قراءة في مواقع التواصل الاجتماعي : ” نبض عمان ” أنموذجا

0
2271

ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي في مطلع الألفية الثانية كنافذة للحوار السمعي و السمعي البصري لتشكل بذلك طفرة نوعية في نقل الإنسان من عالمه الفيزيائي إلى عوالم افتراضية لا محدودة

وظهورهذه التطبيقات الإلكترونية أفرز مصطلح  ” الإعلام الاجتماعي الجديد ” ، الذي بدأ كعالم افتراضي بسيط ومحدود ثم ما لبث أن انتشر على نطاق واسع وتحول بفضل حركته الديناميكية المتسارعة من مجرد مادة نصية مكتوبة إلى أداة سمعية بصرية موجهة للسلوك البشري ومؤثرة في ميولهم واتجاهاتهم واستجاباتهم . فبعد ظهور موقع ” الفيس بوك ” في العام 2004 وصل عدد مستخدميه في الوطن العربي بعد سبع سنوات  إلى ” 15″ مليون شخص كما ورد في إحدى الدراسات الميدانية وفي العام 2006 انتشر موقع ” التويتر” الذي يسمح لمستخدميه بإرسال ” تغريدات” لا تزيد عن “140” حرفا وقد تم تعريبه في العام 2012″ أي بعد احداث ما اطلق عليه الربيع العربي في2011 التي شهدت ثورات اجتماعية في كافة أرجاء الوطن العربي. ويعد موقع ” التويتر”  أكثر المواقع تأثيراً مقارنة بمواقع التواصل الاجتماعي الأخرى رغم ان ” الانستجرام” الذي ظهر في العام  2010 بلغ عدد مستخدمية أكثر من ” 150″ مليون شخص وكذلك ” سناب شات ” الذي ظهر في العام 2012

إلا ان موقع ” التويتر ” يظل أكثرها إثارة وتأثيراً فتغريدة واحدة يمكنها أن تؤثر في قرارات اجتماعية وسياسية واقتصادية . وعلى الرغم أن لهذه التطبيقات آثار جانبية ضارة تتمثل في حوادث المرور وفتور العلاقة الأسرية وظهور حالات الانطواء والاكتئاب إلا ان ميزاتها كثيرة ومتعددة وللثقافة المجتمعية دور مهم وفعال في بناء وعي الفرد للتعامل مع تلك التطبيقات بشكل إيجابي . ومع أهمية تلك التطبيقات الاكترونية السابقة يأتي ” الواتس اب” في قائمة الصدارة من حيث الفاعلية والتأثير والانتشار فقد ظهرفي العام2009  وبعد خمس سنوات من ظهوره وصل عدد مستخدميه إلى ” 450″ مليون شخص والعدد في تزايد مضطرد .لقد تحول ” الواتس أب ” من مجرد دردشة بين شخصين إلى مؤسسة مجتمعية بل أصبح من أكثر مؤسسات المجتمع المدني فاعلية وأثراً في التغيير ومن الأمثلة على ذلك مجموعة ” نبض عمان ” الواتسبية التي حددت لنفسها مساراً وفق أهداف مجتمعية وطنية عمانية .

هذه المجموعة تضم عددا من العقول العمانية ذات تخصصات متعددة ومراكز وظيفية متنوعة ومدارس فكرية تختلف لتتفق تعنى بكل قضايا وطننا العماني في الداخل ، والجميل في هذه المجموعة الوطنية أن بها عددا من صناع القرار كأعضاء مما جعل المجموعة تختصر المسافة والزمن في الوصول إلى المسؤول لإيصال صورة الواقع إليه ومحاورته مباشرة دون أن يتدخل مقص الرقيب الذي يعمل ليل نهار على بتر الحقائق وفلترة القضايا ومكيجة الوجه القبيح . مجموعة ” نبض عمان ” استطاعت أن تصنع من موقعها الافتراضي برلمانا محسوسا انتقلت به من عالم الافتراض الى عالم الواقع من خلال الأمسيات والندوات والمشاركات المجتمعية وتحويل مداخلات أعضائها إلى مقترحات لتقديمها إلى مكاتب صنع القرار.

هذه المجموعة أعدها نموذجا جيدا لتصبح مؤسسة مجتمعية تشارك في صنع القرار وتؤثر فيه جنباً إلى جنب مع مجموعات أخرى فاعلة ولها دور ملموس في السياق نفسه .

إن مجموعة “نبض عمان” ومثيلاتها من مجموعات الواتس أب استطاعت أن توصل رسالة عظيمة القيمة وهي أن مواقع التواصل الاجتماعي التي ذكرتها في سطور مقالي هذا يمكننا ان نوظفها توظيفا إيجابيا في تحقيق تنمية المجتمع وتطويره في كافة جوانب الحياة . وهنا أشير إلى أن على صانع القرار أن يدرك أهمية هذه المواقع في التواصل مع المجتمع وأن يخرج من وحدته ويتخلص من وهم فردانيته وأن يتخذ من هذه المواقع باباً ينطلق من خلاله إلى المشاركة المجتمعية فقد منحه الله أذنين وعينين ولساناً واحداً فعليه أن يسمع ويستمع قبل ان يتحدث وأن يرى ويشاهد ويحاور قبل أن يحكم فلا يشعر بالهم إلا صاحبه ولا يمكن للمسؤول أن يشعر بهموم المواطنين مالم ينزل إلى واقعهم ويلامس عيشهم فالأبواب المغلقة سجن ولا فرق أن يجلس السجين على الأرض أو على أريكة أنيقة غالية الثمن فكلاهما محروم من المشاركة في بناء الحياة الإنسانية وتنميتها. ختاماً أتمنى أن تتاح مساحة أكبر لمؤسسات المجتمع المدني لتمارس أدوارها ومشاركتها المجتمعية في صنع القرار لتحقيق مزيد من الديمقراطية النافعة التي تسهم في بناء التنمية الشاملة المستدامة وتطويرها.

د.هاشل بن سعد الغافري
أكاديمي وباحث تربوي
dhashil@hotmail.com