الرونق العذب شذرات من اللؤلؤ الرطب ٧

0
1173

بقلم / ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

نستمع للسرد مجددًا من شيخنا الحارثي رضي الله عنه ولا نزال مع سيرة الإمام الرضي سالم الخروصي حيث يقول: وكان يبيتُ الليلة والليلتين لا يطعم شيئًا ولا يرضى أن يأكل من عند أحد، وكان المشايخ يتسابقون إلى دعوته للأكل ولكنه لا يرضى فصاروا يرسلون إلى بيته سرًا هل طبخ له أكلًا ؟ فإن لم يجدوا شيئًا أرسلوا له أكلًا زاهبًا فلما عرف ذلك صار يترك القدر على النار تغلي بماء وحده ويأكل التمر والماء وربما أخذ ( عوالًا ) فيذهب به إلى خارج البلد فيدقه ويأكل به التمر خُفية عن العيون والأسماع ، ويذكرني بهذه القصة ما حكاه الشيخ فرحات الجعبيري في دروسه لطلبة المعهد عن الشيخ أبي مسور: العالم المغربي الإباضي أنه كان يحضر الدرس مع شيخه أبي معروف
ويتأخر عن زملائه ليزداد علمًا وكان هذا دأبه كل ليلة ، وفي ذات ليلة كان خارجًا عنه والشيخ يشيعه فوطىء على طرف إزاره ، فانتشر منه حفنة شعير فقال الشيخ : ماهذا ؟ فخجل وبكى ، لأنه لا يود أن يطّلع على ذلك أحد ولكنه لا يمكن أن يخفي على شيخه فقال : ربما لا أجد طعامًا ، وليس عندي ما أشتري به طعامًا ، فأنقع هذا الشعير في الماء وأشربه لأستمد من طاقته ، فهؤلاء طلبة العلم الذين تعلموا فسادوا
وحدثني حميد بن حافظ الشرجي قال : جاء الإمام سالم وهو يتعلم آنذاك ، جاء إلى الرستاق فربط حمارته تحت جدار مسجد الكسفة ودخل يصلي فراثت الحمارة تحت الجدار ، فلما نزل الإمام ورأى الروث ، جاء ليحمله فيلقيه عن جدار المسجد فسبقه إليه رجل فقير فحمله عنه ، فأعطاه مكافأة بعض الأرز،
فيحكي ذلك الفقير أنه استعمل ذلك الأرز مدة طويلة، كلما أخذ منه وجده على حاله ولم يفرغ مع قلته حتى أخبر بعض أصحابه ففرغ عليه، ومن نزاهته وزهده أنه مر ذات يوم هو وأخوه على هضبة نخل على عاضد فلج ليس عليه سور، مباح لكل أحد من الناس والحيوانات، فقطع أخوه عصًا من بعض النخل ، فغضب عليه وقال : لا نبرح من مكاننا حتى نتخلص من ضمان ما أفسدت
فقال أخوه : لمن نتخلص ليس ملكًا لأحد ، فلم يبرحا حتى جاء من يثقون به من أهل البلد ، وأخبرهما أنه ليس ملكًا لأحد ، ووجد ذات يوم الإمام الخليلي وكانا طالبينِ عند الشيخ نور الدين في القابل وجده يغسل ثيابه من الفلج ، ويعصرها خارجه فقال : ليس لك ذلك اعصرها داخل الفلج لأن هذا الماء مُلكًا لصاحبه ، وكان إذا طلع نخلة ليخرف رطبًا ، ربط عينيه خوف أن يرى جوف بيت أجنبي ، فيخرف باللمس لا بالنظر وأخباره من هذا النوع كثيرة لم نستقصها – رحمة الله عليه –


ومن مرويات أبي أيضًا قال : اجتمع عند الوالد صالح بن علي في القابل المشايخ : أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلي ومحمد بن مسعود السعيدي من منح وكانا عالمين جليلين فصاحت امرأة شرقي البلاد يا آل يحمد : وكانت عزوة للحرث في عُرف القبائل فقام الشيخ الخليلي بسرعة فقبضه الشيخ السعيدي قائلًا ألدعوة جاهلية؟ قال : لا ولكن لإغاثة الملهوف ونُصرة المظلوم قال إذًا كلنا نذهب ، فذهبوا بعد ما صححوا النية ، كما أخبرني أيضًا : أنه كان الشيخ محمد بن سعود عند الوالد صالح وكان الوالد يرجو ذلك اليوم مشايخ بني بو علي وقد أرسل أولاده خيّالة لتلقيهم من خارج البلد ، ويريد أن يكرمهم إكرام مثلهم من أهل الشرف فقال للشيخ محمد : هذا الذي نريد أن نفعله فما نيتنا في ذلك ؟ رد الشيخ محمد عليه : إنك لم تفعل هذا بنية فعلمنا قال : نيتنا إكرام الضيف ، ونيتنا إعزاز المذهب ، ونيتنا إكرام أهل الشرف وعّد حوالي عشر نيّات فقال الشيخ محمد أحسنت تكفي واحدة والتسع زيادة لك في ثوابك
وسيأتي خبر الشيخ صالح وبعض من سيرته.

يتبع ..،،،،