ما لا تعرفه عن استراتيجيات عمل المهام الخاصة بشرطة عمان السلطانية

0
4111

تعد قيادة المهام الخاصة والوحدات التابعة لها، أحد أهم سواعد العمل الشرطي ومرتكزاته في حفظ الأمن وتحقيق النظام وترسيخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية ،

 ولعل المواقف المشرّفة التي انتهجتها في الفترات السابقة، خير شاهد على فاعلية الدور وكفاءة الممارسة، غير أن هناك الكثير مما لا نعرفه عن طبيعة الدور الذي تؤديه في عمقه وقوته ورصانته ودقته اوعطائه وانتاجيته وبنائه الفكري والمهاري .

والذي ارتبط بتعزيز البنية الأدائية والتشغيلية والأمنية لها عبر جملة من المحددات

إن طبيعة منظومة التدريب التي تعتمد عليها وتنطلق منها فلسفة عملها، والبرامج والمهارات التي تستنطقها في سلوك منتسبيها، من الدقة والتكتيكية بمكان، فهي تتعامل مع أدق الظروف وأصعب المواقف الطبيعية والطارئة والاستثنائية، وتتفاعل مع منظومة إنسانية لها طرقها وأدواتها ومهاراتها الخاصة ، التي تستدعي التوازن في إدارة استراتيجيات عملياتها .

في ظل صورة مكبرة للعمل الأمني الشرطي في أبعاده الإنسانية والاجتماعية والاخلاقية والسلوكية والقيمية ، وأنظمة متقنة في التدريب على المهارات الاساسية الشرطية العامة أو الخاصة بعناصر المهام ، ومنظومة قيادية تتفاعل مع طبيعة التحديات وتستجيب لمعطيات الواقع ، كإدارة المشاعر والحوار وعمليات التواصل والاتصال، والتعامل مع الحالات الانسانية بصورة تتطلب المزيد من العمق في قراءة السلوك ودراسة المواقف وفهم مقتضيات العمل ، بطريقة تضمن قلة في حجم الخسائر والأضرار الناتجة أو منعها بشكل كلي، وتخفيف حدة الفعل السلبية التي تثير لدى المجتمع حالة الخوف والذعر والقلق في ظروف الأنواء المناخية او الاعاصير والامطار والرياح وغيرها .

وامتلاك أدوات التأثير في سلوك الناس وتغيير قناعاتهم حول بعض المواقف ، وامتصاص الصدمات، وسرعة الاستجابة المعلوماتية وتحليل البيانات والاستفادة من الاحصائيات والتمكين الرقمي وغيرها، بما يتطلبه من توفر أدوات تكتيكية وآليات تتناسب مع المواقف وتتوافق مع التوقعات، من حيث درجة توفرها، وفاعلية أدائها، وسرعة الحصول عليها وسهوله استخدامها، بالشكل الذي يضعها في مسارات تدريب مستمرة عبر الاستفادة من التجارب المطروحة،

وقراءة مستوى التوظيف الايجابي لها في واقع عملها اللوجستي والاستراتيجي، واستيعاب تحدياته وفهم خصوصيات الناس وظروفهم، وكيفية التعامل مع المفاهيم والخبرات بما يعزز فيهم قيمة إنتاج المعرفة. على أن الاستخدام الأمثل لهذه الأدوات والاليات في تحقيق الغايات والأهداف، وامتلاك طريقة استخدامها بالشكل السليم بما يقلل من تعطل وقت الانجاز أو تضيع الفرص المتاحة للأفراد في التعامل مع المشكلة، يؤكد ارتباط منظومة عملها باستراتيجيات تدريبية متخصصة تراعي طبيعة عمل فصائلها وأقسامها، وهو تدريب يتسم بالرصانة والقوة والمخاطرة المصحوبة بالتنافسية والابتكارية والتميز ودقة الانجاز، واستخدام مختلف الفنون القتالية أو التكتيكية أو الدفاعية أو أسلوب تشتيت الأنظار أو تفريق التجمعات السلمية وغيرها وقدرة فائقة على استخدام مختلف الأسلحة بطرق متنوعة وفي أوقات وأوضاع وهيئات وأساليب وأنماط مختلفة تبرز مستوى الجاهزية الأدائية الأمنية لأفرادها، فإن الرسالة الإنسانية والوطنية والأمنية السامية التي تؤديها ، تقتضي البحث عن كل الفرص التي تتيح لها توفير بدائل المعالجة للمواقف في كل الظروف التضاريسية والمناخية على الأرض أو تحت الماء.

لقد تطلب تمكين قيادة ووحدات المهام الخاصة من القيام بمسؤولياتها بكل كفاءة واقتدار، تعزيزها بالكادر البشري المؤهل والمعد تعليما وتدريبا وتثقيفا وانضباطا في إطار عمليات تطوير استوعبت مختلف أنشطتها وجوانب عملها ، وكان لمتابعة معالي الفريق المفتش العام للشرطة والجمارك واشرافه المباشر على عمليات التطوير دوره في إيجاد منشآت خاصة بوحدات المهام بولايات السلطنة منفصلة عن بقية مراكز الشرطة، استجابة لمقتضيات التطوير وقد أنتجت الفترة الماضية عن افتتاح العديد من وحدات المهام الخاصة في مختلف المحافظات وسيمثل افتتاح مبنى قيادة المهام الخاصة بالخوض، تحولا منظورا في قدرتها على التعامل مع استراتيجيات العمل القادمة، في ظل رؤية وطنية تستشرف ضمان تحقيق الأمن والأمان والاستقرار وبناء أرضياته .

كما شمل التطوير البنية التنظيمية لهذه المنشآت، واكتمال مرافقها التنظيمية والإدارية والتقنية والإلكترونية والتشريعية وتزويدها بالموارد والأفراد والكفاءات، إضافة إلى الخدمات الترفيهية والرياضية والتثقيفية منطلقة من تأصيل القيم الدينية او الروحية التي عبر عنها المسجد الذي يتوسط بيئة المهام الخاصة ويتجاور مع ميدان الاستعراض والتدريب ، لتشكل بدورها في ثلاثية متناغمة مع برج الساعة مرتكزات داعمة للتنفيذ (البناء الفكري والتدريب والنظام أو الوقت). إن أدق وصف في تقديرنا لهذه البيئات في حجمها واتساعها وتنوعها وبيئتها المتكاملة،

“مدن أمنية ذكية” لما تحتويه من أنشطة وبرامج دينية وتثقيفية وتوعوية، ومرافق صحية وقاعات تدريبية وقاعات متعددة الاستخدام ومكاتب إدارية ومخازن للذخيرة والأسلحة ومواقف مخصصة للمركبات، وبيئات تسوق وبيئات ترويحية مفتوحة ومغلقة لممارسة الرياضات المختلفة، وبركة للسباحة والغوص وغيرها من الخدمات، مجهزة بأعلى المواصفات الأمنية والرقابية والتقنية وشبكات الانترنت ، تستهدف تعزيز كفاءة عناصر المهام الخاصة وشعورهم بالقيمة الجمالية التي ستضيف إلى أدوارهم فرص استشعار قيمتها في سلوكهم المهني ، وتؤصل فيهم قيم الولاء للمؤسسة والعمل في بيئة مساندة لهم معززة لقدراتهم، ساعية نحو رفع معنوياتهم،

وفي الوقت نفسه ترسّخ فيهم قيم المسؤولية وتطبيق أنظمة العمل وفق أطر محددة ومنظومة عمل يشعر الجميع بأن عليه الوصول بها إلى أعلى مستويات الأداء والمهنية، مراعية ضمان توفير هذه البيئات لكل مقومات النجاح والتميز، عبر تمكينها من الاستفادة من التجهيزات والأدوات بصورة مقننة في عمليات التدريب والتأهيل لعناصر المهام، وفق خطط مدروسة وأنظمة تقييم ومتابعة واضحة.

وعليه فإن استراتيجيات عمل المهام الخاصة في ظل ما أشرنا إليه، تنطلق من وضعها لإنسان هذا الوطن وسعادته أولوية في عملها، مدركة لخصوصيته مراعية لظروفه، وهو أمر يضاعف من قدرتها على استيعاب الواقع الاجتماعي ليكون خير معين لأداء رسالتها الامنية .

إنها تحمل الأمن لتبني في ظله قيم العطاء والانتاجية وأفضل الممارسات، وتعزز في انسان هذا الوطن مفاهيم الولاء والمواطنة والتعايش والتسامح واحترام النظام والقانون وطريقة الحصول على الحقول والتعامل مع الأحداث ورداّت الفعل وسلوك التلفظ القولي وغيرها بحكمة وفق موازين الحق والعدل والإنسانية، منطلقة في عملها من مبادئ الاحترام والاعتراف بحق إنسان هذا الوطن ومواطنيه في ابداء الرأي.

إنها بذلك ترسم نموذجا عمليا في تحقيق إنسانية الأمن وتعميق دوره في سلوك الإنسان العماني، فإن استحقاقات هذا الواجب المقدس ، تستدعي اليوم وعيا مجتمعيا وشعورا بالمسؤولية الأمنية، ليقف الجميع إجلالا للساهرين على أرض الوطن، الحافظين لحدوده وموارده ومبادئه

د. رجب بن علي العويسي