زمن غلام خميس

0
3311

 قال الشاعر الكبير محمود درويش عن الحنين الحنين وجع لا يحن إلى وجع هو الوجع الذي يسببه الهواء النقي القادم من أعالي جبل بعيد ، وجع البحث عن فرح سابق لكنه وجع من نوع صحي ،لأنه يذكرنا بالأمل .

خطر على بالي ما قاله محمود درويش وأنا أتذكر الفصل الأجمل في حكاية كرة القدم العمانية وزمنها الأمتع فغلام خميس هو أجمل الفصول في حكاية كرة القدم العمانية وأمتعها .

وسأقلب بعض صفحاتها مع صديقه ورفيق طفولته علي شمبيه ففي منتصف نهار 17 نوفمبر 2008م تم تناقل خبر رحيل نجم الكرة العمانية غلام خميس بعد صراع مع المرض .

كنت ساعتها في الدوام الرسمي المعتاد وفي نفس الدائرة التي أداوم بها يداوم أيضا رفيق درب غلام في رحلته الكروية من الحارة إلى النادي الأهلي ثم المنتخب أعني اللاعب علي شمبيه.

غلام خميس

 

فكان لابد من التأكد من الخبر عن طريقه فذهبت من فوري إلى مكتبه فوجدته يغالب الدموع فعلمت ساعتها بأن الخبر صحيح ……وأن الكرة العمانية فقدت أغلى نجومها وفقدت الفنان الذي رسم بالكرة في الملاعب أجمل اللوحات الفنية وأروعها .

غلام خميس الذي لا يشبهه أحد في طريقة الاحتفاظ بالكرة واختراق العمق وإرباك الخصم ولا يشبهه أحد في التسديدات التي غالبا ما تجد طريقها إلى الهدف ناهيك عن الموهبة والتألق والإبداع .

فغلام خميس واحد من القلائل الذين عشقتهم كرة القدم تماما مثلما عشقت الساحر مارادونا فبينهما شبه عجيب ذلك هو غلام خميس أيقونة كرة القدم العمانية جلست مع علي شمبيه…. الذي لا يحب أن يتحدث كثيرا….. و دائما يفضل الصمت على الكلام…….وهو من جيل ما قبل الاحتراف بمفهومه الحالي….

ولكنه الجيل الذي احترف الوفاء ،والعطاء والتضحية قدم الكثير للنادي الأهلي وللمنتخب الوطني ، طبعا من يعرف علي خارج الملعب لا يمكن أن يقول أن هذا هو المرعب ووحش الملاعب الذي يخشاه كل مهاجم .

و الذي يصر على اختطاف الكرة من المهاجم بشتى الطرق لكونه يلعب في مركز الدفاع عن المرمى .

بدأ علي بسرد البدايات التي كانت في حارة جبروه بمدينة مطرح ومدرسة حسان بن ثابت أثناء الحصص الرياضية والتي منها بزغ نجم غلام بإحرازه العديد من البطولات الكروية والتي تقام على مستوى المدارس التعليمية في ذلك الوقت ثم انضممنا للنادي الأهلي عام (1979م) وكان مقر النادي في تلك الفترة في حارة الشمال بمطرح.

كان غلام خميس قد سبقني إلى الإنضمام للنادي وسبقه أيضا عبدالله عبيد وأخيه خميس ومحمد جمعه وصالح شنون والإخوة إبراهيم ومحمد وأنور أبناء عبدالعزيز وإبراهيم هيكل وعبدالله حمود وفيصل حبيب وجمعه حبيب وربيع جمعه وسالم علي منصور ، وبخيت الماس.

هذه الأسماء وبالتأكيد هناك أسماء أخرى لا تحضرني الآن شكلت تلك الكتيبة الكروية القوة الضاربة للنادي الأهلي في تلك الأيام والذي استطاع أن يضع النادي الأهلي في مقدمة الأندية العمانية….

ويعتبر حسن سعيد اللواتي رئيس النادي في تلك الفترة هو الأب الروحي للنادي الأهلي  وكان معه في الإدارة الشيخ سعيد بن سالم المعشري ومعالي يحيى بن سعيد الجابري ، وعلي الجابري وعبدالله مزار وسامي حبيب، وجمال حبيب ، وبقية أعضاء إدارة النادي الذين ساهموا جميعا في أن يكون الأهلي النادي الذي يزخر بالعديد من المواهب.

ليس في مجال كرة القدم فقط بل في الكثير من الألعاب وشملت كافة الجوانب الثقافية بما فيها الفنون المسرحية .

يواصل علي فيقول…..كان وجود مستكشف و (وكابتن) و راصد وباحث عن المواهب مهم جدا وهو الذي ساهم في صناعة مواهب النادي و كان هذا المكتشف هو (الكابتن) شمبيه أتشو المعروف بإسم *(أبو وحيد*) الذي صار فيما بعد حكما دوليا وخبيرا في شؤون كرة القدم ، كما ساهم أبو وحيد بخبراته في تطوير اللعبة في البلاد ورحل هذا الرياضي الفذ عن هذه الحياة في حادث سير مأساوي

وذلك أثناء ذهابه للمنطقة الشرقية للقيام بمهمة تحكيمية لمباراة تقام هناك مع زميله حامد حمدان الذي هو الآخر لايقل شأنا عن أبو وحيد وشكل رحيلهما معا فجيعة لكرة القدم العمانية .

فكان لأبي وحيد دورا كبيرا في تجميع لاعبي الفريق حيث كان يحضر اللاعبين إلى الملعب من الحواري على سيارته الخاصة ذات الدفع الرباعي وكان مقر الملعب في بيت الفلج فكان يقوم بدور السائق والمدرب الذي يتولى أمر تدريبهم ومتابعة احتياجاتهم .

فكان وجود أبو وحيد مع تلك المجموعة من الرياضين في تلك الفترة حافزا مهما نمى من خلاله مواهبهم ليحققوا الإنتصارات وإحراز البطولات وكان غلام نجمهم الأشهر…

يتذكر علي شمبيه كذلك أنه وغلام يتشاركان الإقامة في نفس الغرفة في المعسكرات سواء مع الأهلي أو المنتخب الوطني ويتذكر خفة دم غلام ومقالبه البريئة التي دائما ما يبتكرها ليثير المرح وجلب السرورو ليخفف من صرامة التعليمات والقوانين والأنظمة وضرورة التقيد بها .

ويقول علي أن النادي الأهلي هو أول المشاركين من الأندية العمانية في بطولات أندية مجلس التعاون الخليجي واستعدادا لتلك البطولة أقام النادي للفريق الكروي معسكرا في قبرص ومن النوادر التي يتذكرها علي أثناء معسكر المنتخب الوطني في البرازيل قيام عصابة مسلحة بمحاولة أختطاف الحافلة التي تقلهم من محل الإقامة إلى مقر التدريب إلا أن بعض المواطنين البرازيليين الذين كانوا متواجدين بالقرب منهم حالوا دون وقوع ذلك ومنعوا العصابة من تنفيذ مخططها..

ويتذكر علي كذلك إعجاب الجماهير الخليجية بغلام أثناء مباريات المنتخبات الخليجية وبنبرة حزن يكمل علي قائلا لوقدر لغلام أن يحترف عندما أتيح له ذلك في بداية الثمانينات بناء على العرض المقدم له من أحد الأندية القطرية لكان الأمر مختلفا ولكن حدثت ظروف حالت دون إتمام أول تجربة احتراف للاعب عماني ولربما كان مردود تلك الصفقة سيعني الكثير .

وبالتأكيد أنها كانت ستحسن من مستوى معيشة غلام وأسرته ولن يصل غلام إلى تلك الحالة من المشقة في البحث عن العلاج ، ويغادر الدنيا على متن طائرة ركبها في الوقت الضائع من عمره المكتوب بحثا عن الأمل بالشفاء 

تماما كالركض في الدقائق الأخيرة من عمر المباريات فصعدت روحه إلى خالقها وهو بين الأرض والسماء… في الوقت الذي كان يجب أن يحظى برعاية واهتمام أكبر أليس هو الذي كان يصنع الفرح في ملاعب الكرة؟!

فغلام خميس لا يقل نجومية عن الكويتي جاسم يعقوب ،والسعودي ماجد عبدالله ، والاماراتي عدنان الطلياني ،والقطري منصور مفتاح ….

وربما كانت هناك صفحات أخرى كان يمكنه أن يكتبها في عالم المستديرة ولكنها الأقدار رسمت ذلك الطريق لغلام خميس فمشاها كما رسمت ومع تعاقب الأيام والأعوام وظهور الكثير من اللاعبين الذين نكن لهم كل التقدير والإحترام .

يبقى غلام خميس هو النجم الذي لا زلنا نبحث عنه في ملاعبنا ولا نجد له شبيه 

بقلم / محمد بن علي الوهيبي