تسريح الموظف العماني

0
3230

بقلم / خلفان الطوقي

كثير من مواقع تضج وينتشر فيها موضوع “تسريح او فصل تعسفي” للمواطنيين، هنا أجد انه من المناسب أن يتم تحليل هذه الكلمة، وعدم ترديد هذه الكلمة دون تحليلها تحليلا منطقيا، ولكي نحللها، لابد من تحليل الوضع الاقتصادي الحالي او العمليات او الانماط التجارية التي تتميز فيها شركات القطاع الخاص في عمان، وسوف نبدا بمسلسل مبسط لكي تتضح الصورة، وإليكم التسلسل منذ بدايته:

– يقرر الشخص (فرد او مجموعة من الأشخاص) تاسيس شركة تجارية (من نفس العائلة أو اصدقاء او معارف)

– يبدأ ممارسة العمل التجاري، وبكل تاكيد يهدف من هذا العمل التجاري إلى (الربح المالي)

– يتم تعين عدد من الموظفين (إداريين وفنيين وعمالة غير ماهرة)

– تطلب وزارة القوى العاملة أن تطبق هذه الشركة التجارية نسب التعمين حسب النشاط وحجم الشركة وغيرها من اشتراطات.

– تحاول الشركة التجارية تعيين عدد من العمانيين، وتنجح في ذلك خاصة في الشركات الكبرى خاصة الشركات التي تحصل على عقود عمل من الحكومة.

– تحصل هذه الشركات الكبرى على عقود من الحكومة خاصة في المشاريع الكبرى وتحديدا في مجالات النفط والغاز والمقاولات والاتصالات والطاقة والبنية التحتية (الاساسية)

– هذه الشركات الكبرى التي حصلت على عقود ومناقصات من الحكومة عادة يكون الهامش الربحي جيدا، ومن هذا الهامش الربحي تستطيع هذه الشركات منح عقود (sub contract) للشركات الصغيرة والمتوسطة في مجالات لا تعتبر أساسية وليست من اختصاصها (non Core business)

– بسبب هذا الهامش الربحي، تستطيع هذه الشركات تعيين عمانيين في وظائف مختلفة باجور جيدة نوعا ما.

– بسبب هذه العقود الكبرى المضمونة بناء على التعهدات الحكومية، تستطيع هذه الشركات الحصول على تسهيلات بنكية

– ولكن بسبب انخفاض الدخل المحلي للسلطنة من النفط خاصة وأنه هذا المورد الأساسي والحيوي لميزانية الدولة واستمرار تذبذب أسعار النفط وخاصة في عام ٢٠١٦م وما أعقبه من سنوات، قررت الحكومة اتباع سياسية تقشفية نوعا ما انصب تركيزها في التقليل من النفقات الحكومية وارجاء وتأخير بعض المشاريع الحكومية العملاقة.

– وبسبب هذه الإجراءات(تقليل الإنفاق الحكومي وسياسة التقشف وارجاء بعض المشاريع العملاقة) أصبحت الشركات الكبرى لا تستطيع توظيف مواطنين جدد، وبعض هذه الشركات عقودهم الكبرى قاربت على نهايتها، لذلك أصبحت أمام خيارات صعبة، ومن هذه الخيارات أن تعيد هيكلة إجراءاتها وضرورة التقليل من الأعداد الكبيرة من موظفيها الذين وظيفتهم في ظروفا أفضل والتي كانت بسبب حجم العقود الكبيرة التي حصلوا عليها في ظروفا مختلفة تماما (ايام الطفرة والرخاء) مقارنة عن الظروف الصعبة الحالية، وإلا لحقت هذه الشركات خسائر فادحة يتحملها المؤسسين للشركة.

– وانعكس تلقائيا وبسبب هذه الظروف والواقع الجديد (واقعا اصعب حالا) من السابق على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأصبحت تعاني حالها حال الشركات الأكبر التي كانت تغذيها بأنشطة داعمة (supportive activities)

– يستثنى من ذلك الشركات الحكومية، والفريق بينها وبين الشركات التجارية، هو أن الشركات الحكومية مدعومة من ميزانية الدولة، ولديها نفسا طويلا ومورد مالي جيد نوعا ما، أما بالنسبة للشركات التجارية فإن مصادر التمويل هي البنوك او مؤسسات التمويل الاخرى، وفي حال عدد استطاعتها الوفاء بالتزاماتها المالية والتقليل من نفقاتها التشغيلية والتعامل مع السوق بأسس تجارية سليمة، فإن ذلك يعرضها للخسارة المالية الفادحة وعواقب وخيمة تصل إلى الإعلان عن الإفلاس والدخول في المطالبات والمحاكم وغيرها من الآثار المؤلمة.

– عليه، فإنه وبناء على الأوضاع الحالية للسوق والتحديات الاقتصادية(الداخلية والخارجية)، فالخيارات المتاحة لهذه الشركات هو أن تقلل من مصاريفها التشغيلية، وذلك يعني التقليل من عدد موظفيها والتعامل مع الوضع بناء على أسس تجارية سليمة، أو الاتفاق مع الحكومة او مع الشركات الحكومية تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى لتتمكن من الالتزام بهامش ربح يسمح لها على الاقل (بعدم الاستغناء وعدم تسريح أي موظف عماني والالتزام بدفع التزاماتهم التمويلية للبنوك او الجهات الدائنة) او الإستمرار بمصاريف تشغيلية عالية على امل الحصول على عقود مستقبلية موجودة في (علم الغيب)، وهذا ربما ينطبق او تتحمله شركات قليلة جدا لديها مخزون مالي سابق، ولديها نفس طويل وتتامل في انفراج الأزمة الاقتصادية الحالية وظهور طفرة تجارية قريبا.

– بناء على ما سبق من تسلسل، فاني ادحض نظرية (تسريح الموظف العماني) او طرده تعسفيا وعن عمد وقصد، وخاصة الشركات التجارية التي التي تتعامل على أسس تجارية سليمة المعتمدة على الأرقام فقط والعقود الموقعة مع أطراف أخرى تحقق لها الربحية التي يسعى إليها الملاك والمؤسسين والمساهمين الآخرين.

– من المستبعد أن يقصد ملاك الشركة التجارية أن يتخلصوا من اي موظف عماني مالم يواجهوا صعوبات مالية حقيقية او عدم وجود عقود كبيرة او وجود متاخرات مالية لم يحصلوا عليها من الحكومة او من أطرافا أخرى، خاصة انهم قاموا بتدريب هذا الموظف العماني لعدة سنوات والاستثمار فيه، وهم على دراية أن توظيف عماني جديد -صعب نوعا ما- وبنفس مواصفات الموظف السابق (الذي سوف يتم تسريحه) او تم تسريحه فعليا.

– ما يحصل للشركات الكبرى شيء متوقع، وسوف ينتقل إلى الشركات الأخرى(الأصغر حجما)، لأن العمل التجاري هو عبارة عن منظومة، واي طرفا يتأثر سوف يأثر على ما بعده من أطراف المنظومة ( domino effect ) والفرق بين طرفا وآخر هو عامل الوقت فقط، ويمكن أن تضع هذا التسلسل على اي عملا تجاريا، ولتسهيل استيعاب هذا التحليل والتسلسل، يمكن ان نفترض انك انت صاحب اي مؤسسة تجارية وهدفك الربح المالي، فهل يا ترى سوف ينطبق هذا التسلسل عليك ام لا، ولكي تتفهم بعض القرارات، فعلينا أن نضع أنفسنا في مكان ملاك المؤسسة التجارية، ونرى يا ترى كيف سوف نتخذ القرارات التجارية السليمة وفي أوضاع اقتصادية مختلفة (وقت الرخاء) و (وقت الشدة)

اعلاه، هو محاولة للابتعاد عن العاطفة في إصدار الاحكام، ومحاولة لفهم المنظومة بشكل متكامل، وهو دعوة للتامل والتحليل المنطقي، فلربما ينطبق هذا التحليل على الكثير من المؤسسات التجارية الخاصة، ولكن لا يعني ذلك عدم وجود استثناءات من البعض ومحاولة بعض الشركات إلاستفادة من (الموجة) واتخاذ قرارات غير سليمة تضر البعض من العمانيين وقراراتهم غير مبنية على مبررات حقيقية.

التحليل اعلاه ايضا، هو دعوة لإثراء الموضوع والتفكير بصوت عالي وإيجاد حلول عملية تتناسب مع الأوضاع التجارية الحالية ومن زوايا مختلفة دون تشنج او التركيز على زاوية واحدة وإهمال باقي الزوايا.