بين الإطلاع والإنقياد

0
1114

مقال بقلم /يعقوب بن راشد بن سالم السعدي
في هذا المقال سوف أتطرق إلى عدة مفاهيم لعدة ثقافات راح ضحيتها شباب مسلم ودول وحكام وأسر ومجتمعات ، وما كتبت هذا المقال إلا لأنني أحسست بأن أوانه قد حان وذلك من خلال ما أرى وأسمع وأعايش عن قرب لبعض الشخصيات الحية في مجتمعنا والمجتمعات العربية والإسلامية الأخرى ، ثقافة الإنسان أصبحت في يومنا هذا بين خط النار وبؤرة الضياع والإنقياد الأعمى نحو هاوية إلا رجعة .

فكل ما تأتي من معلومات تصب في ذهن الباحث والمتابع والمتفرج ما هي إلا معلومات مغلوطة أو مأولة على غير حقيقتها ، وقد تكون أحيانا أخرى مدبرة أو مفبركة ليقع البعض في شرك لا يحمد عقباه ، كان نزاعا سياسيا أو إجتماعيا أو ممارسات حياتيه يومية .
أصبح وامسى العالم في صراع بين الحقيقة والخيال والصدق والكذب والشائعات تملأ الصحف المكتوبة المقروءة من الورقية والإلكترونية والمرئية .

كما إن هناك من الفيديوهات المفبركة كثيرة وشائعة على صفحات المواقع العالمية مثل اليوتيوب ، فتنهال هذه الثقافة المتشبعة والمشبعة على الفكر المعاصر بشيء من الثقل والكم الهائل الذي لا يحسب ولا يُعد ، فيصبح الإنسان المتلقي لها فريسة سهلة لكل تيار يطرق بابه وخاصة إذا كانت نفسة فضولية في الغوص وسبر بعض أسرار الحياة التي يراها من حقة الإطلاع عليها ومعرفتها ، فينغمس فيها دون وعي ولا إدراك ، فبعض البشر مثله مثل العاجز من تحليل كل الإطروحات التي يحتويها ميدان الساحة الكبير من المعلومات القصرية والجبرية التي تنهال على دماغه الصغير يوميا .

هناك عقول كثيرة تنجر إلى ثقافات العصر الحديث من توجهات ومعتقدات وديانات وممارسات بدافع الفضول والإكتشاف والتأمل والإطلاع بغية سبر غوار ومعرفة مكنون هذه الرسالات أو المعلومات المطروحة ، فيدخل في صراع شديد بين عقلة وقلبة وفكرة الغير ناضج والذي لا يستطيع أن يحلل هذه البيانات على مستوى من الوعي والإدراك فيقع في ما لا يحمد عقباه ، فترى البعض ينجرف إلى جماعات وعصابات سياسية أو دينية ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب ، يخرج عن ملته أو دولته أو عشيرته أو أهله أو مبادئه التي كان عليها .. لماذا ؟!! .. لأنه صدق ما يراه ويسمعه وما أُقنع به نفسه أو ما تم إقناعه به ، فيتحول من إنسان مثقف هادئ الطباع إلى إنسان يسب وينعل ويهاجم كل قريب وبعيد ، وصل إلى فاصل من حياته وبات مقتنع بأن المعلومات التي لديه هي الصحيحة الحقيقية وليس غيرها .

هكذا جرد المسلم من إسلامه الحقيقي وصُنع منه إرهابي ، هكذا جرد المفكر من رسالاته الشريفة نحو وطنة ليصبح محارباً ثائراً على وطنة وحكومته ، هكذا غُسلت عقول العساكر والسياسيين ليكونوا معدات هدم لوطنهم ومواطنيهم وليس معول بناء .

الغوص لسبر كثير من الثقافات والفضول في إستكشاف الجديد من الأمور المطروحة على الساحة العالمية تحتاج إلى إنسان يدرك ما هي وكيف يتعامل معها بفطنه وعقل يستنبط من خلاله الصواب من الخطأ ، هذه المنعطفات أودت بكثير من المثقفين ليكونوا صيدا سهلا لينا للمنظمات الخارجة عن القانون المحلي والدولي كلا حسب بلاده وتشريعه والتي من سياساتها الفتك بالإسلام والعرب في ميادين الحياة .

تجد المعلم والمربي والخبير والعالم والفنان والأديب وغيرهم الكثير الكثير من غرر به وخاض في بحر من الظلمات فقط لأنه صدق كل جديد وأتبعه بسبب شياطين الإنس وما يدونون على مواقعهم من كتابات وفيديوهات تبث سمومها زعاف ، فلابد تعلم ثقافة ( لا ) أو ( قف ) ، هذه الثقافة التي من شأنها أن تكبح لجام الفضول في كل شيء يحيط بك بالنسبة لك مبهم وجديد وقد يشعرك إنك ليس على ما يرام أو يشعرك إنك في خطر أو قد تقول في ذاتك ربما إني لست على الخط الصحيح ، هذه الكلمات البسيطة بحد ذاتها ثقافة العقل الواعي فقد يحميك من شرور نفسك وسيئات أعمالك .

البحث والإستكشاف والإستمرار فيه بطريقة لا تدرك مسارك الصحيح قد يجعلك دائما تبحر عكس التيار فتصطدم بواقع مرير يوصلك إلى هاوية سحيقة لا عودة منها ، السقوط في براثن الإثم والعدوان وبراثن الدمار النفسي والأسري والمجتمعي ما هو إلا سياسة خارجية تفتك بالإسلام والمسلمين حتى وهم آمنين في مجتمعاتهم ، كل ما علينا أن نختار الثقافة الحقيقية التي تُنشأنا النشأة المثلى ، وعلينا كذلك أن نتعلم كيف نفرق بين المفيد وعدمه وبين السار والضار ، فليس كل طريق به رجعه ، فبعض الطرق لها أتجاه واحد ومسار واحد .
الغرور والتباهي أحيانا هو سبب في إشعارنا بأننا مثقفين بما فيه الكفاية ولا يستطيع أحدا ان يغرر بنا أو يستعملنا عكس إرادتنا ، لكنه في الحقيقة هو تكابر وتكبر وتعالي حتى على أنفسنا قبل غيرنا ، الشيء الذي يحسسك إنك وصلت وإنك الأفضل ليس دائما هي القمة إنما ربما تكون طريقك إلى القاع العميق ومستنقع الوحل الذي لم تحلم يوما أن تعيشه ، قبل النظر بتعالي أنظر أسفل رجليك فربما كان هناك حجرا صلدا وتتعثر به ، فليس دائما النظر إلى أسفل هو خنوع أو دونيه وليس التراجع عن قرار اتخذته هو ضعف أو إستسلام .
فمثلا الآن منتشرة بشكل وأسع بين الصغار والكبار ثقافة الألعاب الإلكترونية التي أخذت تتنافس فيها شركات التصنيع بين بعضها البعض لنيل شرف المكسب والإنتاج السريع دون النظر إلى ما سوف تخلفه من دمار وسفك دم بارد لمستخدم هذه الألعاب أو لمن يتعايشون حوله من أقارب او جيران ، ولهذا تنفق الشركات المصنعة مبالغ هائلة تصل إلى المليارات ، فمثلا لعبة الببجي التي تجند الاعب ليصبح صياد على نفسه ومن حوله وكيف يستخدم السلاح ويبحث عن فريسته وغيرها من المعطيات التي تصاحب اللعبة ، فالدخول بهكذا لعبة عليك ان تنتصر وتقتل خصمك او تموت دون ذلك .
كل هذا وذاك بغيه غرس سمة القتل المتعمد لدى الجمهور وترسيخ مفاهيم ثقافية جديدة تشعل فتيل القتل والدمار بين المجتمعات المسالمة وخلق جيل جديد من الشباب الغاضب والساخط على كل شيء و لأي شيء وبدون أي شيء ، فقط هي نزعة وجدانية تغرسها هذه الألعاب ويتثقف عليها المتلقي لها لتصبح بعد ذلك عادة تولد إرادة سفك الدمار البريئة بثمن بخص ، فتعم ثقافة القتل بين الشعوب ، وقد تخلق شرخ عميق في الأمة فتجعل من الدول العربية والإسلامية تقاتل بعضها بعض من أجل السائد والعام من المذهبية والدين والتاريخ أو الإقتصاد أو الماء أو الزراعة .
فلا تتعجبون إذا ذهبت بخيالي كل هذا البعد من التمزق في المجتمعات ومواطن العروبة ، فما حدث في السابق حين بثت ثقافة تغيير الحكام والوزراء في سائر الدول العربية والإنتفاضة التي حصلت وما أدت إليه من إنهيار الدول والحكام فانهارت معها الشعوب التي غرس في ذهنها ثقافة إن تغيير الحكام والوزراء في الدول هي حاجة صحية وملحة لتغيير الواقع المعاش إلى الأفضل ، وما حدث كان العكس ، إنهار كل شيء حولهم ، المعلومات التي تسقى لنا بين الحين والأخر من فيض الثقافات الدخيلة إلا متناهية والتي نتجرعها بإرادتنا ما هي إلا معين سقوطنا في ما لا يحمد عقباه حتى ولو بعد حين من الزمان .
ما أراه وأسمعه من أحداث في المجتمعات العربية ما هو إلا دليل على إبادة كيان الأمة شيئا فشيء لأنها حتى الآن ما تزال الأقوى رغم ضعفها ، وتكم قوتها في دينها المتين الذي ظل من قبلنا التمسك به والبناء والتعمير في أركانه ، والحفاظ على منهجه القويم وعقيدته السمحاء ، أن كل جديد مستحب ومرغوب يصبح لدينا وكأنه عرف أو قاموس أو فانوس نهتدي به في ظلمات يومنا وإن كان هذا اليوم مشمس ، لم نعُد نميز بين الجيد والمفيد وبين النافع والضار في إختياراتنا ، بل أصبحنا لا نفرق بين الحق والظلم ولا بين الخير والشر ولا بين المسموح والممنوع ولا بين المستحب والمكروه ولا بين الممنوع والمرغوب ، كل شيء تداخل علينا في بعضه البعض ، الثقافة الرخيصة الهزيلة ملنا إليها كما يميل العود الأخضر الضعيف اللين على جذع الشجرة نفسها .
لقد عمت عيوننا وقلوبنا مظاهر النداءات المغرضة البراقة من النعرات المدمرة ضد بعضنا بعض ، وذلك بدافع شيء أسمه الإصلاح وفي الحقيقة هو ضياع ما بعده ضياع ، متى تكون هناك عودة وصحوة ننشد من خلالها ثقافة المعلومات الصحيحة والحقيقية والمفيدة التي ترفعنا وتدفع بشعوبنا ومجتمعاتنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا إلى مكانها الصحيح الذي كانت عليه في السابق ، ونترك عنا كل الثقافات الدخيلة المشبوهة التي تنادي بالأفكار الضحلة والتي تسوق نحو الهاوية السحيقة ، علينا أن ننتقي لأبنائنا وبناتنا الألعاب الإلكترونية التي تثري عقولهم وتزيد من ثقافتهم الإيجابية نحو حياة صحية وثقافية لها أصول وجذور قوية لا تهتز داخلهم على المدى الطويل والبعيد ، فئة الشباب هي الفئة المستهدفة في الثقافة الإلكترونية الحديثة ، فهم زند الأمة الباني وهم معول هدمها ، فهم يتبعون كل جديد بوعيهم البسيط الذي لا يتعدى مفهوم ما يحيط بهم من أشياء ، ولا يروا إنها لها قيمة زمنية تغرس على المدى البعيد لصبحوا ويمسوا خطرا محدقاً على أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم .
كثيرين من هجر الجلوس مع أصدقاءه وأقرباءه وأخوته وأخواته وأصبح قابعاً بين زوايا أربع في غرفته على هاتفه أو أيباده أو .. أو .. ، لقد صنع لنفسه التوحد حين ضن إنه يقضي وقتا ممتعا مع نفسه ولعبته ، هو يُهيئ نفسه للكآبة التي سوف يدخل فيها عما قريب والتي سوف يبدأ معها في كراهية كل ما حوله والنظر إلى كل شيء بفكر وأعيون فيها من السلبية الكثير جدا ، هنا تبدأ عنده الانعزالية والإنطوائية فيصاب بمرض نفسي يدخله في صراع بين المعقول ولا معقول ، تولد معه وتتبلور فكرة الإنتقام والسخط على كل شيء حوله ويحس إنه إنسان غير مرغوب فيه أو الأخرين ينظرون إليه بنظرة دونيه أو نظرة لا إعتبارية وكأنه تكملة عدد بينهم ، كل هذه الأفكار تجعله يصدق نفسه ويكذب كل من حوله فتبدأ تظهر عنده الرغبة في القتل التي غرسها في نفسه من خلال اللعبة الإلكترونية ، فقد تشبع عقله وجسده وأحاسيسه بها طول فترة ممارستها .
أوجه رسالتي إلى هيئة تنظيم الإتصالات والمعلومات ووزارة التجارة والصناعة في عدم دخول مثل هذه الأجهزة واللعب الإلكترونية إلى السوق المحلية ، كما أطالب الهيئة بإيقاف كل اللعب التي قد تأثر على الشباب في محطاتهم الثقافية بالحياة اليومية ، وإذا ما تم حضر هذه المواقع من الشبكة المحلية وإيقاف دخول أجهزة بلاستيشن التي تحتوي على الأفكار الهدامة وخاصة التي من الممكن أن تربط ببث مباشر عن طريق الأونلاين ، إذا حضرنا شيء قد يمحوا من قيمنا وديننا وعاداتنا فهذا عين الصواب والرأي وليس له علاقة بالتخلف والرجعية كما يظن البعض من الجهلة ، عليهم أن يعلموا أن ليس كل جديد مفيد وليس كل قديم مضر أو يبعث على التراجع ويكبل خطى المستقبل ، بل إلتزام مبدأ الأمن والأمان والحذر والوقاية خيرا من السقوط في وحل الثقافة البائسة التي يود لنا الغرب ممارستها ، عندما تموت فينا قيمنا ويضمحل داخلنا ديننا حينها سوف نرقص على جثث بعضنا البعض بأقدام عارية وقلب ميت .