عندما يكون الكلام شيء والحقيقية شيئًا آخر.

0
1486

محمد بن علي الوهيبي

أكتب هذه السطور وأنا أتابع أخبار محاكمة النتن ياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني في تهم تتعلق بالفسادوخيانة الثقة.

وأقول ماذا يمكن أن نذكر عن الذين يجلسون وراء مكاتب مثقلة بالأوهام والخيبات والصفقات الخفية، و عن معسول الكلام وحلو الوعود؟!!، وماذا يمكن أن يقال عمن يضعون الأهداف والغايات دون اعتبارات أخلاقية! ودون التفكير في الوسائل وما تكلفه من أرواح وتضحيات، وكأنهم يرددون “لايهمّني كِيف تراني فأنا غالبا لا أرى أحد”.

في هذا السياق أتذكر عندما كان مقر عملي في منطقة القرم (مبنى معهد المعلمين – لاحقا المناهج والتدريب) كان ذلك في عام 2003م عندما قررت إحدى دول الخليج العربي التعاقد مع معلمين عمانيين ليعملوا في مدارس بلادها وحضر مندوب تلك الدولة ومعه أحد المسؤولين بوزارة التربية والتعليم لإجراء المقابلات وعرض قيمة الرواتب والحوافز للراغبين في التعاقد.
وقبل المقابلات مر علي بعض المعلمين واخبروني بأنهم تقدموا للحصول على هذه الفرصة حرصاً منهم في الحصول على رواتب مجزية مقابل الابتعاد عن وطنهم وأهلهم لعدد من السنين آملين في تحسين أوضاعهم المعيشية.
ثم انطلقوا إلى المكان المحدد وبعد وقت قصير عادوا مودعين وليخبروني بأنه تم مساومتهم على الرواتب كما لو كانوا في سوق للسمك أو الخضار واخبروني بأنهم رفضوا هذه المساومات وسيعودون لمحافظاتهم .
وبعد ذهابهم جاء من كان يرافق مندوب تلك الدولة ليطلب مني محاولة الاتصال بالمعلمين لإمكانية إقناعهم بالعودة
وكان قد رآهم يخرجون من المكتب الذي كنت أعمل فيه، وابلغني بأنه سيتم رفع أرقام الراوتب عن تلك التي عرضوها عليهم وبالفعل قمت بالتواصل مع المعلمين بعضهم عاد، وتم التعاقد معه وبعضهم لم يعد.

وبالتأكيد أن هناك أمثلة كثيرة تعرفونها حول هذا الجانب، والعجيب في كل هذا إذا كان المعني في تلك البلاد وهو رب العمل أراد أن يمنح الأجر المجزي مقابل العمل والنتائج الإيجابية التي سيجنيها وفقاً لما يراها هو لماذا نقف نحن حجر عثرة؟!، ونصر على تخفيض الأجر ولمصلحة من؟!
في الوقت الذي كان يجب أن نقف مع إبن البلد الذي يعمل بكد وإخلاص ونطالب له بأعلى الأجور وأعلى المخصصات المالية ليعيش عزيزا كريما مقابل خبرته وجهده وعرقه.

أتساءل هل نحن بحاجة إلى تغليف آذاننا وعقولنا للحفاظ عليها كما لوكانت هشة وعرضة للتلف والكسر ؟!
كل شيئ يشير إلى أننا بصدد أيام وليال لم نعد نعرفها و بالتأكيد هي أيضا لا تعرفنا .
وبعد هذا سيأتي من يخبرنا بأن علينا أن نتمسك بأحلامنا لنتمكن من التحليق عاليًا .

يا عزيزي ما أجمل هذه الأرض وما أبشع ما يجري فيها من تغيرات متسارعة تركض عكس عقارب الساعة وخارج نطاق العقل.

رأينا كيف تستغل بعض الحكومات الكوارث الطبيعية والأوبئة
بغرض التقليل من هيمنة الدولة وسيطرتها.
بمعنى أن ترفع هذه الدول يدها عن الجانب الاقتصادي وتخلي مسؤولياتها تجاه حياة الناس ومعيشتهم بينما تتمسك هذه الحكومات بالجوانب الأخرى التي تعزز من سيطرتها وجبروتها على هؤلاء الناس واخضاعهم لكل أنظمتها وقوانينها المبتكرة لتعزيز هيمنتها ووجودها.
ثم تقوم بتمرير بيع مقدرات وخيرات البلاد لبنوك أجنبية وشركات متعددة الجنسيات تحت عناوين فضفاضة مثل الخصخصة، وتحرير التجارة إلى أن تصل إلى الهدف المنشود وهو خفض الإنفاق الاجتماعي والتخلي عن مفهوم الدولة الريعية كما يروجون.
سبق وأن رأينا كيف استغلت إحدى الدول كارثة تسونامي لطرد الصيادين من قراهم الساحلية لبيعها لشركات الاستثمار السياحي.
ورأينا أن كل الحكومات التي سلكت هذه الطرق نتجت عنها في نهاية المطاف سياسات لا يُحمد عقباها، وتبين بأنها كانت سببا للكساد وتفاقم الفقر في تلك البلدان .