شعب ينسج خيوط الوحدة بين افراده

0
2246

الإنسان اجتماعي بطبعه ، وقيل : إن الإنسان من الأُنْس ، والله طبع هذا الإنسان بغريزة العيش مع الجماعة من الناس يتبادل معهم المنافع والحاجات ، لا يمكن أن ينكفيء على نفسه ، ولا أن يستغني عن غيره ، فحياة العزلة للفرد غير ممكنة ، ولا يمكن تصوّرها إلا في قصص حي ابن يقظان أو في أفلام السينما الأمريكية أو الهندية ، التي تُعرف بخيالها الواسع ، وهذا الاجتماع بين بني البشر فرضته عوامل عدة منها ما هو اجتماعي أو اقتصادي أو أمني أو سياسي ، ومنها ما يتعلق بالطبيعة سواءً في الإنسان نفسه أو في الطبيعة من حوله وتأثيراتها عليه .

ولكن كل ذلك لا يكفي – وحده – لقيام التجانس والوحدة لأي شعب ، مالم يؤمن أفراد ذلك الشعب بالعيش المشترك وبوحدة الانتماء والولاء للأرض ، إضافةً إلى إيمان كل أفراده أيضاً بوحدة المصير والهدف والألفة والمحبة لبعضهم بعضاً ، انطلاقاً من مفهوم التكافل الاجتماعي ، إلى جانب الاستعداد المطلق وفي كل الظروف والأحوال ، وفي اليسر والعسر ، وفِي الشدّة والرخاء ، للتضحية والدفاع عن الوطن ، باعتباره الحاضن الأمين للماضي والحاضر للفرد ، وهو السند والظهير الحقيقي ، والبطن الثاني الذي يحمل كل فرد من أفراده ، بعد بطن الأم .

ولقد عُرِف عن الشعوب في القرون الماضية ، أنها عاشت قوة لا تلين ، في تماسكها ووحدتها واعتزازها وانتمائها للأرض ، واستعصت على الاختراق من أي جهة سعت لتمزيق تلك الوحدة ، إلا أنّ الشعوب اليوم تواجه تحديات كبرى حول بقاء واستمرار وحدتها وتماسك نسيجها الاجتماعي الداخلي ، في ظل الاضطرابات والعنف والتطرف ، والسعي الحثيث من قبل منظمات ودول لتقويض الوحدة الوطنية للشعوب وضرب السلم الأهلي بأساليب ووسائل قذرة منها إثارة الطائفية والمذهبية الدينية ، والإقليمية أو الجهويّة الداخلية ، أو الاختلافات القبليّة ، ناهيك عن استغلال عوامل أخرى كشراء الذمم لأصحاب النفوس المريضة ، خاصة في وجود صبيان غريرين ، على رأس السلطة في بعض الدول ، يتّسمون بقلة الخبرة ، وانعدام الحكمة ، هذا مع توفّر المال الذي أرهقهم وأغراهم بأحلام وآمال فوق مستوياتهم ، يحيطون بهم منتفعون وجدوا في سذاجة هؤلاء ، مرتعاً خصباً للانتفاع .
وإني لأعلنها اليوم ، وبكل أريحية ، أنّ وجود أمثال هؤلاء الصبية الحمقى ، إضافة إلى الاستعمار الاقتصادي ، لأشّد خطراً ، ليس على وحدة الدول والشعوب الأخرى ، وإنما هم خطرٌ حتى على وحدة دولهم ، ونسيج شعوبهم .

وإذا كان من نعم الله على هذا الوطن العزيز ، عمان ، أنْ وهبها قوة وتماسكاً في لحمتها ووحدتها الداخلية ، وفي جو ومناخ ، يكاد يكون نادراً في غيرها من الدول ، متمثلاً في تلك العناصر المتّسقة والمتناسقة كأنها عقْد من الألفة والمحبة والتسامح والتكافل الإجتماعي ، لا تنتثر حباته . فعلى مدار الخمسين سنة الماضية ذابت كل أنواع العصبيات القبليّة ، وأصبحت القبيلة مصدر فخر وانتماء وأيادٍ تتسابق نحو بناء الوطن ، أما التعصب المذهبي فهو أصلاً غير موجود ، فالشعب العماني يؤمن بوحدانية الله عزّ وجل ، ويشهد أنّ محمداً رسول الله ، وما عدا ذلك تبقى تفاصيل صغيرة لا تؤثر على عيشهم ووحدتهم ، فلا فرق بين الأباضي والسني والشيعي في المواطنة ، وأن المساجد لله أقيمت لعبادته ، يقفون جميعاً في صفٍ واحد متراصين يؤدون شعائر الصلاة ، قد يكون إمام صلاتهم سنّياً أو أباضياً أو شيعياً ، ويكاد السؤال عن المذهب الذي ينتمي إليه الفرد من الممنوعات الفطرية ، قبل أن تكون ممنوعات بالقانون ، لدى العمانيين ، وليس هذا من باب المبالغة أو العاطفة لكنّ مساجد العبادة تشهد بهذا التسامح الديني بين أطياف المجتمع ، وما من أحد زار عمان إلا ولمس ذلك عن قرب ، ومن لم تسمح له الظروف بزيارة السلطنة ، فبإمكانه مشاهدة تلفزيون سلطنة عمان الرسمي ، عند نقل صلاة الجمعة من جوامع مختلفة ، ليرى بام عينه الأباضي إلى جانب السني والشيعي .

لقد نسج العمانيون خيوط الوحدة والألفة والمحبة والتسامح بين بعضهم بعضاً ، فلا تمايز بينهم في الحقوق والواجبات وكلهم أمام القانون سواء ، ساعدهم على ذلك موروثهم الحضاري والفكري ، وقيم الدين والأخلاق، والأعراف والعادات والتقاليد ، التي تُعد مصدر فخر وعزة وانتماء لا يمكن للعماني التنازل عنها أينما حلّ أو ارتحل .

ومما يجب استحضاره أثناء الحديث عن الوحدة الوطنية العمانية الإسهام التاريخي والعبقري لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ، في بناء تلك اللحمة والوحدة الوطنية ، وفي توفير الدولة الأمن والاطمئنان ، والشعور بالانتماء والولاء للوطن ؛ حتى أصبح العمانيون في جمعهم واحد ، وفي واحدهم جمع .
إنّ إشاعة السلم الأهلي والدولي الذي انتهجته السياسة العمانية ، والنأي بالنفس عن الصراعات وسياسة المحاور، والحياد الإيجابي في الاضطرابات والنزاعات الإقليمية والدولية ، وفّرت للعمانيين مناخاً آمناً وهدفاً وغاية ، أجمعوا واجتمعوا حولها وآمنوا بحكمتها ونجاحها ، وهذا بلا شك عزز من وحدتهم وتماسكهم الداخلي ، وأبعدهم عن مخاطر الحروب والفتن التي تدور من حولهم .

وإذا كان هذا هو حال العمانيين في وحدتهم وتماسكهم ونسيجهم الاجتماعي الداخلي، وقد استعصت حالتهم على المتربصين والحاقدين وأصحاب النفوس المريضة ، وفشلوا هم وشياطينهم في اختراق وحدة العمانيين من أي باب حاولوا الدخول منه ، لأنّ الأبواب القوية الحصينة موصدة في وجه مؤامراتهم، ولن ينالوا من الوحدة الوطنية حتى وإن استعانوا بشياطين الجن والأنس ، فإنه ولكي يحافظ العمانيون على ما هم عليه من وحدة ولحمة ومحبة وتسامح وألفة وولاء وانتماء وولاء للوطن ، أن يكونوا على يقظة تامة مما يدور حولهم من صراعات في النطاق الإقليمي والعربي ، وما يُحاك حولهم من مؤامرات تستهدف وطنهم عمان المجد والشموخ ، عمان العزة والكرامة ، عمان التي لا يحلو العيش إلا فيها وتحت سمائها ، فعليهم جميعا أفراداً وجماعات ، الاستفادة من فائض الشعور والإيمان بأهمية الوحدة والحاجة إليها من أجل تعزيز هذه اللحمة المتينة والعروة الوثقى التي لا انفصام لها بإذن الله ، وأول مايجب فعله في ظل هذه الفوضى الاعلامية بشتى أنواعها محاربة الشائعات التي تسري في المجتمعات مسرى النار في الهشيم ، وعلى الدولة بكل مؤسساتها والإعلام المحلي الرسمي وغير الرسمي ، العمل على درء كل المخاطر التي يمكن أن تهدد المجتمع العماني في وحدته وسلمه وعيشه المشترك ، وسدّ كل النوافذ والأبواب والذرائع التي يمكن التسلل منها ، فالحسّاد كثر والغاوون أكثر ، ومع ذلك فباليقظة والالتفاف أكثر وأكثر تحت راية عمان الجامعة لكل العمانيين ، والمانعة لكل أنواع الفرقة ، والقاصمة ظهر كل المندسّين المنربّصين ، تتحصّن وحدتنا ولحمتنا الداخلية وستبقى بإذن الله كذلك وإنّا إن شاء الله لمن المنصورين .

وهناك دور أخر يجب على المؤسسات التعليمية بجميع مستوياتها وأنواعها ، يتمثل في غرس قيم المواطنة والوحدة والألفة والتسامح ، وترسيخ مفاهيم الولاء والانتماء للأرض والتضحية من أجلها ، ويجب أن يُفهَم أنالغرس والترسيخ لايكون بالتلقين المجرد ، وإنما بالقدوة وضرب أروع الأمثلة في الإخلاص والتفاني وحب الآخر .

وستحفظ المشيئة الإلهيّة عمان والعمانيين دائماً وأبداً لأنهم أهل حق وإيمان ومبدأ ، وسيزيد الله أهل عمان خيراً ماداموا متماسكين ومتمسكين بإسلامهم وأخلاقهم ووحدتهم وإيمانهم بوطنهم وإخلاصهم له ، والالتفاف حول سلطانهم وولي أمرهم سيد عمان ، ورمزها جلالة السلطان المعظم، .
عاشت عمان حرة أبية ، وعاش شعبها في أمن وأمان ورخاء وازدهار واستقرار .

الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي