أذربيجان أرضٌ بين سماءٍ و قيعان

0
1738

بقلم / ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

منذ أول وهلة ونحن نطأ أرض مطار باكو عاصمة أذربيجان وعواصف الثلج الخفيفة تعصف بالمكان والأمطار تصب علينا صبًا والسُحب تبدو كالقُرب التي لا ينضبُ ماؤها فينتعش الزائر ويرتوي العطشان ويسعد القادم من شتى البلدان وكأن المكان يهمس لك لا تبتئس فأنت في أذربيجان فالجميع هنا في خدمتك والدار في أمان فقط اطمئن

لأن الطيبة مجبولة فينا ونحن للحسن عنوان ، كان في استقبالنا العُماني الأمين محمد البلوشي ومعاونوه وقد نسق معه صهرنا داود العامري عن طريق قريبه طارق بن خليفه العامري كما لا ننسى ذكر حسان الجهوري أيضًا صهر داود الذي أرشدنا إلى صاحب عقارات الإيجار يوسف الاذربيجاني وسيكثر ذكر يوسف هذا فيما بعد، فجزا الله الجميع خير الجزاء

وقد اخترنا هذا الوقت للسفر لتوافق إجازة الأولاد ، ولم يكن اختيار النزل بالأمر اليسير حيث أن النظافة عندنا هي من ضمن الأوليات فكثفنا البحث عن الشقق التي تحوي المطابخ وعزفنا عن الغرف الفندقية التي لا يمكنك أن تطهو بها أي شىء ، حصلنا على النزل المطلوب في اليوم الثاني من الوصول وقت الظهر ونقلنا الأهل والأولاد مع الحقائب وكان تعاملنا مع يوسف الأذربيجاني الذي رتب لنا مكان الإقامة وكان في غاية اللطف والإخلاص والصدق والأمانة ، وكان تعاملنا معه باللغة الإنجليزية فبعد أن سكنا في فندق المدينة القديمة والذي كان السكن به لليلة الأولى من ضمن عرض التذاكر على أن نخليه من ظهر الغد

وكان رفقاء السفر في هذه الرحلة هما صهري الشهم داود العامري وعديلي الهُمام سليمان السيابي وهما نعم الرجلان كنا معًا بطبيعة الحال كل واحدٍ منا وأسرته وفي الحقيقة أننا أُسرة واحدة وبعد الاستقرار في النزل الجديد بدأنا بالتشاور حول أولى الزيارات للأماكن المعروفة والمشهورة فوقع الاختيار على منطقة غابالا والتي تبعد بالسيارة عن العاصمة باكو ثلاث ساعات تقريبًا وهي منطقة شديدة البرودة وثلجية وقد رأينا كيف أن المياه قد تجمدت بها من شدة البرودة في بعض الأمكان والطرق المُؤدية إليها وكنا نكثر من المشروبات الساخنه وقد أحضرنا معنا لوازم عمل الشاي والقهوة وصحبنا معنا التمر العُماني وهو من نوع الخلاص وتحديدًا من ولاية بهلا العريقة الشامخة كشموخ أهلها وماضيها المُشرف وسأنتهز هذه الفرصة لأحيي أهلها الكرام من هُنا من باكو تحية خاصةً وأحيي جميع سُكان وطني عُمان عامة ورحمة الله على سلطاننا الفقيد قابوس سُلطان القلوب وحبيب كل الشعوب الذي نشر حبه في الشرق وفي الغرب وفي الشمال وفي الجنوب ولم يترك بقعة إلا وكانت له بصمة فيها ولم ينقطع ذكره حتى هُنا في أذربيجان فقد تعرفت على موظف الاستقبال المسلم جلال وكنت أُحدثه باللغة الإنجليزية وكان في غاية اللطف معي وكان لبقًا في الحديث وقد أهديته بعض الطعام الذي كنا قد جلبناه للعشاء فقال لي شكرًا قلت له هذا كثيرٌ علينا وقد لا نجد من يأكله وهو لايزال حارًا ولا نريد أن نرميه من باب الحفاظ على النعمة التي سوف يسألنا الله عنها فوافق وقبل الهدية ثم عدتُ إليه كي ابتاع منه الماء فقال لي قنينة الماء خاصتك هي هديةٌ مني لك كما اهديتني من طعامك قلت له أنا لم اهديك الطعام لأجل مقابل أنتظره ورغبت في شراء الكثير من الماء منك فرأيت علامة التأثر على وجهه فوقع في نفسي أن أقبل منه خشية الاحراج ولكي أجبر بخاطره فقلت له قبلت منك كما قبلت مني وأخذت عشرة قنينات بثمنها وأضفت إليهن أخرى لتكون الهدية فسر بذلك ورأيت علامة الرضا على وجهه فقال لي من أين أنت فقد سررت بمعرفتك والتعامل معك فقلتُ له من سلطنة عُمان إن كنت قد سمعت عنها قال نعم أعرفها وقد سمعت عن حاكمكم الفقيد قابوس الذي حكم عُمان طوال خمسين عامًا

قلت له نعم رحمه الله وطيب ثراه كان نعم القائد والزعيم الذي أحبته القلوب وعشقته النفوس وليس ذلك مقتصرٌ علينا نحن أهل عمان بل أحبته كل البلدان والشعوب التي عرفته حق المعرفة قال لي أنا في خدمتك قلتُ له نريد سيارة أجرة تنقلنا إلى النزل الجديد فقال لي سأتواصل مع صاحب سيارة أجره كي ينقلكم لنزلكم الجديد شكرته لحسن صنيعه معي ونبله وحسن خلقه ، نعود لمدينة غابالا بعد هذا الفاصل الحافل بحب الوطن والسلطان قابوس رحمه الله وطيب ثراه و نسأل الله أن يحفظ وطننا عُمان ويحفظ سُلطاننا هيثم وأن يجعل التوفيق حليفه والخير في طريقه ويسخر له خيار الخلق ويبعد عنه وعن أهل عُمان جميع شرار الخلق وأن يحفظ سائر المُسلمين من أعداء الحق والدين من الحسدة والمنافقين

، تحيط بمنطقة غابالا جبال الثلج وهكذا هي المناطق الجبليه المرتفعة تطوق زوارها بالأجواء الباردة كلما صعدت إليها تدريجياً كما تشتهر بعض المناطق المجاورة لها والطرق المؤدية اليها والمزارع القريبة منها بمختلف الفواكه كالفراولة والتفاح والحمضيات والكستناء والبندق حتى العسل والزعفران وأنواع المُربى الطبيعي الذي هو من أصل الفواكه والعديد من الفواكه المجففة كما أن الشاي الأذربيجاني الذي يضاف له بعض المُحليات الطبيعية كمُربى الفراولة أو مُربى المشمش عوضًا عن السُكر لا يضاهيهِ طعم وهنا أقصد الشاي الأحمر الخالص غير المُحلى وغير الممزوج بالحليب والذي قد اعتدت على شربه هكذا بلا مُحليات أو أي اضافات في كثيرٍ من الأحيان ، وقد أًوصانا به أحد المحبين فشكرًا له وشكرًا لكل من أسدى لنا النصح كذلك وأوصانا بالحرص ووصف لنا بعض الأمكنة وكما يقال اسأل مجربًا ولا تسأل طبيب ، استمتع الأولاد بالأجواء الباردة وراق لهم التزلج على الجليد وهم يطالبون بعودة مرة أخرى إلى منطقة غابالا قبل السفر إلى أرض الوطن عُمان قلنا قلهم لعلنا نعود اليها مُجددًا بعد القيام بزيارة غيرها من المناطق أولًا ، عدنا للنزل بعد هذه الرحلة الطويلة الممتعة والجميع قد أنهكه التعب والبرد والجوع فهذه الأشياء الثلاثة تشتت الأذهان وترهق الأبدان

فمررنا قبيل الوصول للنزل لأخذ العشاء ونام الجميع بعد العشاء من شدة الإعياء، وفي اليوم التالي لم نخرج من النزل إلا لوقت الغداء بعد تلك الرحلة الشاقة والممتعة وقد اتفق الجميع على التجوال في الجوار وارتياد تلك الأسواق بحثًا عن مطعم عربي للغداء وبالاستعانة بالله القدير أولاً ثم شبكة المعلومات في الهواتف الذكية تم العثور على مطعم عربي وصاحبه من أهل اليمن الشقيق يبعد عنا مشيًا على الأقدام مسافة ثلث ساعة فقط توجهنا إليه وكان طعامه لذيذًا ثم واصلنا التجوال بعد الغداء مررنا بالكثير من المحلات التجارية والمطاعم والأسواق والتي تعرف هناك ب (نظامي ستريت ) أي شارع نظامي وكذلك شارع ٢٥ مايو طفنا بأماكن ألعاب الأطفال وأماكن بيع غزل البنات والمثلجات للأطفال والمحلات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك لبيع القهوة الحارة بمختلف النكهات اخترت منها المعشوقة السمراء المُرة كذلك بدون أي إضافات ويقال قديمًا إن أردت معرفة الطعم الحقيقي للشاي والقهوة فلا تمزج معهما أي اضافات ولعشاق الطعم أمزجة وأذواق اقتنى بعض الأولاد المثلجات رغم برودة الجو وكان بائع المثلجات بارع في بعض الحركات البهلوانية أثناء تسليمه المثلجات للأولاد ، مما راق ذلك لبعض المارة الذين قاموا بالتصوير وقد أبهج ذلك الأولاد

انتهى بنا مطاف هذا الممشى إلى شاطىء البحر وقد أحاطت به الأبراج وناطحات السحاب وحوله متنزه جميل يمر من أمامه قطار ليقل الراغبين من الزوار مقابل مبلغ من المال وقد أخذنا به جولة نختم بها هذا الممشى حول ذلك الشاطىء الجميل وفور الانتهاء من هذه الجولة عدنا أدراجنا للنزل على أن نقوم بالتجول في اليوم التالي في العاصمة باكو عبر الحافلةوزيارة جميع الأماكن المعروفة و المشهوره بها، واصلنا التجوال في العاصمة باكو برفقة سائقنا الطيب والأمين والذي كان عن طريق يوسف الأذربيجاني فزرنا بعض المعالم كالمسجد الكبير الذي بدى معلمه بارزًا ومررنا على بعض القبور والتي تسمى بمقابر الشهداء أو مقبرة الشهداء وبعض الأبراج ومكان سامق العلو يطل على أغلب المباني للعاصمة باكو كما قمنا بزيارة بعض المتاحف وجبل النار ويقال أن نار هذا الجبل لم تخمد منذ آلاف السنين والله أعلم بالصواب تناولنا وجبة الغداء ثم رجعنا للنزل

وفي اليوم التالي خرجنا كذلك لزيارة ما تبقى من أماكن كحديقة الكوالا وهي حديقة صغيرة جدًا وبها ألعاب للأطفال فقط ولا يوجد بها حيوانات الكوالا كما ظننا ثم ذهبنا لسباق السيارات وقد استمتع الجميع بهذا السباق الذي شارك به أغلبنا حيث أن المشاركة في هذا السباق تتطلب دفع رسوم مالية بطبيعة الحال والاستماع لبعض التحذيرات وارتداء ملابس السباق المخصصة لسباق السيارات وخوذة الرأس الواقية وقد تصدر ثلاثة من الفائزين هذا السباق وكان من ضمنهم صهرنا داود العامري وقد خرجنا من هناك ووقعنا في زحمة باكو ، عدنا مجددًا للنزل باكرًا للاستعداد ليومِ غد منذ الصباح الباكر لزيارة مدينة قوبا القابعة في أعالي الجبال والتي تبعد عن روسيا عشرين كيلو مترًا فقط ، وقد اكتست هذه المدينة بالثلج وبها التيلفريك وأدوات التزلج وكذا السيارات الصغيرة ذات الأربع عجلات ابتهج الأولاد بالجليد وبدؤوا باللعب بالجليد والتراشق فيما بينهم اختار البعض الصعود على التيلفريك واختار آخرون التزلج على الجليد وقيادة السيارات ذات الأربع عجلات وعدنا من تلك المدينة الجميلة بعد يوم حافل بالمرح وقد نام معظم الأولاد في حافلة العم السائق وهو جورجي الأصل كما أخبرنا ووالداه في جورجيا وقد أتى لأذربيجان طلبًا للرزق وعاش بها فهو اذربيجاني الجنسية ويُدعى( ال اس ) وهو رمز مختصر فلم يرد أن يشق علينا في نطق اسمه واختار لنا الايسر يقول ال اس أنتم عائلة طيبة وأنا ممتن لكم كثيرًا قلنا له وأنت كذلك لا تقل عنا شأنًا فلم يرى منا نقدًا أبدًا منذ تعاملنا معه وقد تعطلت حافلته وصبرنا جميعًا وقد استغرق تصليحها وقتًا طويلًا ولم نذكر ذلك ليوسف الأذربيجاني أبدًا لأن السائق كان أمينًا وصادقًا فآثرنا الصبر وهذا الأمر لم يكن في الحسبان وكان خارجًا عن إرادته وإرادتنا أن تتعطل حافلته ، وصلنا للعاصمة باكو وقد عدنا من قوبا والتي تبعد عن باكو كذلك ثلاث ساعات تقريبًا لنتفرغ للتجوال القريب في آخر يومين ونكون بذلك قد أكملنا عشرة أيام تبين لنا خلال هذه الفترة أن شعب اذربيجان شعب نظيف ولطيف حيث تختلف طوائفه فهناك المُسلم وغيره قضينا وقتًا ممتعا بين ربوع هذا البلد الطيب وشعبه ولم نتمكن من زيارة بعض الأماكن ولعلنا نعود مرة أخرى لنتمكن من زيارة الأماكن الأخرى،

مرت الأيام سريعًا وقبل السفر بيوم ذهبت منذ الصباح الباكر لشراء اللحم المذبوح على الطريقة الإسلامية وقد ذكر اسم الله عليه وقد أرشدنا إليه كذلك يوسف الأذربيجاني أثابه الله الجنة وقد رأينا كيفية الذبح عبر مادة مرئية مصورة لدى هاتف بائع اللحم المُسلم لمزيد من التأكد والاطمئنان ، ثم قمتُ بجلب باقي مستلزمات الغداء البسيطة كالنبات السحري وهو الزنجبيل وما أدراك ما الزنجبيل طعامُ صحيٌ نافع وشرابٌ جميل شكرًا لجميع الرفقاء في هذه الرحلة صغارًا وكبارًا و شكرًا خاصًا للأهل على إعداد الطعام وعظيم الحرص والاهتمام شكرًا ليوسف الأذربيجاني والسائق العم ( ال اس ) شكرًا للصهر داود وللعديل سليمان شكرًا لله على نعمة الوطن عُمان ونعمة زيارة أذربيجان وبالشكر تدوم النعم وتدوم محبة سائر الأوطان..