عندما نؤرخ للزمن التربوي ، والتعليمي الحديث بالسلطنة بشكله الأعم والأشمل فإنه يبدأ مع بواكير العهد الجديد لعمان عام1970م .
فعاد من كان خارج البلاد ليسهم في بناء هذا الوطن كل من جانبه وحسب خبرته ، فكان أكثر ما تحتاجه أي بلاد في مراحل البدايات إلى معلمين يشعلوا قناديل النور ويضيئوا الطرقات المعتمة .
فرجع عدد كبير من أبناء هذه البلاد وكان من ضمن الذين عادوا الأستاذ والشيخ المكرم أحمد الزبيدي الذي سجل حضوراً تربوياً تعليمياً لافتاً…
تشهد على ذلك أجيال متعاقبة تتلمذت وتخرجت على يد هذا الرجل يصافح وجوهها أينما أتجه ،والزبيدي من الاسماء التي لا يمكن أن تذكر مسيرة التعليم والقائمين عليه على امتداد جغرافية هذا الوطن إلا ويأتي في مقدمتهم وهو من الرواد الأوائل للتعليم الحديث بالسلطنة حيث بدأ عمله في مهنة التدريس في المدرسة السعيدية بصلالة 2/9/1972م ، وفي 1974 عين نائبا لمدير إدارة التربية والتعليم بالمنطقة الجنوبية آنذاك.
وتنطلق مسيرة رجل وهب عمره وجهده على مدى 42 عاما في خدمة أنبل وأشرف ميادين الكفاح والعطاء ألا وهو الميدان التربوي والتعليمي وليشارك بفاعلية في وضع اللبنات الأولى للتعليم في السلطنة ويمضي مع الأعوام الدراسية ليتعهد النبضات الأولى لوطن يستعيد ألقه وكبريائه مع قائد زهت به أيامنا وكل سنين أعمارنا ….
وفي 1976م تقلد الزبيدي مسمى مدير إدارة الظاهرة التعليمية وكان مقر الإدارة في البريمي ليقود مسيرتها التربوية في تلك الفترة وفي عام 1981م عُين الزبيدي في منصب مدير مكتب شؤون المناطق التعليمية التابع لمكتب وكيل وزارة التربية والتعليم وفي العام الذي يليه عُين مديراً للمناهج ولكن رحلة أستاذنا الزبيدي التعليمية الأبرز والأبقى أثرا كانت في العاصمة مسقط عندما عُين مديراً لإدارتها التعليمية في م1/11/1983 قبل أن يتم رفع مستوى بعض الإدارات التعليمية إلى مديريات وطبعا كان من ضمنها مسقط التعليمية حيث تم ذلك كما أذكر في العام (1988م) .
فكان الأستاذ أحمد الزبيدي مدير للإدارة ثم مديرا عاما للمديرية وكان معه مجموعة من أبناء الوطن أخذ بيدهم وساندهم وهم يصعدون أول سلم الوظيفة فصار منهم القيادات التربوية ،والتعليمية ومن الأسماء التي أتذكرها في مبنى إدارة / مديرية مسقط التعليمية الأساتذة هزيم البلوشي وأحمد دراز ومحمد بن درويش البلوشي ود. سالم بن سعيد البحري وعلي بن سعيد الخروصي وأحمد الصابري وهلال الزدجالي والمرحومة شيرين الغماري والمرحوم محمد رفيق الصالح وجليله السرحاني والمرحومة الدكتورة عائشة عسقلان وعبدالله المشايخي وحمود المعولي وعبدالله العامري وخميس بن هلال الوهيبي ونجيب الخنجري ويعقوب الهدابي
وآخرون ومن مدراء المدارس أتذكر الأساتذة : سعيد الدرمكي وسليمان الوهيبي وناصر بن مالك البطاشي وخليفة بن جمعه البلوشي وسالم بن محمد الوهيبي وسالم بن جمعه الهوتي وجمعه المخيني وعامر بن سالم البطاشي وعبدالله الخروصي وفريد اللواتي والمرحوم محفوظ بن علي الوهيبي وعلي عبدالرضا ومرهون بن ناصر الوهيبي وسعيد النبهاني وخميس بن سيف الوهيبي وكريم بخش البلوشي وجمعه بن راشد الوهيبي وعلي بن محمد الوهيبي وأخيه صالح بن محمد الوهيبي وسيف الوهيبي وأحمد الحضرمي ومحمود بن سعيد الجابري و أخويه حمدان وإبراهيم ومحمد بن عبد الله الوهيبي وحسين بن محمد البلوشي وحسن عبد الرب اللواتي وسليمان بن خلفان الوهيبي وعلي تقي القبطان وناصر بن هلال الوهيبي وحمد العمراني.
ويتسارع النمو في قطاع التعليم في البلاد لمواكبة ركب الحضارة وأتذكر أن وصل عدد المدارس إلى (150)مدرسة في محافظة مسقط التعليمية وحدها ،والتي تشمل ولايات السيب ،وبوشر ،ومطرح ومسقط، والعامرات ، وقريات .
كما أذكر أيضا أن جزيرة مصيرة وفنجاء وبدبد كانت تتبع مسقط تعليمياً في ذلك الوقت.
واستكمل حديثي عن أستاذنا الزبيدي الذي عرفه الجميع كعنوان للجد والنشاط والإخلاص في العمل ، وهو من الذين لا يهدأ لهم بال ولا يقر لهم حال إذا كان هناك خلل في العملية التعليمية حتى يبادر إلى متابعته ، وإصلاحه وكان حريصا على القيام بالزيارات والمتابعات الميدانية وتشكيل فرق الإشراف لتغطي كافة أرجاء المحافظة التعليمية للوقوف على كافة احتياجات المدارس ومتطلباتها ومتابعة مستويات طلابها ، فهذا التربوي المخضرم .
وكما عرفته لا يركن أبدا إلى جلسة المقاعد الوثيرة في المكاتب وفي هذا السياق ذكر لي الأخ والصديق العزيز الدكتور سالم بن سعيد البحري (مستشار وزيرة التربية والتعليم حاليا)و الذي كان قريبا من الأستاذ أحمد في تلك الفترة بحكم عمله في ذلك الصرح التربوي (إدارة/مديرية مسقط التعليمية )
أخبرني بأن الأستاذ أحمد تعرض مرة لحادث تدهور وهو في طريقه إلى ولاية قريات في أحد المتابعات الميدانية .
حيث كان ينطلق مبكرا ليصل إلى المدرسة قبل بدء اليوم الدراسي ، ليعيش الطابور الصباحي والمواقف التعليمية لحظة بلحظة في مدارس قريات والقرى التابعة لها ضباب ، و فنس والمزارع والحيل ووادي العربيين .
وفي ذلك الزمن كانت الطرق أغلبها تمر بالأودية والجبال الشاهقة ، و كانت غير معبدة وأمر الوصول إليها شاق ومتعب ولكنه الزبيدي الذي لا يكل ولايمل يصر على الوصول إلى هدفه حسب الخطة الموضوعة لا تعيقه في سبيل ذلك وعورة طريق أو ظلام دامس.
وفي أحد المواقف التربوية والتعليمية أتذكر عندما كنت مديراً لمدرسة دارسيت ، وكان دوام المدرسة في الفترة المسائية ،حضر إلى المدرسة أحد أولياء أمور الطلبة ليسألني عن الزبيدي قلت له الزبيدي يداوم في الوطية وليس هنا كما أن فترة الدوام الرسمي انتهت ونحن الآن في المساء فأجاب ولي الأمر بأن الزبيدي وعده باللقاء هنا في المدرسة وفعلا ما هي إلا لحظات إلا ويطل الزبيدي بنشاطه وحيويته المعهودتين أتى ليناقش موضوع ولي الأمر وأبنه في المدرسة بحضور مدير المدرسة والمعلم على الواقع وليس عبر الاستدعاء إلى المكاتب أو عبر الأتصال الهاتفي .
كما عرف الأستاذ أحمد بأنه لم يكن فقط مجرد مدير عام لمديرية تعليمية يقوم بالأعمال الإدارية والتربوية والواجبات الوظيفية المعتادة بل كانت له أيضا مواقف إنسانية مؤثرة لا تنسى .
أذكر منها عندما تعرض الأستاذ الفاضل لطفي فرحان (أبو حاتم) لحادث سير أبعده لفترة طويلة عن عمله بمدرسة جابر بن زيد الثانوية و كان مديرا لتلك المدرسة وقف الأستاذ أحمد معه متابعا لحالته الصحية وكافة متطلباته أولا بأول إلى أن كتب الله الشفاء للأستاذ أبو حاتم وعاد ليواصل عمله ومسيرته .
وأيضا أخبرني الأستاذ محمد بن عبدالله الوهيبي مدير مدرسة الوطية بأنه عندما استفاق من غيبوبته بمستشفى خولة إثر إحدى حوادث العمل وجد الأستاذ أحمد واقفا أمامه ليكون أول المطمئنين على وضعه الصحي ، كما لا ينسى له كذلك وقوفه إلى جانب الفاضل محمد بن سالم الجرادي رئيس قسم الإمتحانات في ذلك الوقت عندما تعرض لمرض مفاجئ وأصر الأستاذ أحمد على علاجه خارج السلطنة ليشفى تماما وسعى لتحقيق ذلك وكان له ما أراد. كما علمت أيضا عن العطل الدائم الذي كان يحدث (لمكينة) كهرباء سكنات المعلمين بفنس وكان يتابع أمر إصلاح ذلك العطل في تلك الفترة المرحوم راشد البلوشي مسؤول الصيانه والمخازن في مكتب إشراف قريات التعليمي وأمام معاناة المعلمين الدائمة من تعطل هذه الآلة حسم المرحوم راشد الأمر وقرر التوجه للأستاذ أحمد لحل هذه المعضلة بشكل جذري فما إن وصل إليه وشرح الأمر مبينا مدى ما يعانيه المعلمين من إنقطاع الكهرباء الدائم في ذلك المكان المعروف بشدة حرارته فطمئن الأستاذ أحمد المرحوم راشد قائلا له بأنك لن تذهب اليوم إلى قريات إلا وبصحبتك (مكينة كهرباء جديدة ) واتجها معا إلى الشركة الموردة لمثل هذه الآلات وعلى الفور تم شراؤها وشحنها مباشرة لينعم المعلمون بالراحة في سكنهم وليتمكنوا من أداء مهامهم التربوية والتعليمية على أكمل وجه.
كثيرة هي مواقف الأستاذ أحمد التربوية والتعليمية والإنسانية أوردت هنا وفي هذه العجالة شذرات بسيطة منها.
ولا شك أن هناك أسماء عديدة في بلادنا أثرت الحقل التربوي وكان لها دور واسهام بارز في مسيرة البلاد التعليمية سأحاول مستقبلا الإقتراب منها وسرد بعض ذكرياتها ومواقفها التربوية والإنسانية .
بقلم / محمدبن علي الوهيبــــــــــي