه وإفشاله إذا كانوا لا يرغبون في إنصافه أصلًا فهم لغيره كرماء في الدرجات بالمحسوبية والتجاوزات، وله هو أشحة وبخلاء لأنه غير مهم لديهم ولا تربطه معهم مصالح ولا علاقات،

تفاجأ الغراب برد المدير العام (الثعلب) قبل أن ترد الدائرة القانونية، وقد رد بالرفض القاطع وأن التوظيف كان بمحض إرادتك أيها الغراب، تبين للغراب أن الثعلب المكار والمراوغ الغدار، يستبق الأحداث ليسير على نهج أساتذته الضباع في الظلم ولكن الغراب رفع ملفه لله وتحسب على الجميع وعلى كل من ظلمه من قريب أو بعيد،

هذا هو قانون الغاب وليتهم اكتفوا بهذا فحسب، بل كلفوا الحمامة الوديعة إحدى الموظفات، للتواصل معه وهنا كانت الصدمة فبعد أن سلمت عليه وتحدثت معه بكل لطف واحترام، ورد عليها بدوره كذلك بكل لطف واحترام ،

قالت له : فيما يتعلق بمسماك الوظيفي الجديد سيصبح كذا وكذا، قال لها: وهذا على أي مؤهل قالت :المؤهل الفلاني قال لها :ولكني حاصل على مؤهل أعلى منه، استغربت الحمامة !!! وقالت أنت حاصل على هذا المؤهل قال لها : نعم قالت: المطلوب منك التوقيع بالموافقة الخطية على قبول المسمى الوظيفي الجديد
قال لها الغراب وقعت من قبل ولن أوقع ثانيةً،

حينها تواصل معه من هو أعلى منها وهو الأخطبوط
وبدأ بالحديث المنمق، قال له الغراب كلفتم الحمامة بالتواصل معي وهذا ردي عليها ثم قال: نحن من أمرناها بذلك قال له الغراب : أيها الأخطبوط على الأقل اجعلوها على إلمامٍ تامٍ بالموضوع ثم كلفوها بعد ذلك بالتواصل مع من شئتم،

رد عليه الأخطبوط : أقول لك نفس القول وأطلب منك أن توقع قال له الغراب:
لا أوقع قال الأخطبوط : ليس لك شيء ، وضرب للغراب مثلًا بموظف تعين حديثًا بالنسبة للغراب، بذات مؤهل الغراب بعد أن قضى الغراب عقد من الزمان في الخدمة ولا مجال للمقارنة،

قال له الغراب: والخبرة والأقدمية هل يستوي من عمل منذ عقد من الزمان ومن أتى بالأمس؟ قال الأخطبوط لا جدوى فاتتك الدرجة، والمؤهل لا يقابله شىء في التصنيف الوظيفي الجديد ماذا تريد منا أن نعطيك ؟

قال له الغراب: ضربتم بالمؤهل والأقدمية والخبرة عرض الحائط كل هذه المزايا الثلاث لم تشفع لي خبروني بالله عليكم ماذا كنتُ أصنع طوال تلك الفترة هل كنت أتنزه في العمل وأنا لا أدري، وكنت أتطلع للدرجة المالية التي بخستموني إياها وظلمتموني حقها منذ تعييني وحتى الآن،

وليتني سكت عن حقي لتقيموا عليّ الحجة ولكني لم أمل ولم أكل من كثرة المطالبات، أما وقد تكالبتم عليّ فإن الأمر أصبح عندي سيان، افعلوا ما تريدون هدد الأخطبوط وتوعد وقال لديك أيها الغراب هذا المسمى الذي اقترحناه لك رضيت به كان بها، وإن لم ترضَ فإنك ستظل على المسمى الذي تعينت به وليس لك غير ذلك،

أجاب الغراب حتى ولو غيرتموه لما هو أدنى منهما، لم أعد أكترث قال الأخطبوط أنا مشغول الآن وقع لنا خطيًا بذلك، واكتب هذه الوظيفة التي اقترحناها لك، وبعد اغلاق المحادثة مع الأخطبوط،

تواصل مع الغراب موظف ثالث وهو الموظف الثالث الذي يتصل بالغراب في ذلك اليوم وهو القندس، فهم يتصلون بالغراب تباعًا الواحد تلو الآخر، قال له: أيها الغراب أنت صديقي القديم أرجوك اسمع نصحي هؤلاء لا يريدون لك وارض بهذا ولا جدوى من محاولاتك

قال له الغراب : يا صديقي أتريدني أنت أيضًا أن أوقع؟ قال له القندس: لا توقع ولكن اكتب ليس لديّ مانع من الوظيفة التي اقترحتموها لي قال الغراب حسنًا ألا تريدني أن أكتب ماهو دونها؟ قال القندس: لا اكتب الوظيفة التي رشحوها لك من قبلهم وكفى

قال: سأفعل
كتب الغراب مستحكمًا باالله وقد فوض أمره لله الذي يسمع شكواه ونجواه، وتحسب على كل من ظلمه وآذاه من قريبٍ أو بعيد، توالت بعد ذلك الاتصالات وكل ذلك تبريرٌ وتمرير هكذا أسماهُ الغراب،

تمنى الغراب لو أنه قابل الأسد المسؤول الأول عن ما يدور في هذه الردهات وهذه المؤسسات، لينظر في أحوال من هم تحت إمرته وتصرفه، ليطلع على أحوالهم بنفسه فينصر المظلوم وكل من هم على شاكلة الغراب، ويحاسب كل هؤلاء الذين استخدموا المناصب للمصالح والأهواء

ختامًا وأمنية أخرى للغراب، أن تجسد هذه الأحداث كفنٍ أدبي ومسرحي ، على خشبة المسرح بأسلوبٍ ساخر لأنه واقعٌ أليمٌ ومرير، كان الله في عون هذا الغراب وكل غراب عانى مثلما عانى هذا الغراب.