صياء

0
3701

يحيى بن حمد الناعبي

تقع قرية صياء جنوب شرق محافظة مسقط، وتبعد عنها نحو ٥٥ كيلو، وهي تابعة لولاية قريات.

القرية لوحة إلهية ذات جمال أخّاذ، وجنة وارفة وسط جبال سامقة، حيث جعل الله لها مستقرا وادعا خلف الجبل الأسود، الذي يعد من أكبر الجبال في سلطنة عمان ٠

تشكلت تحفة رائعة وصارت واحة جميلة خضراء تحفها البساتين والنخيل الباسقات التي تحاكي عظمة تاريخها العميق الموغل في القدم بما تحويه من أفلاج كالمبغي، والمسموم، و المجاري، و الشيحاني، و الطوينة، وفلج بني صقر، و الغنيمبي، و الغرو، و بوقرامة، والزبري.

وبها عدد من العيون المائية العذبة كعين المقصع، وعين البدعة، وعين الكلهي، وعين صرم مجبأ، وعين محلاح، وعين الروغ، وعين العارض.

وتشتهر صياء بزراعة أنواع مختلفة من النخيل مثل الخلاص، والخنيزي، والنغال، والخصاب، والزبد، والبرني، وغيرها ٠

كما تزرع أشجار الليمون، والمانجو، والسفرجل، والنارنج، والرمان والمستعفل، والفافاي. ولأن هذه المزروعات تحتاج إلى المياه لريها فقد حبا الله صياء بعدد من الأفلاج كما أسلفت سابقا ولكل فلج من هذه الأفلاج تاريخ وأحداث وقصص.

وعطفًا على قصص الماضي فهناك العديد من الآثار القديمة التي مازالت تقف شامخة على أرض هذه البلدة تحكي أصالة الماضي التليد من حصون وأبراج وبيوت ومعالم أثرية تبرز تاريخها ومجدها العريق.

وتتمتع صياء بمناطق جذب سياحي تأسر الألباب، وتلهم الشعراء بما تحتويه من مياه متدفقة وأشجار وارفات ونخيل باسقات تبهج النفس وتبعث الراحة والطمأنينة والهدوء من صخب الحياة.

قال عنها الشاعر سليم بن سالم الناعبي الملقب ( بالقلالي):
فيها صياء القول بادي
ماشي تبازيها بلادي
عمرها المبغي بلا سمادي
ونضودها بعد النخيل
ويا صيا مايلش مثيل

وقد تغنى الشاعر سليمان بن ناصر المعشري بقصصه وحكاياته الغزلية.

وقد شكلت صياء لوحة جمالية طبيعية تجلب السواح، فيحتضنها الجبل الأسود كحصن واق ودرع حصين يحميها من عثرات الزمان.

إن للخيل العربية الأصيلة دورا كبيرا في المسابقات التي كانت تمارس في العصور الماضية.

وقد كانت صياء تحتضن أكثر من ٢٠ معملا للنسيج والتي تسمى محليا ب ( الكارجة) وكان نسيجهم ذا جودة عالية، وقد أهدى العلامة الليبي سليمان باشا الباروني في القرن الماضي عمامة فاخرة لسلطان زنجبار، وكتب له بأنها من صنع صياء، وذكر أنه بلغه أن صناعتها تروق للسلطان .

وضمن فعاليات مسقط عاصمة السياحة العربية، وبهدف الترويج للسياحة الداخلية قامت وزارة السياحة بتنظيم رحلة سياحية إلى قرية صياء، شارك فيها عدد من المواطنين والوافدين استمرت يوما واحدا، استمتع خلالها المشاركون بجولة بين الأشجار وشاهدوا الأفلاج وعبروا الوديان.

فمن أوديتها وادي جلهب، والجام، والبذاري، والمجحوس، والعليمي.
ومن الشراج شرجة العين، وشرجة الصبيا، وشرجة النصف ( الشويعة) وشرجة عارض خصيب، وشرجة العاشر.

وقد قامت الحكومة الرشيدة في ظل النهضة المباركة بإدخال الكثير من الخدمات كالكهرباء التي تم توصيلها إلى البلدة عام ١٩٨٣ م والطريق الإسفلتي عام ١٩٨٤ م، وكذلك المرافق التي تخدم البلدة وساكنيها كالمركز الصحي والمدرسة التي تخدم البلدة والقرى المجاورة لها، حتى تمهّد لهم الحياة وتضمن لهم العيش الرغيد.

كما أولت الحكومة اهتماما بالغا بالأفلاج وبناء المساجد وإنارة الطرق الداخلية والخارجية وغيرها من المشاريع الحيوية الأخرى.

وقد وصفها الشاعر الأستاذ سيف بن سليمان المعولي في قصيدة رائعة :
في (صيا) تحت القمر
فاض شعري وانهمر
هام قلبي وانفطر
تحت عزف للمطر
في (صيا) بالمختصر
الندى طبع البشر
والمعاني والصور
لامعات كالدرر
من يعش فيها يفز
بالمعالي والظفر
مع أناس حبهم
في فؤادي مستقر

وعند الأمطار التي تزيد البلدة جمالاً وبهاءً، تتحول جبالها الشامخات إلى شلالات طبيعية تأسر القلوب وتبهج الأنظار مضاهية شلالات دربات في صلالة.

وقد ذكرها العوتبي في الأنساب قبل قرابة ألف عام، مسميا إياها ب ( نفوسة حطاط) لأنها تسحر الألباب.

فعلا هي ساحرة بحاراتها التي بنيت بهندسة وتصاميم جميلة وفق الطراز الإسلامي العماني، كبيت البستان الذي بناه الوالي سيف بن حنظل البوسعيدي وسور الحصن ومنطقة الحصن التي تقع بداخل هذا السور، التي كانت حاضنة لجميع سكان صياء.

ومن أبراجها برج الحصن، وبرج القبة، وبرج العواوية، وحصن الملك.

فحارات صياء كعقد ثمين يحمل لآلئ تبهر الأنظار مقسمة كما يلي : الحرف، والعبيدية، والمعقد، والجهيمية، والرفعة، والحصن، والحارة، والظيهر، وشيحا، والرفصة، والسيخمين، والمحترقة، والشرجة، والظاهر، والمتنة، وسيح الطويل، وحيل الطوينة.

وتنتشر مساجد ( العباد) في أماكن عديدة في البلدة للمنقطعين للتبتل والاعتكاف.

وتنتشر في صياء كثير من المقابض ( أبراج عسكرية) والتي كانت تستخدم في القدم إما للمراقبة أو القتال، كما تنتشر مقابر قديمة جدا ومنها ماهو موجود أعلى الجبل الأسود جهة وادي جلهب.

وقد سكن هذه البلدة نخبة من العلماء في العصور الماضية، منهم العالم الفقيه قليم بن شامس الأخزمي، وعدي بن محمد بن جمع بن محمد بن راشد بن محمد الأخزمي.

والحديث عن صياء ذو شجون فمهما حاولت أن أصف لكم محبوبتي صياء فلن أستطيع ذلك بل تقف كلماتي حائرة، فأحاول أن ألملم الأفكار، وأجمعها من هنا وهناك لأصوغها في قالب جميل لبلدة جميلة .

صياء كما قال أحد المحبين المغرمين بحبها بما يحمله من ذكريات جميلة غالية :
صياء وما أدراك ماصياء
بهجة النفوس والراحة والاطمئنان

هي حقًّا بلد طيب
( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه)
“الأعراف، ٥٨”
فيجب علينا جميعا أن نحافظ على هذه النعمة العظيمة التي امتن الله بها بما تحتويه من مناظر طبيعية وأفلاج وعيون، ونخل وليمون، وفاكهة ورمان، لتبقى ضياء حاضرًا عبر الأزمان.
وختامًا صدق من قال فيها:
وإذا أضيفت نقطة في صادها
صارت ضياء والضياء حليفها

الأحد ٩ رمضان ١٤٤١ ه
الموافق ٣ مايو ٢٠٢٠ م

المراجع / جريدة عمان الصادرة يوم الأحد ١١ رمضان ١٤٣٩ ه
الموافق ٢٧ مايو ٢٠١٨ م
_ تقرير عن قرية صياء من إنتاج الأستاذ خالد بن خلفان الأخزمي
_ مقال لهلال بن حمد الناعبي في مجلة الشعاع لفريق اتحاد صياء الرياضي الثقافي.