السلطنة والسلطان

0
3334

رحل فشغل العالم في وفاته كما شغلهم في حياته فهو الحاضر الغائب والغائب الحاضر,كان عليه رحمة الله ورضوانه متميزاً في منهجه متفرداً في أسلوبه وحيد عصره في الرؤية والفعل ورد الفعل،اجتمعت الأضداد في ذاته وتكاملت في تناسق عجيب فمع قوة السلطان وهيبة الملك وعظمته كان مثالاً للإنسانية في الرحمة والحب والعطاء .

هذا المزج العجيب في شخصية جلالته جعلت الآخر يهابه ويحبه ويحترمه في آنٍ واحد. إنها بالفعل شخصية ذات تمازج عجيب أهلته لأن يصبح النموذج الأمثل للإنسانية في زمن طغت فيه الفوضى وسادت فيه الهمجية وتغلغلت فيه العشوائية فلم يعد فيه مكان للعقلانية والاتزان والهدوء إلا النزر اليسير ولأن جلاته طيب الله ثراه يعد النموذج الأمثل في القيادة والسياسة فقد اتسقت حوله الأضداد البشرية كما اتسقت فيه أضداد السمات الشخصية ؛فالأطراف المتنازعة والمتخاصمة والمتصارعة والمتحاربة جميعها وجدت في سلطان عمان أملاً في إصلاح ذات البين وخفض التوترات وحلحلة النزاعات وفك طلاسم الخصومات وبفضل ذلك أصبحت سلطنة عمان مركزاً لحل النزاعات العربية والدولية وأصبح سلطانها رمزاً للسلام ( سلام القوياء لا سلام الضعفاء) فهنيئاً له من سلطان عاش في سلام وأرسى في العالم مبادئ السلام وغادر الدنيا في سلام نسأل الله له الجنة دار السلام { لَهُمْ دَار السَّلَام عِنْد رَبّهمْ وَهُوَ وَلِيّهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }الأنعام (127).

عوامل عديدة ساهمت في انتقال السلطة بسرعة ودقة وإتقان؛ أولها النظام الأساسي للدولة الذي تضمن في مواده خطوات انتقال السلطة وإجراءاتها مما كان له أثر واضح في ضبط السلوك العام للمجتمع،وثانيها النظام العسكري والأمني الذي يتمتع بالقوة والكفاءة فقد لعب دوراً عظيماً في سد كل المنافذ التي يمكن أن يتسلل منها بعض المتربصين من ذوي القلوب المريضة فقطع دابر المفسدين ،وثالتها شخصية المغفور له جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه كان لها قبول من كل فئات المجتمع بما فيهم أفراد الأسرة المالكة الكريمة مما كان له أثر كبير في قبول الوصية التي شكلت أكثر الخطوات أهمية في سرعة إنجاز انتقال السلطة، ورابعها سيكولوجية المجتمع العماني المحبة للسلام والاستقرار تشكل دائماً ركيزة أساسية للقرار السياسي في السلطنة. كل تلك العوامل مجتمعة ساعدت في إنجاح عملية انتقال السلطة بكل يسر وسلاسة أشاد بها العالم أجمع.

مولاي صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه وليد السياسة وربيب الملك فقد خبر المعترك السياسي عقوداً عديدة فتراكمت لديه الخبرة التي صنعت منه شخصية قيادية توافرت فيها المعرفة والخبرة والكاريزما التي تمنحه قوة التأثير في الآخر وإدارة المتغيرات من حوله بدقة وإتقان.إن السمات التي تتسم بها شخصية جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه تتشابه في كثير منها مع سمات المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه ولعل هذا التشابه أعطى مساحة جيدة من الاطمئنان للمجتمع في ضمان استمرارية العلاقة الإيجابية بين الحاكم والمحكوم خاصة وأن أحاديث جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه تؤكد أنهم ماضون على المنهج نفسه وأرى أن هذا عامل مهم جداً في الحفاظ على نسيج المجتمع العماني وتماسك أركانه وحمايته من الزوابع السياسية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمعات الإنسانية يميناً وشمالاً حفظ الله عماننا وأمنها وسلطانها من عبث العابثين ومكر المتربصين وكيد الخائنين.

يحاول الكثيرون القيام بعملية المقارنة بين الشخصيتين وقد تأتي المقارنة من باب العفوية رغبة في الشعور بالاطمئنان على استمراية المنهج الذي تربى عليه المواطن طيلة العقود الخمسة الماضية وهذا أمر يمكن تفهمه واستيعابه لكن في الوقت نفسه يجب التنبه والحذر ممن يسعون إلى استخدام ذلك لتنفيذ أجندات معينة فما أكثر طنين الذباب وعواء الذئاب غير أننا على يقين تام بأن الأجهزة ذات الاختصاص في بلادنا لديها الوعي الكامل والحرص الكبير وتمتلك القدرة والخبرة والكفاءة في التعامل مع المواقف المختلفة بالطرق المناسبة.وعلى كل حال فإنه من غير الصواب إجراء المقارنات للمواقف ذات المتغيرات المختلفة فلكل زمن رجاله وأحداثه ونتائجه فمع اختلاف المتغيرات تنتفي المقارنات وهذا لا يعني إلغاء السابق بل على العكس من ذلك ينبغي الاستفادة من خبرات الماضي لتطوير نتاجات الحاضر فالخبرات الإنسانية تراكمية.
د.هاشل بن سعد الغافري