سرِّي للغاية

0
1464

بقلم : عبدالله الراشدي – أبو وسام

في ظلّ انتشارِ وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة قوة تأثيرها على الرأي العام في أي مجتمع ومع التطور التقني المتسارع، يُلاحظ في الفترةِ الأخيرةِ زيادةُ ظاهرةِ تسريبِ ونشرِ الوثائق بمختلف تصنيفاتها من حيث درجة السرية بدءاً بالمكتوم والمحدود والسري وصولاً إلى أعلى درجات التصنيفِ المعنون ب “سري للغاية” .

ورغم أن تسريبَ الوثائق التي تحمل التصنيف الأخير لم يصل لدرجة يمكن أن نطلقَ عليها
“ظاهرة ” من حيث كثرة عدد الحالات إلا أنَّ المعطياتِ الحاليةَ تعكس مسارَ هذا السلوك من حيث اتساعُ الجرعةِ وزيادةُ الجرأةِ على اتباع نهجٍ يتنافى مع كل المحاذير الخاصةِ بالأخلاقياتِ المهنيةِ والمقتضياتِ العرفيةِ والعقوباتِ القانونية.

وبعيداً عن الآثارِ السلبيةِ الناجمة عن هذا السلوك وما يتبعها من عملياتِ التحليلِ والتأويلِ والتهويلِ لمضمون الوثيقةِ المسربة، إلا أنه من الضروري معرفةُ أسبابه ودوافعه ودراستها ومحاولة إيجاد حلولٍ جذريةٍ لمعالجتها وعدم الاعتماد فقط على الرادع القانوني ؛ سواءً لمن يقوم بتصوير الوثيقة أولاً أو لمن يتولون التسابقَ في إعادة النشرِ لاحقاً.

فهل يمكن تبريرُ هذا السلوك برغبة البعضِ في فتح ملفاتٍ معينة وكشف المستور أمام الرأي العام حتى يتم الضغطُ على الجهاتِ الرقابية والجهات المختصة الأخرى من باب التنبيه إلى بعض الثغرات التي قد تكون غفلت عنها، أم هي ردةُ فعلٍ لموظفٍ يشعر بالأسى والقهر لما قد يظن أنّ هناك تجاوزاتٍ إدارية أو مالية ولابد أن يتم إبرازُها، وهل القيامُ بإعادةِ نشرِ تلك الوثائق مرتبطٌ بمدى تعطش البعض لسماع أخبارٍ جديدةٍ عن تغييرات طال انتظارُها ، وآن الأوانُ لتحقيقِها ؟!

وبغض النظر عن الأسبابِ والمبرراتِ التي يستند إليها من يقوم بتصوير ِ وتسريبِ الوثائق السريةِ إلا أنَّ الفعلَ ذاتَه – وكما ذكرنا سابقًا – يتنافى مع مبادئ الثقةِ والأمانةِ في العمل ولنكن على يقينٍ بأن فاعليةَ الجهودِ التوعويةِ أو العقوباتِ القانونية لمواجهة هذه الظاهرة وأيةِ ظواهر مماثلة في المجتمع ستثمرُ بشكلٍ أفضل عندما يتم التحققُ من الأسبابِ المحتملة – كالآنفةِ الذكر – وضمانِ عدم تكرارِها لاحقاً، فالمجتمعاتُ مثل ما تُبنى بالأنظمةِ والقوانين لابدّ كذلك أن تُبنى بالقناعاتِ والموازين .