ويرحل هيكل ممتطياً صهوة الزمن!!

0
1560

إن محمد حسنين هيكل الذي رحل عن الدنيا اليوم بجسده وروحه، ولكنه سيظل ذلك العملاق العربي الكبير باقياً بعنفوانه، فلن يعوضه أحداً كما لم يعوض جمال عبد الناصر من قبله قائداً آخراً، وهيكل لم يكن كاتباً عادياً

أوصحفياً محترفاً ولا مؤرخاً متفرداً، وإنما كان جمعاً غير عادياً لكل ذلك، وهيكل كان ثائراً عالمياً بقلمه وفكره ونظرته الثاقبة لواقع الحال، وظل هيكل محللاً سياسياً بارعاً دون الوقوع في براثن السياسية، وإنما فضل أن يمثل دور المشعل الذي يضيء الجميع بشعاعه الوقاد، وظل هيكل مدرسة متميزة للصحافي المحترف، وظل هيكل الكاتب الذي إذا قرأت له لن تخرج بمجرد معلومة تضاف إلى معارفك، وإنما تخرج بجملة من الأفكار العميقة والعريقة، وهي مفعمة بالقومية العربية الأصيلة، وإذا نظرت إلى فجاج التاريخ عبر قلاع هيكل الضخمة، فستجد سياقاً موغلاً في مسارات عريضة غنية بالمعلومات والمصداقية .

أما إذا حدثك في السياسة الدولية ستجده يأخذك إلى رؤية ضاربة في التاريخ العميق، وفي نفس الوقت ينفذ بك إلى أفق المستقبل الواسع البعيد. هيكل هذا العملاق الذي أتى قطفه اليوم كآخر مفردة في عنقود عمالقة مصر العظام، يرحل عن هذه الدنيا ولم تكن حياته عبثاً كما يعيش البعض، لم يمت كما يموت البعير، وإنما مات ليرحل إلى حياة أخرى، ولكنه سيظل حياً بإرثه العلمي في ضمير الأمة، وعقلها من خلال الموسعة المعرفية التي ورّثها للمكتبات العربية والعالمية.

إن النهج الذي ظل يسير عليه هيكل، لم يستوعبه العالم العربي، لأن الأمة العربية خرجت على المسار الطبيعي، لذلك كان القليلون جداً الذين يؤمنون بفكر ونهج المرحوم هيكل، ولكن سيأتي جيلاً من بين حطام الأمة العربية، وسيحمل مشعل الذي حمله هيكل طول حياته، و سيقتبس من فيض بحاره الواسعة زاداً يستنير بضيائه كنهر جار في عمق القومية العربية. إن هيكل إذ يغادر قاهرة المعز لدين الله في موكب مهيب إلى مثواه الأخير حيث يدفن جسده، فإن ثروته المعرفية الرائعة ستظل بين الأحياء، وهم يستنشقون من عبقها عبقرية وروح العروبة وعنفوانها، ويتشربون من بين طياتها مجد العرب الذي انعشه جمال عبد الناصر الزعيم التاريخي للأمة العربية، ويستنشقون ريح عظماء ذلك التاريخ الذين شكلوا فيه منظومة دول عدم الانحياز، وشهد نشأتها الراحل الكبير هيكل زعيم الكلمة والفكرة، رحمه الله هيكل وتقبله مع الوطنيين المخلصين،، آمين.

بقلم /حمد بن سالم العلوي