سفر مع المطر

0
854

بقلم بدر بن عبدالله الهادي

كالناسك ينصت مصغيا لصوت خيوط المطر نازلة على أرصفة الطرقات، فجأة يصرخ في وجوه غير مرئية.. لست هنا، أرحلوا بعيدا عن عالمي، لست سوى عابر سبيل يصحبني ظلي المائل وحين أقضي عقوبتي وأحصل على حريتي سأخرج من معبدكم الملئ بالجرذان لأرى أسراب الطيور تنحدر نحو النخيل لتحط فوق الطلع النضيد، سنين مقفرة وأنا ممدد جسدي، التحف السماء وأتوسد أديم الأرض، أسمع صوت دقات قلبي المرهق، وأتخيله نغمة ناي حزينة تعزف في الظلام، أصرخ.. الصوت يسافر بعيدا يشق ظلمة الليل ذلك الأسود الذي لم يعد ملاذا للمقهورين ولا الموت أصبح دافئا كما كان يتوهم المنتحرين، لا أعلم كم لبثت وأنا أتجرع مرارة حقدكم يوما أو بعض يوم، ربما سنين عدداً من الخراب وما زالت سكاكين عيونكم نافذة في صدري.
ارحلوا بعيداً، أتركوني أشعر بالإختناق حين أشاهد وجوهكم القبيحة، ارحلوا بعيداً ،اخرجوا من الباب الذي دخلتم منه أول مرة بهدوء تام ،دعوني أنسج للريح حروفا مبتورة، وما بين خطوط العرض وخط الاستواء أشم روائح كريهة كرائحة الجثث المتفسخة.
ارحلوا فأنا عابر سبيل، دعوني انكمش على نفسي مذعورا، أسلك دربا لم أسلكه من قبل ،أتلو صلواتي في جوف الليل في وحشته وفي نفسي خوف أجهله ،أفصل نعشي على جسدي والعن.. يا ظلم الإنسان كم كان جهولا وحقودا وهو يتقمص روح الشيطان، لم يعد الصبح رفيقا للمبصرين ولا الليل صار صديقا للعميان والافعى ذات الاجراس ما برحت تغرس انيابها.
أين أنت أيها الغد، مكثت أنتظرك قرونا وحين أتيت أبكيتني حتى أستطال البكاء إلى السماء لينزل على الأرض مطر مالح … يصمت وقد عاود الانصات إلى خيوط المطر وهي تنهمر على قارعة الطريق.
في الصباح وجدوه نائم على الرصيف متوسدا ذراعيه وفي يده ورقة كتب عليها( اليس لهذا البحر من مرسى ) لتفتح الأرض رحمها للقادم الجديد.