السلطنة والسلطان (2)

0
2596

عام 2020 مليء بالكثير من الملفات الساخنة كالملف الاقتصادي وملف التعليم وملف السياحة وملف الباحثين عن العمل وملف الاستثمار وملف القطاع الخاص وغيرها.وهذه الملفات تحمل في مضمونها تحديات تراكمية معقدة وجميعها يقع في خانة “المهم العاجل” ويجب أن توضع فوق الطاولة لتناقش بكل صدق وشفافية ومصارحة فلا مجال للتباطؤ أو التجاهل أو التسويف. والملفات كما ذكرت سابقاً كثيرة فلا يمكن حصرها في مقال بسيط كهذا إلا أنني أذكر بعض ما أراه يقع في خانة المهم العاجل جدا:

أ-الجهاز الإداري للدولة: يدير هذا الجهاز أفراد معظمهم في العقد السابع من أعمارهم وهذا يعني أن إدارة هذا الجهاز تعاني من العجز والشيخوخة فمن خصائص هذه المرحلة أنها تمتلك الخبرة لكنها تفتقر لمهارات سرعة الاكتساب والإنجاز والتفاعل الإيجابي مع المتغيرات كما تفتقر لقوة الدافعية والرغبة في التغيير ، ولذلك فإن الفرد في هذه المرحلة يميل إلى الهدوء والدعة ويركن للمعتاد أكثر من التجديد فهو أشبه بعنصر الهليوم الخامل الذي لايقبل التفاعل مع العناصر الأخرى وبالتالي لا يتصور أن تبقى هذه الفئة تدير جهاز دولة أغلب أفرادها من الشباب يضاف إلى ذلك أن الكثير منهم قد أكمل أربعة عقود أو أكثر في منصبه حتى أصيب بما يطلق عليه “متلازمة السلطة” أو ” متلازمة المنصب” ومفادها أن المصاب بهذه المتلازمة يعتقد أن “السلطة هو” و”هو السلطة” ولا تجوز لغيره لذلك أرى أن التغيير أصبح ضرورة لا محيص عنها. صحيح أنني لا أحبذ التغيير الراديكالي الذي يشكل طفرة غير محمودة العواقب لكنني أومن بضرورة التغيير وفق منهج العلم والحكمة وهي سنة الله في خلقه.

ب- الباحثون عن عمل ويضاف إليهم المسرحون بغير إحسان والملغاة عقودهم قهراً بغير حق وهذا الملف بالغ التعقيد وأسبابه كثيرة وعلى رأسها الشركات الكبرى التي باتت تسيطر حتى على صناعة القرار حيث أصبح القرار الحكومي يتحدث عن نسبة التعمين وليس عن نسبة الوافدين وكأن وجود الوافد هو الأصل والتعمين فرع ويضاف إلى ذلك جشع البنوك وتغولها بصورة وحشية في تكبيل المواطن البسيط بالديون تحت مسمى الفوائد أو المرابحة واستغلال حاجته لسد متطلبات الحد الأدنى للعيش الكريم ( المأكل والمسكن والتعليم).
وفي هذا الصدد أرى أن نظام الإعارة للعمل خارج الدولة يجب أن ينظر فيه كأحد البرامج التي على الدولة أن تتبناها بحيث يكون جزءاً من النظام الإداري والمالي للدولة وتوضع له القوانين واللوائح لتنظيمة لضمان حق المواطن في العمل والحصول على راتب تقاعدي بعد ذلك .

ج- الرسوم والضرائب التي تسابقت عليها مؤسسات الخدمة المدنية وتفننت فيها وأبدعت حتى جعلت جيب المواطن كالنخلة ينطبق عليه “الخراف المباح”..فالنخلة يستفاد من عذقها وسعفها وكربها وشوكها وجذعها حتى لا يبقى منها شيء. كنت أتمنى أن تتسابق تلك المؤسسات في الإبداع الإداري والمالي واستثمار ما لديها من عناصر مادية وبشرية لكنها لم تفعل ورضيت أن تسير وفق المنهج البيروقراطي لذلك لم تستطع مواجهة الأزمة الاقتصادية إلا بأضعف الوسائل ؛السحب من الاحتياطي، والاقتراض،وزياردة الرسوم على المواطن ولاشك أن الوسائل الثلاثة إذا استمر الاعتماد عليها ستكلف الدولة خسائر كبيرة في المستقبل القريب والبعيد.

د- السياحة؛هذا الملف الغامض العصي على الفهم. فمنذ إنشاء وزارة السياحة بالمرسوم السلطاني رقم٦١ / ٢٠٠٤ بتاريخ٩ من يونيو سنة ٢٠٠٤م وهي لا تزال كما بدأت أول مرة بعد مرور 16 عاماً على إنشائها مع أنها من أكثر الوزارات تعقيداً في هيكلها التنظيمي لكثرة المديريات والدوائر والاختصاصات وكان ينبغي أن يكون إنتاجها على قدر ذلك الحجم الكبير في الهيكل التنظيمي واختصاصاته.
تتبنى وزارة السياحة رؤيتها التي تنص على ” تقديم الخدمات بكفاءة وفاعلية لتصبح عمان عام 2040م من أهم وجهات السياحية التي يقصدها السائح لقضاء العطلات والاستكشاف والاجتماعات، وأن يزورنا (11) مليون سائح دولي ومحلي سنويا” كما قررت الوزارة أن تكون رسالتها ” تقديم الخدمات بمهنية عالية لأجل تنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل من خلال توفير تجارب سياحية ثرية بطابع عماني” ، ووضعت الوزارة أهدافاً كثيرة تسعى إلى تنفيذها ومن هذه الأهداف” زيادة معدلات نمو الدخل السنوية من القطاعات السياحية بنسبة تقدر ب 7%” و” تفعيل الحركة السياحية في السلطنة كمركز سياحي مرموق لجذب سياح منطقة الخليج العربي والعالم بصفة عامة”.
الحقيقة عندما قرأت رؤية الوزارة ورسالتها وأهدافها قلت في نفسي: ” أسمع كلامك أصدقك أشوف عمايلك أستغرب” فقد سبق ووعدونا في 2013 أنهم سيجعلون بلدنا “نرويج الخليج” لكن اللسان بلا عظم.على كل حال لا أدري هل سيمتد بي العمر حتى 2040 لأرى تحقق رؤية وزارة السياحة ورسالتها وأهدافها ،وهل سيتمكنون هم أنفسهم من تحقيق ذلك خلال عشرين عاماً أم سيكون حال العشرين الآتية كحال الستة عشر عاماً المنصرمة من عمر الوزارة!

.ثم لا أعلم هل لدى الوزارة خطة شاملة بثروات الوطن ومقدراته من صحاري ووديان وكهوف وجبال وأفلاج وحصون وقلاع وقرى بيوت الطين التي باتت تندثر يوماً بعد يوم على مرأى ومسمع من الجميع ؟!

 

وهل تملك الوزارة برامج واضحة لاستمثار تلك الثروات سياحياً؟! وهل توجد لدى الوزارة خطة زمنية وفق خطوات إجرائية يتم تقييم ما تحقق نهاية كل عام لتقييم النجاح والفشل لكل خطوة إجرائية.كل تلك الأسئلة وغيرها توحي إلي أن ملف السياحة شديد الغموض ولابد من فتح هذا الملف وإعادة قرائته لكشف الغامض منه وتوضيح المبهم .
وبرغم كل التحديات فإنني لا أريد أن استبق الأحداث ، فقد حباني الله نعمة الصبر والتفاؤل ما يكفي لأستبشر بغد أفضل ، كما إنني على يقين بأن مولاي جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه مطلع على دقائق الأمور وتفاصيل الأحداث وقد أحاط بها علماً وأنه قادر على التعامل معها ومعالجتها بالحكمة وفصل الخطاب.
د.هاشل بن سعد الغافري